لم يخطر ببال هيرتزل عندما أسس الحركة الصهيونية أن تتحول دولته المنتظرة إلى واحة للديكتاتورية والشخصانية. وفي أسوأ الأحوال اعتبر هيرتزل أن "دولة اليهود الديمقراطية" ستجذب الحلفاء من الدول الغربية. وبعد أكثر من 120 عاما على مؤتمر بازل الأول، تحولت دولة هيرتزل إلى دولة دكتاتورية بجدارة، واستحق نتنياهو لقب "ملك تل أبيب" بجدارة، حيث تقترن الملكية بالسلطوية والبقاء في الحكم لأكثر مدة ممكنة.

نتنياهو زعيم حزب الليكود الأوحد، انفرد عن بقية رؤساء الدولة العبرية بالحكم لأكثر فترة زمنية زادت عن الـ 12 عاما متتالية، ولم يطق أن يبتعد عن السلطة التي أقصاه عنها  تحالف لبيد وغانتس قبل عامين، وبرغم ملفات الفساد التي تلاحقه، نجح في تشكيل تحالف يميني متطرف قبيل انتخابات الكنيست الـ 25 في أوائل الشهر الجاري، ليفوز في اختيار رئيس دولة الاحتلال له بتشكيل حكومة بزعامته. ومن أجل أن يحقق نتنياهو حلمه بعودته للحكم، وفي ظل هشاشة الخارطة السياسية وتشرذمها في الكنيست الإسرائيلي، أعلن نتنياهو عن نجاحه في عقد اتفاق مع بن غفير زعيم حزب "القوة اليهودية" المتطرف. ومنح الاتفاق الأخير حقيبة الأمن الداخلي  برغم أن بن غفير نفسه متهم بالإرهاب والتطرف وملاحق لفترة طويلة من قوات الشرطة الاسرائيلية. من جانب آخر، منح الاتفاق صلاحيات واسعة لبن غفير تشتمل حسب مصادر إعلام عبرية على شرعنة البؤر الاستيطانية ، وتعديل قانون الانفصال (عن غزة) بهدف شرعنة البؤرة الاستيطانية "حومش" (شمالي الضفة) بما يسمح بتواجد يهودي هناك للدراسة في المعهد الديني التوراتي، وإنشاء مزيد من الطرق الالتفافية، وتوسيع شارع 60 وتخصيص الميزانيات اللازمة، إضافة إلى ذلك حصل بن غفير على صلاحيات واسعة للتنكيل بالفلسطينيين وقمع احتجاجاتهم ضد الاحتلال.

في الواقع، خاطر نتنياهو بعلاقته الباردة في الأصل مع الولايات المتحدة التي لم تخف انزعاجها من استلام بن غفير أي حقيبة في حكومة نتنياهو، كما خاطر بتحطيم سمعة دولته في العالم أجمع باعتبار حكومته تضم متطرفين مستوطنين وإرهابيين. وخاطر نتنياهو أيضاّ بتفكيك أنظمة الدولة وتأسيس جيش خاص لخدمة بن غفير على حد تصريح "غانتس". وبالمحصلة، فإن إسرائيل تتجه إلى مزيد من السلطوية والتطرف في عهد حكومة نتنياهو الجديدة، ولن يكون بمقدور الأخير أن يدافع عن ديمقراطية دولته واحترامها لحقوق الإنسان في ظل وجود مجموعة وزراء في حكومته يدعون علناً إلى قتل العرب وتهجيرهم وهدم المسجد الأقصى. وفي كل هذه المخاطرات تبقى الرغبة في السلطة هي العامل الحاسم لدى نتنياهو، الذي خضع لابتزاز الصهيونية الدينية وعرّض بالمقابل أمن ومصالح دولته للخطر.

المصدر: الحياة الجديدة