تقرير: نديم علاوي

على امتداد السهول الغورية في أراضي العوجا والمعرجات شمال أريحا، يبدأ رعاة الأغنام مع اقتراب موسم الربيع كل عام، البحث عن العشب والكلأ، فيما تحتل أغنام المستوطنين الأراضي الرعوية الخضراء، رأسا رأسا، ومترا بمتر.

هناك، يكسو الخَضار سهول محافظة أريحا والأغوار الحدودية، فيستغل رعاة الماشية بضعة أيام مشمسة دافئة، للخروج من مساكنهم بعيدا إلى المرعى، ولا أنيس ولا سمير لهم سوى أجراس أغنامهم وأقواس قزح.

كلا الراعيين عصمت عطا كعابنة، ومحمد سليمان كعابنة، حاصرتهما اليوم مجموعة من المستوطنين أثناء رعيهما أغنامهما في أراضٍ رعوية في منطقة عرب المليحات بطريق المعرجات، وأجبروهما على ترك المراعي، تحت تهديد السلاح.

كعابنة قالا لـ "وفا"، إن اعتداءات المستوطنين المتصاعدة على الأراضي في أريحا مؤخرا، تحول دون تجاوزهما مسافة أكثر من 2 كيلو متر عن مساكنهما للرعي والمرعى.

كعابنة هما اثنان من مئات رعاة الماشية الفلسطينيين الصامدين فوق أراضيهم في أريحا والأغوار الفلسطينية، رغم معاناتهم نقص المراعي؛ بسبب استيلاء المستوطنين على الأراضي الرعوية.

إلى جوارهما حيث يقطن علي مليحات كعابنة (28 عاما)، الذي يصفه مواطنون، بأكثر رعاة الأغنام معرفة بمنعطفات الطرق والسهول والمنحدرات، بمحاذاة طريق المعرجات الرابط بين محافظتي أريحا ورام الله، تعرض للمرة الثانية منذ أسبوع، لمنعه من الرعي من مجموعة من المستوطنين الذين يطلق عليهم "شبيبة التلال".

ويقول مليحات لـ "وفا"، وهو لم يعد يجد متسعا أخضر للرعي هذا العام، "العين بصيرة واليد قصيرة".

ويتابع، أنه بات يستعجل الرعي باكرا، ويضطر إلى تغيير وجهته إلى المراعي الوعرة، تجنبا لاعتداءات المستوطنين. ويتجه إلى إطعام أغنامه الخبز الجاف، والاعتماد على شراء الأعلاف باهظة الثمن.

أما راعي الأغنام محمد غوانمة (44 عاما) الذي تعرض قطيع أغنامه المؤلف من 90 رأسًا، الشهر الماضي إلى السرقة من المرعى بين سهول العوجا والمعرجات، من مستوطني مستوطنة "كوكب الصباح"، شمال مدينة أريحا، فيقول لـ"وفا "إنهم المستوطنون الجبناء واللصوص للأرض والماشية في آن واحد، حين يفلتون أغنامهم في مراعينا، ويسرقون أغنامنا في حين غفلة، لإجبارنا على الرحيل بسلب مصادر رزقنا الأساسية في الحياة هنا".

 

"في هذا العام، يُجبَر العديد من رعاة الماشية على ترك المراعي الخضراء، رغم شعورهم بالحاجة إلى الرعي في مثل هذه الأيام الشتوية الدافئة فيها، وأراضيها التي يكسوها الخضار نتيجة هطول الأمطار"، يتابع غوانمة.

مئات العائلات البدوية من عرب الغوانمة والمليحات والكعابنة، تعيش على تربية المواشي في المناطق الغورية والشفا غورية بالعوجا والمعرجات منذ ستينيات القرن الماضي، وبالتحديد بعد أن شردت من أرضها إبان النكبة عام 1948.

وحذر المشرف على منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو في فلسطين، الباحث حسن مليحات قائلا لـ"وفا"، من أن جرائم الاحتلال ومستوطنيه في عرقلة رعاة الماشية من الرعي على بُعد مسافة أكثر أو أقل من 2 كيلو متر عن مساكنها في الأغوار، يوضح شراسة جريمتي الاضطهاد والفصل العنصري اللتين يرتكبهما الاحتلال بحق الفلسطينيين، وكذلك عدم التزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة.

وأضاف، أن هذه السياسة هي سكة تهجير جديدة للبدو في الأغوار، تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير مباشر، من خلال توطين المستوطنين من الرعاة والمسلحين بأعتى الأسلحة في مثل هذه المناطق المستهدفة في الأغوار، كمحاولة لاجتثاث التجمعات البدوية المنتشرة في الأغوار، وإجبارهم على عدم إيجاد مساحة فلسطينية حرة.

ويشير الباحث مليحات إلى محاولات المستوطنين المتكررة برعي أغنامهم بين مساكن المواطنين في منطقة عرب المليحات، تأتي بحماية جيش الاحتلال ودعم ما يسمى "مجلس المستوطنات"، لمنع السكان من الاستفادة من تلك الأراضي.

ويلفت إلى استيلاء المستوطنين في 4 بؤر استيطانية في المنطقة الواقعة بين امتدادات منطقة المعرجات والعوجا، على المناطق الرعوية، وتجسيدهم حياة تشابه حياة البدو بالأغوار، عبر محاكاة النموذج البدوي الفلسطيني، واعتراض الرعاة وسرقة مواشيهم، وأكثر من ذلك سرقة الهوية، وإحلال المستوطنين محل السكان الأصليين في مخالفة واضحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

وتواجه الثروة الحيوانية في الضفة الغربية إجراءات تعسفية من الاحتلال ومستوطنيه.

 

وفي مقابلة مع مراسل "وفا" قال وزير الزراعة رياض عطاري، إن وزارة الزراعة تسعى إلى إعفاء مربي الثروة الحيوانية من ضرائب الأعلاف، ومدخلات الإنتاج والعلاج الخاصة بمربي الثروة الحيوانية، لتعزيز صمود الفلسطينيين خاصة في التجمعات المستهدفة، في القدس وأريحا والأغوار ومسافر يطا.