أشكال المقاومة وكسر شوكة الإرهاب كثيرة، لا تنحصر في شكل بعينه، رغم أن لكل شكل أفضلياته وأولوياته ارتباطًا بشروطه: الزمان والمكان، والذات والموضوع وجدلية العلاقة بينهما؛ لأن شرط الكفاح المسلح يختلف عن شرط النضال السياسي والمقاومة الشعبية، أو شرط النضال البرلماني أو النقابي، وقد تتكامل في لحظة تاريخية كل الأشكال ارتباطًا بمجموع المعطيات، وقد تتراجع بعض الأساليب الكفاحية نتاج جملة من الكوابح والمعيقات، وفي ذات الوقت تتقدم أساليب كفاحية بالمواءمة مع عوامل الصراع، وطبيعة موازين القوى بين الطرفين.

استقرت القوى الحزبية والسياسية وسط التجمع الفلسطيني العربي داخل دولة الاستعمار الإسرائيلية، بعد عقدين أو أكثر قليلاً من نكبة الـ 48، وفي أعقاب هزيمة العرب في حزيران/ يونيو 1967 على انتهاج شكل النضال السياسي والبرلماني، إلى جانب شكل النضال النقابي من داخل "الهستدروت"، وبالتكامل مع شكل المقاومة الثقافية دفاعًا عن الهوية الوطنية واللغة العربية في مواجهة الأسرلة، وطمس الشخصية الفلسطينية العربية. وتدريجيًا أولت القوى الحزبية من تيارات مختلفة النضال داخل الكنيست أهمية كبيرة، لما له من تأثير إيجابي في تكريس الهوية الوطنية، والحد من تغول القوى الصهيونية المختلفة، وليس اليمين فقط. رغم أن هناك اتجاهات حتى يوم الدنيا هذا ترفض هذا الخيار، وبعضها متحفظ عليه، ويعتبره قاصرًا عن تحقيق الأهداف الوطنية والمطلبية نتاج تهافت بعض القوى، وتساوقها مع اللعبة الصهيونية، أو لكونها ولدت وتبلورت بدعم من أجهزة الأمن الإسرائيلية لإضفاء الصبغة "الديمقراطية" على دولتهم، دولة التطهير العرقي الإسرائيلية.

لكن الغلبة كانت لصالح خيار النضال السياسي والبرلماني، وخوض لعبة الصوت في صناديق الاقتراع. والذي أثبت جدارته، وأهميته سابقًا، وراهنًا، وإلى حين، بالتلازم مع النضالين الثقافي والأكاديمي والنقابي، دون أن تلغي هذه الأشكال الأخرى في زمن بعينه، وفي ذات المكان الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية المختلطة.

ورغم تشظي وانقسام القوى الفلسطينية في الـ48، وعدم توافقها على برنامج الحد الأدنى، وتشييع تجربة القائمة المشتركة بسبب عوامل خارجية إسرائيلية وإقليمية، وداخلية فلسطينية، إلا أن معركة الصوت الفلسطيني كانت، وما زالت تحتل مكانة هامة. لا سيما أن تعاظم واتساع دور ومكانة القوى اليمينية الصهيونية عمومًا بزعامة نتنياهو، والقوى الفاشية أمثال بن غفير وسموتيريتش وأضرابهم، التي باتت تحتل المركز الثالث في البرلمان، وفق استطلاعات الرأي الإسرائيلية المنشورة، وتتوعد يوميا الفلسطيني العربي في أرجاء الدنيا، أولاً حملة الجنسية الإسرائيلية، وثانيًا في أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967، وثالثًا فلسطينيي الشتات والمهاجر، فضلاً عن الكل العربي من المحيط إلى الخليج، وليس من النيل للفرات فقط. ومن تابع شعار الكهاني بن غفير، زعيم "القوة اليهودية" الذي ينشر ويذاع على الفضائيات الإسرائيلية يوميًا، يدرك حقيقة تهديده للفلسطينيين العرب بعظائم الأمور، والذي قد يرقى إلى تنفيذ خيار الترانسفير، وهو ما نبه إليه البروفيسور الصهيوني يورام يوفال، حين أشار، إلى أن كل العصابة النازية تستعد لارتكاب نكبة ثالثة ضد الفلسطينيين من خلال عملية تطهير عرقي تطال "400 ألف فلسطيني يتم نقلهم بـ200 حافلة" إلى المجهول. ويوفال ليس حريصًا على الصوت الفلسطيني، إنما له حساباته، وأراد تحقيق هدفين، الأول تحفيز الفلسطينيين للتصويت لائتلاف لبيد غانتس بذريعة درء مخاطر الفاشيين، وهم لا يقلون همجية ووحشية عن خصومهم النازيين، والثاني لإدخال الرعب في نفوسهم من القادم. وبعيدًا عن خلفياته، من المؤكد في زمن صعود وطغيان النازية الصهيونية كل السيناريوهات محتملة، وقابلة للتحقق في الواقع الصهيوني؛ لأنه الحاضنة الأمثل والأكثر قابلية وملاءمة لتفريخ وتنامي الظواهر الإرهابية والنازية في المجتمع الاستعماري.

مع ذلك، فإن قيمة وأهمية الصوت الفلسطيني تكمن في التصويت للقوائم الوطنية والديمقراطية، بغض النظر عن أي نواقص أو أخطاء، أو مثالب في أوساط تلك القوائم، دون إغفال ذلك، أو القفز عنها أثناء مساءلة ومحاكمة أعضاء الكنيست. وعليه تملي الضرورة الشخصية والوطنية الاندفاع نحو صناديق الاقتراع والتصويت للجبهة والتغيير والتجمع الوطني الديمقراطي، وعدم التصويت لأي كتلة أو قوة صهيونية مهما ادعى ممثلوها زورًا وبهتانًا الاختلاف عن بن غفير وسموتيريتش أو للقوة المتواطئة مع الائتلافات الصهيونية.

 

إذن من يريد فعلاً لا قولاً من أبناء الشعب الفلسطيني مجابهة الصهيونية عليه التوجه لصناديق الاقتراع يوم الثلاثاء المقبل دون تردد، أو تلكؤ، أو مغمغة، ودون حسابات صغيرة، وبعيدًا عن الرشوة. عندئذ سيكون للصوت الفلسطيني أكثر من أهمية، أولاً إبراز ثقله في صناديق الاقتراع؛ ثانيًا في زيادة المقاعد الفلسطينية داخل الكنيست، ولهذا دور هام في إمكانية تحقيق الأهداف المطلبية الاجتماعية والديموغرافية، والأهداف السياسية الوطنية، ودعم عملية السلام على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثالثًا تحديد هوية رئيس الحكومة القادم، أو بتعبير آخر تعميق أزمة المجتمع الكولونيالي الصهيوني، ودفعه للسقوط في دوامة الانتخابات اللانهائية، والتي ستفجر الوضع الداخلي الصهيوني، وفتح مرجل بركان التناقضات التناحرية بين قواها المختلفة، مع ما يحمله ذلك من تداعيات أكثر خطورة، من أبرزها انفجار الحرب الأهلية المعقدة. أمام أبناء الشعب الفلسطيني خياران أساسيان الآن، فإما أن تكونوا مع ذاتكم وخياركم المطلبي والوطني، أو لا تكونوا، وتساقون فرادى إلى ما لا يحمد عقباه.

المصدر: الحياة الجديدة