إيهاب الريماوي:

أصدرت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً ما أسمتها بالتعليمات والإيضاحات لجنودها بشأن إطلاق النار على المواطنين، مدعية أن إطلاق النار لا يتم إلا في حال الشعور بالخطر على الحياة، أو حال لا توجد طريقة أخرى لوقف إلقاء الحجارة نحوهم، حسب ما نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.

ووفق مزاعم الاحتلال فإن سياسته في إطلاق النار تتبع مسألتين أساسيتين، هما التناسب والتمييز، ففي المسألة الأولى فإن التناسب في إطلاق النار في حالة كان هناك خطر يشكله فرد واحد على جندي فإن القوة النارية يجب أن تتناسب مع ذلك، وفي المسألة الثانية، فإن مبدأ التمييز بأن إطلاق النار لا يتم باتجاه مواطنين أبرياء، أو غير منخرطين بالعمل العسكري.

لكن، وعلى أرض الواقع فإن هناك المئات من الشواهد تؤكد أن جيش الاحتلال لا يتبع ولا يلتزم حتى "بمعايير" قادته المرنة والفضفاضة بشأن إطلاق النار، حيث أن هناك استسهالا في إطلاق الجنود للنار، فمثلاً، في مساء التاسع والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر العام الماضي استشهد الشاب رائد النعسان في قرية المغير شرق رام الله بعد إصابته بالرصاص الحي في منطقة الصدر، وخلافاً ونسفاً لادعاء وجود تعليمات مشددة حول إطلاق النار، فإن شريطا مصورا قصيرا أظهر أنه استشهد بينما كان واقفاً عند مدخل منزله، ولم يكن يشكل أدنى خطر على الجنود الذين كانوا على مسافة بعيدة منه.

ووفق الوثيقة الجديدة الموقّعة باسم ما يسمى بالقائد العسكري للمنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي (المسؤولة عن الضفة الغربية)، يهودا فوكس "على الجنود العمل لمنع تشكل الخطر قبل أن يتحقق وذلك عبر القبض على أو اعتقال المشتبه بهم بإلقاء الحجارة أو استخدام معدات تفريق المظاهرات"، في إشارة إلى ضرورة الامتناع عن الاستخدام المباشر للرصاص الحي في التعامل مع الفتية الفلسطينيين الذين يزعم الاحتلال أنهم رشقوا قواته بالحجارة. وتتابع الوثيقة أنه "في حالة نشوء خطر حقيقي وفوري على الحياة نتيجة إلقاء الحجارة (ولم نتمكن من منع حدوث ذلك)، يجب إعطاء الأولوية لإحباط الخطر من خلال القبض على ملقي الحجارة أو باستخدام معدات تفريق المظاهرات أو عبر تنفيذ لوائح اعتقال مشتبه به والتي تنتهي بإطلاق النار على أرجل ملقي الحجارة (تحت الركبة)"، ولكن على أرض الواقع يحدث غير ذلك، وفي أقرب شاهد ما حصل فجر اليوم الثلاثاء، حين قتل جنود الاحتلال، وحيد أهله الطفل آدم عصام عياد (15 عاما)، بعد إصابته بالرصاص الحي في الصدر، خلال اقتحام مخيم الدهيشة، جنوب بيت لحم.

ويقول مدير عام التوثيق والنشر في هيئة الجدار والاستيطان أمير داود: "غداة أي جريمة لقتل فلسطيني فإن رئيس حكومة الاحتلال ووزير الحرب يخرجان يؤكدان أن الجنود غير قابلين للمساءلة، وبالتالي هي سياسة تصدر من الجهة العليا تؤكد على توفير الحصانة والحماية للجنود".

 

وأضاف: "هناك تعليمات واضحة بأنه في حالة وقع اشتباك بالأيدي مع فلسطيني، فإنه يجب إطلاق النار عليه، حتى لو لم يكن يحمل سكيناً أو مسدساً، فمن الواضح أن سلطات الاحتلال توفر الحصانة للجنود من أي محاسبة، بل تشجع على ذلك، فمثلاً يوم استشهد الشاب عمار مفلح من بلدة أوصرين بعد أن أطلق عليه جندي النار من مسافة الصفر بعد عراكهما بالأيدي في بلدة حوارة مطلع الشهر الماضي، خرج رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة وأثنى على جريمة الجندي واعتبره بطلاً، بل وطمأنه بأنه لن يخضع لأي مساءلة".

وتابع داود: "يعتبر الاحتلال أن عدم إعدام الفلسطيني الذي يدخل في عراك بالأيدي مع الجندي يسيء للجندي داخل المجتمع الإسرائيلي، وأيضاً قتل الفلسطيني رسالة بأن الجندي لا يُتعدى عليه، ولن يُسمح بالاعتداء عليه، وأيضاً هي محاولة لتخويف الفلسطينيين بأنه إذا فكر أحدهم أن يعتدي على مستوطن أو جندي فإن مصيره الإعدام".

ويشير بأن الجندي يتلقى تعليماته في الميدان من قبل ضابط صغير، ويعرف أنه يوفر له الحصانة، كما أن المستوطنين أنفسهم يتمتعون بالحصانة من أي محاسبة، ففي واقعة قتل مستوطن للشهيد علي حرب في شهر حزيران/ يونيو العام الماضي في قرية سكاكا بمحافظة سلفيت، أغلق ملف هذه الجريمة بعد شهر واحد فقط، دون أن يتم محاسبة أو معاقبة المستوطن.

ويلفت داود، إلى أنه قبل عامين بينما كانت الأوضاع الميدانية شبه مستقرة إلا أنه كان هناك سلاسة في إطلاق النار، غير أن المرحلة المفصلية كانت عام 2015 لما فسح المجال الواسع والسهل لقتل الفلسطيني، إن كان يشكل خطرا أو لا، فهناك فتيات قاصرات وأطفال قُتلوا لأنهم لوّحوا بِقلّامات أظافر تجاه الجنود، وهذا ما يفسر السياسة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تبيح القتل المباشر لأي فلسطيني مهما كان عمره.

ووفق المتخصص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور، فإن تعليمات إطلاق النار تحدد وفق الأوضاع الميدانية الراهنة، فمثلاً في عملية ما أطلق عليه جيش الاحتلال باسم "كاسر الأمواج" العام الماضي فإن التعليمات كانت أنه بإمكان الجندي قتل الفلسطيني حتى لو ألقى حجراً.

وتابع:" أوامر إطلاق النار عند الاحتلال تعطي شبه ضوء أخضر للجنود بتقدير الموقف الذي يكونون فيه، ففي الماضي كان فقط الضابط المسؤول عن الوحدة العسكرية العاملة في الميدانية هو من يسمح للجنود بإطلاق النار، لكن الآن بإمكان الجندي أن يقدر الموقف لوحده ويطلق النار".

ويؤكد منصور، أنه خلال السنوات الأخيرة فإن تعليمات إطلاق النار مخففة جدا وتعفي الجندي من أي مساءلة أو تبعات لجريمته، سواء قتل أبرياء، أو لم يشكل خطرا مباشرا يهدد حياته، فمثلاً صحيفة هآرتس الإسرائيلية كشفت أنه منذ عام 2017 لم يتم التحقيق إلا مع جندي واحد قتل فلسطيني، حتى أن هذا التحقيق لم يُفضِ لمحاسبته أو معاقبته.

ومنذ بداية العام الجديد استشهد ثلاثة مواطنين، بينما استشهد خلال العام الماضي 224 شهيدا، بينهم 59 شهيدا من محافظة جنين