من يتابع الإعلام الإسرائيلي منذ عدة أسابيع يلاحظ أنه يركز على فكرة واحدة فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني، هي أن الضفة على وشك الانفجار، وأن حماس اختارت الرد على تأجيل الانتخابات بتأجيج الأوضاع في الضفة والدفع باتجاه انتفاضة ثالثة. يذكر أن هذه الفكرة نفسها تحدثت عنها إسرائيل، بعد انهيار قمة كامب ديفيد عام 2000، حيث كان الإعلام الإسرائيلي يتداول تسريبات أمنية حول استعدادات جيش الاحتلال في عدة سيناريوهات لمواجهة انتفاضة في الأراضي الفلسطينية، وفي ذروة هذا الحديث قام شارون بجولته المشؤومة في باحات المسجد الاقصى، والتي كانت السبب المباشر لاندلاع انتفاضة الأقصى. اليوم الإعلام الإسرائيلي يكرر الفكرة ذاتها، فالأمر لا يحتاج إلا شرارة لإشعال الوضع!!.

من دون شك أن هناك إحباطًا عميقًا متراكمًا لدى الشعب الفلسطيني والذي قد يتحول إلى انفجار في أية لحظة. وأسباب هذا الإحباط عديدة يعود معظمها للاحتلال الإسرائيلي وممارساته، وغياب القدرة على تحقيق أي من الأهداف الوطنية، بالإضافة إلى ما هو راهن من الإحباط بسبب الحالة الوبائية، مع انتشار فايروس كورونا. وما نجم عنه من أزمات اقتصادية واجتماعية  ونفسية.

الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى وتراقب عن كثب كل هذه التطورات في الشارع الفلسطيني، وهي لا تخطط فقط لكيفية مواجهة الانفجار إن حصل، وإنما تخطط إلى أبعد من ذلك بكثير، بمعنى كيف يمكن أن تستغل إسرائيل الغضب والإحباط والانفجار بما يخدم مخططاتها. من هنا علينا أن نكون حذرين من هذه الحملة الإسرائيلية لإشعال الأرض من حولنا وتحت أقدامنا، وأن تدفعنا إسرائيل لما تريد هي وليس ما نريد نحن من أشكال  المقاومة.

وباستثناء بعض المبادرات الفردية القليلة، فإن الجانب الفلسطيني لم يجر تقييمًا عميقًا وموضوعيًا لتجربة الانتفاضة الثانية، ما الذي خسرناه وما الذي ربحناه، وكيف أدرنا هذه الانتفاضة؟ وأين أخطأنا وأين أصبنا؟

إن أولى الخطوات التي نحن بحاجة إلى القيام بها من أجل منع أي انزلاق لما تخطط له إسرائيل، هو تبريد الوضع الداخلي بأسرع ما يمكن، وهذا  يتطلب فورًا وقف جميع الحملات الإعلامية في مواجهة بعضنا البعض. الدخول فورا في حوار وطني شامل.

ومن وجهة نظري يأتي الانقسام في المقدمة، حيث لابد من معالجة هذا الجرح بطرق غير تلك التي  اتبعناها حتى الآن ولم تفلح.

المسألة الأخرى، علينا أن نتفق حول قضية الانتخابات في القدس. وبهذا الخصوص، هل نريد إجبار إسرائيل على احترام الاتفاقيات الموقعة والقانون الدولي، فإذا نجحنا أن نكون قد أسقطنا إعلان ترامب وصفقة القرن، أو أننا نذهب إلى مواجهة مع سلطة الاحتلال، وأن نجري الانتخابات وتقوم إسرائيل بمنعها بالقوة أمام المجتمع الدولي، أو أي صيغة أخرى نتفق عليها. المهم في كل ذلك هو إعادة الهدوء إلى الداخل الفلسطيني لأن الخطر كبير ومدمر، ولا وقت لدينا نضيعه في رفاهية المناكفات. 

العدو الإسرائيلي ينتظر اللحظة لإشعال الفوضى كي يمرر من خلالها ما يريد، من هنا تأتي أهمية إحباط  مخططاته، وما زال بإمكاننا ذلك، ليس المهم أن نحدد تاريخا جديدا للانتخابات، فالتواريخ  ليست هي المهمة، الأهم أن نعود للانتخابات وقد اتفقنا على معالجة الأسباب التي قادت إلى تأجيلها. صحيح  أن إنجاز ذلك يتطلب منا الإسراع بقدر ما نستطيع، ولكن المهم أن لا نبقى ندور حول أنفسنا بلا أي فعل حقيقي. الكل الفلسطيني يتحمل المسؤولية، وأن أكثر ما يعيب المشهد هو أن نحصر تفكيرنا بالربح والخسارة، أو أن نهزم الآخر الفلسطيني، لأننا جميعا نعيش تحت الاحتلال. لدينا فرصة للتصدي معا  وأن نحبط  مخططات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تريد تمرير مشاريع  الضم التي أفشلناها من قبل.