منذ إنشاء السلطة الوطنية، ظلت العديد من خطابات الاعتراض الفصائلية تطالب بوقف ما سمته التنسيق الأمني، وهو الوارد في اتفاقية أوسلو تحت بند الترتيبات الأمنية، لا التنسيق الذي افترت بعض هذه الخطابات بأنه لمطاردة المقاومين واعتقالهم..! ولغير مرة، أوضحت السلطة الوطنية أن هذه الترتيبات معنية بالدرجة الأولى بالحفاظ على سير الحياة في مناطق ولايتها، دون أية منغصات عسكرية إسرائيلية، ومن أجل إلزام إسرائيل في المحصلة بالتطبيق العملي لبنود اتفاقية أوسلو للانتقال به إلى التسوية الدائمة.

لم يكن هناك من عدو لاتفاقية أوسلو أكثر من اليمين الإسرائيلي المتطرف، اغتال إسحاق رابين، ومضى يقوض أسس هذه الاتفاقية تباعا، وعلى نحو محموم، وباتت "الترتيبات الأمنية" بالنسبة للسلطة الوطنية صراعًا مع إجراءات جيش الاحتلال التعسفية، وقد اتضح الواقع اليوم بانعدام أي معنى من معاني التنسيق الأمني بين السلطة الوطنية ودولة الاحتلال الإسرائيلية، التي باتت تصعد من حربها الاستراتيجية ضد المشروع الوطني الفلسطيني، باقتحامات جيشها العنيفة لمدن وبلدات وقرى الضفة الفلسطينية، وبرصاصه المنفلت على القتل، وجرافاته المنفلتة على الهدم والتخريب.

حركة حماس أكثر جهة استخدمت عبارة التنسيق الأمني ثيمة أساسية في خطاب هجومها على السلطة الوطنية، وبادعاءات ما أنزل الله بها من سلطان ...!!!  لا نظن أن هذه الثيمة ستغيب عن خطاب حماس الشعبوي، لكن ما سيغيب هو قدرتها على تغطية تنسيقها الأمني المتآمر لا على المشروع الوطني فحسب، وإنما حتى على المقاومة كما أثبت حسن التزامها، وانضباطها لتفاهمات التنسيق مع جيش الاحتلال خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة المكلوم...!! ثلاثة أيام من العدوان العنيف وحماس صم بكم وعمي فهم لا يتكلمون..!! والواقع أن حماس لم تكن في هذه الحالة لأسباب فيزيائية، وإنما هو التنسيق الأمني الذي لم يعد هناك من تنسيق سواه.

والموقف اليوم ضد هذا التنسيق الخطير برسم كل الذين هاجموا السلطة الوطنية بذريعة تنسيقها الأمني مع دولة الاحتلال، الذي لم يكن للحظة واحدة، كما زعموا واتهموا، فهل نسمع منهم اليوم كلمة واضحة في هذا الاطار.

المصدر: الحياة الجديدة