الديمقراطية ليست كلمة أو مفهوما عائما في الهواء الطلق دون ضوابط ومعايير محددة، وحدودها تقف عندما تتعارض مع حرية وكرامة الآخرين، الديمقراطية تؤكد وتقف إلى جانب حرية الرأي والرأي الآخر والتعبير وتنظيم الانتخابات الدورية في المؤسسات كافة، وعلى مستوى البلاد، وتشكيل الأحزاب والنقابات والاتحادات الشعبية، وتنظيم المظاهرات والاعتصامات والإضرابات دفاعا عن مصالح الشعب والنقابات في مجالات اختصاصها، وتحترم مختلف الأديان والمعتقدات والرؤى الفكرية الفلسفية الوضعية، وتتبنى خيار المواطنة والمساواة بين أبناء الشعب، وتعمل على ترسيخ التسامح والتكافل بين المواطنين جميعا بغض النظر عن أية فروق عرقية أو دينية او فكرية أو جنسية، وترفض التمييز بين الإنسان والإنسان على أساس اللون أو المكانة الاجتماعية .. إلخ.

لكن هذه الديمقراطية لا تؤمن، ولا تساند مطلق إنسان حاول، أو يحاول الإساءة لهذا الدين أو المعتقد أو ذاك، لأن مثل هذا التوجه لا يندرج تحت مفهوم الديمقراطية، لا بل يتناقض معه جملة وتفصيلا. نعم من حق الإنسان أن يحب أو يكره، يؤيد أتباع هذا الدين أو المعتقد، أو لا يؤيد. لكن التعدي على مقدسات ومعابد ومرجعيات أتباع الديانات السماوية أو الوضعية مخالف لأبسط معايير الديمقراطية. ويخطئ من يدعم أو يؤيد هكذا فعل إجرامي؛ لأنه يعمل على تأجيج الصراع والتناقضات داخل حدود المجتمع المعني، حتى يتجاوز ذلك، كونه يصبح عابرا للقارات حين تكون الجريمة تمس كل أتباع الأديان السماوية أو الوضعية.

وما حدث في السويد يوم السبت الماضي، بقيام اليميني المتطرف السويدي الدنماركي، راسموس بالودان بحرق نسخة من القرآن الكريم على مرأى من قطاع من المؤيدين ووسائل الإعلام وأمام الشرطة للاحتجاج على موقف تركيا من انضمام السويد لحلف الناتو، كان جرما مشهودا، وفعلا مسيئا، ومسا بمشاعر المسلمين جميعا، ولم ينحصر في الشعب التركي، وهو خطيئة فادحة. وهناك فرق شاسع بين حق التظاهر والتعبير عن الرأي في المسألة السياسية، وبين حرق المصحف الكريم، الحق الأول مشروع، ولكن حرق القرآن مرفوض، وغير مشروع، ولا يمت بصلة للديمقراطية؛ لأن فيه اعتداء صارخا على مشاعر أتباع الديانة الإسلامية داخل السويد وخارجها، وأيضا أسهم في تأجيج المشاعر العدائية، وكشف عن نزعة الكراهية والعنصرية البغيضة، التي يمثلها بالودان وأضرابه من أنصار اليمين المتطرف.

وما كان يفترض بالقيادة السويدية وجهاز الشرطة السماح بتلك الجريمة، العكس صحيح، كان مطلوبا الحؤول دون حرق المصحف الشريف، مع السماح بالمظاهرة، ورفع شعاراتها ومواقف منظميها. وعلى أهمية استنكار رئيس الوزراء السويدي المحافظ، أولف كريسترسون أمس الأول، لعملية حرق المصحف الشريف، إلا أن الضرورة كانت تملي عليه، وعلى حكومته منع حرق أحد أهم المقدسات الإسلامية. وبالتالي ما عبر عنه  بـ"التعاطف" مع المسلمين ليس كافيا، والذي جاء بعدما لمس ردود الفعل في أوساط شعوب العالم الإسلامي، وكتب في تغريدة على تويتر أن "حرية التعبير هي جزء أساسي من الديمقراطية. لكن ما هو قانوني ليس بالضرورة أن يكون مناسبا". كما أضاف أن "حرق كتب مقدسة يعتبر بالنسبة للكثيرين عملا غير محترم للغاية". وأعتقد أن رئيس الوزراء جانب الصواب في بعض الجوانب المتعلقة بالمسألة الديمقراطية، لأن حرق القرآن ليس قانونيا، ويمس بالسلم الأهلي السويدي، لأنه أصّل للكراهية والتطرف والعنصرية. كما أنه لم يميز بين حق التظاهر القانوني، وبين المس بمشاعر أتباع الديانة الإسلامية.

ومن تداعيات عملية الحرق المرفوضة والمشينة، أنها دعت وزير الدفاع السويدي إلى تأجيل زيارته المقررة لتركيا الأسبوع المقبل، وهو ما أثر سلبا على الحوار المفتوح بين البلدين والنظامين السياسيين لتجسير التباينات بينهما. وبالضرورة تركت عملية الحرق للكتاب المقدس آثارا سلبية، مع أن القيادة السويدية كانت تعمل على ردم هوة التناقض بين القيادتين التركية والسويدية.

إذن حرق القرآن الكريم، أو أي كتاب مقدس، أو أي اعتداء على معابد المؤمنين من شعوب الأرض مرفوض رفضا كاملا كونه يمس بمقدسات ملايين ومليارات من بني البشر، ولا يعتبر بأي مقياس من المقاييس شجاعة، إنما يندرج في دائرة التفاهة والانحطاط والسقوط اللاأخلاقي والقيمي. وبالتالي لا يكفي تعاطف رئيس الوزراء اليميني، إنما عليه الاعتذار لأتباع الديانة الإسلامية. والعمل على محاكمة من حرق القرآن الكريم.