لم يكن يوم الأرض صفحةً عابرةً في سجل النضال الفلسطيني أو مجرد ردّ فعلٍ محدود تجاه التمادي الإسرائيلي على وجود شعبنا وحقوقه وأرضه، وإنما جاء تتويجًا لنضالات شعبنا المتراكمة في مواجهة إجرام الاحتلال ومشروعه الاستعماري الاستيطاني الهادف إلى تهويد المقدسات ومصادرة أراضينا وسلب حقوقنا، فكانت وحدة أبناء شعبنا الفلسطيني التي تجسّدت في هذا اليوم ردًّا مدويًا على كل المؤامرات الرامية لتمزيق نسيجنا الفلسطيني وشق الإجماع الوطني وطمس هويتنا الوطنية وقطع الأوصال التي تربطنا بأرضنا ووطننا.

 

إنَّ الصمود الفلسطيني الذي تبدَّى في هذا اليوم المهيب، مثّلَ نقطةَ تحوّلٍ حاسمةً في التاريخ الفلسطيني عمومًا، ومسيرة الحراك السياسي لفلسطينيي الداخل في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ على وجه الخصوص، إذ توحّدت الجهود في إطار وحدة واحدة تعتز بهويتها العربية وتكافح في سبيل استعادة حقوقها القومية، وتؤكّد تمسكها بأرضها وهويتها العربية رغم كل محاولات السلطات الإسرائيلية لتفكيكها على مدى عقود من القهر والتسلُّط والتمييز العنصري والنهب المنظّم لأرضنا. 

 

ففي الثلاثين من آذار عام ١٩٧٦ عمَّ الإضراب العام رفضًا لإعلان السلطات الإسرائيلية نيتها مصادرة نحو 21 ألف دونم من الأراضي العربية في عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها من قرى الجليل والمثلَّث لإقامة مزيد من المستعمرات اليهودية عليها في نطاق خطة تهويد الجليل، تحت مسمّى (مشروع تطوير الجليل)، وكانت قد صادرت قبلها أكثر من مليون دونم من أراضي الجليل والمثلّث وما تطلق عليه "أملاك الغائبين". 

 

هذا الإضراب قابله الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الرصاص الحي الموجه إلى صدور الفلسطينيين محاولاً كسره بالقوة وثني عزيمة المنتفضين، ما أدى إلى اندلاع مواجهات في قرى الجليل والمثلَّث التي ما لبثت أن اشتعلت بالتظاهرات، وعمَّت المسيرات الاحتجاجية عرابة وسخنين وأم الفحم ودير حنا ودالية الكرمل وعسفيا والطيبة والطيرة والناصرة وغيرها، وتحوّلت إلى مواجهات عنيفة مع جيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية، وهبَّ أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة لمؤازرة فلسطينيي الـ1948، وخرجوا في تظاهرات حاشدة في القدس ورام الله ونابلس والخليل وبيت لحم وجنين وطولكرم، فجُرح نحو ٤٩ فلسطينيًّا واعتقلت سلطات الاحتلال ٢٥٠ من المنتفضين فيما ارتقى ستة شهداء هُم: خديجة قاسم شواهنة ورجا أبو ريا وخضر خلايلة (من بلدة سخنين) وخير ياسين (من بلدة عرابة)، ومحسن طه (من بلدة كفركنا)، ورأفت علي الزهيري (من مخيم نور شمس في الضفة الغربية)، ليجسّدوا بدمائهم الطاهرة وحدة النضال الفلسطيني.

 

لقد جاء يوم الأرض الخالد ليؤكّد وحدة الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، ووحدة هدفهم الذي يتلخّص في تحرير الأرض وعودة أهلها إليها، وليكرِّس مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في صفوف فلسطينيي الداخل، وهي التي كانت تشد من أزرِهم رغم ما كانت تخوضه من معارك في ذلك الوقت دفاعًا عن شعبنا وتكريسًا لوجودها وشرعية تمثيلها. 

 

إنّنا في الذكرى الخامسة والأربعين لهذا اليوم الخالد نؤكّد أنّ معركة الأرض لم تنتهِ في الثلاثين من آذار، بل هي مستمرةٌ حتى يومنا هذا، وسط تواصل المخططات الاستيطانية لأرضنا والمشاريع العنصرية الساعية لنزع شرعيتنا السياسية وشرعية وجودنا، ولكنّ شعبنا الذي يواصل حتى اليوم خوض الملحمة التاريخية منذ أكثر من مئة عام في مواجهة المشروع الصهيوني، ما زال يقدّم التضحيات الجسام، ويؤكّد يوميًّا أنه سيقدّم المزيد دفاعًا عن عن حقوقه ووجوده وعن أرض الآباء والأجداد الذين رووا الثرى بدمائهم الطاهرة. 

 

وإذ نحتفي بهذه الذكرى المجيدة تأكيدًا على صمود شعبنا الفلسطيني على أرضه ضد المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي، وتذكيرًا للعالم بالظلم الواقع على شعبنا وبعدالة قضيته ونضاله من أجل حريته واستقلاله، فإنَّنا نُشدّد على أهمية تجسيد الوحدة الوطنية التي أثبتت دائمًا أنها السلاح الأنجع في وجه كل المؤامرات على وجودنا وحقوقنا، آملين في هذا الإطار كذلك نجاح الاستحقاقات الانتخابية التي تجسّد مطلبًا وطنيًّا وشعبيًّا فلسطينيًّا، ومنوّهين لأهمية اتخاذ الدول العربية موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية ولصمود شعبنا الفلسطيني على أرضه. 

 

التحية لشهداء يوم الأرض وجميع أبناء شعبنا في الجليل والمثلث والنقب الذين حافظوا بصمودهم على هوية الأرض الوطنية، وعهدًا أن يتواصل النضال الوطني الفلسطيني حتى التحرير، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واستعادة شعبنا حقوقه المشروعة، والعودة المظفرة إلى فلسطين محررةً من رجس الاحتلال.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار

والحرية لأسرانا البواسل 

والشفاء لجرحانا الميامين 

وإنها لثورةٌ حتّى النّصر والعودة

إعلام حركة "فتح" - إقليم لبنان