لم أصدق ذاك الشاعر حين كتب "نيويورك حضارة بأربع أرجل، كل جهة قتل، وطريق إلى القتل، وفي المسافات أنين"، لكني الآن وقد تكاملت بفلسطينيتي الناصعة أراها تلك البلاد البعيدة، أراها أميركا أصل الجائحة، وهي تخنق بيد "طفلة الأرض" التي هي بلادي، وتمسح بيد على رأس محتليها لمزيد من العنف والقتل والارهاب.

بلى، رأيت واشنطن السياسة والإدارة، وهي تحمل حجارة الكراهية والعنصرية بأيادي المستوطنين الصهاينة، لتقذفني وزوجي بها، ولم نكن في مصفحة حربية مولتها "منهاتن" بل في عربة بسيطة، من عربات سد الحاجة، لعلنا نقطع المسافات في بلادي دونما أنين كما جعلتها نيويورك!!

ولم نكن، زوجي وأنا، نحمل سوى أحلامنا بعرس بهيج لابنتنا، وعلى ما يبدو إن أحلامنا هذه كانت تسبق عربتنا، حتى رآها المستوطنون فامتلأوا حقدا وغيظا، أن يحلم الفلسطينيون بلحظة العرس وتطلعاته الكريمة، فأثقلوا حجارتهم بهذا الحقد وهذا الغيظ حتى باتت قاتلة.

ستذهب ابنتي إلى عرسها دونما شك، ونحن الفلسطينيون أدرى بسنة الحياة، وستذهب لأنها ابنة الشهيدة التي تريد بالفرح المجرح، تكريس واقع التحدي والصمود، الذي لن تنال منه حراسة الإدارة الأميركية ورعايتها للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه الصهاينة، مثلما لن ينال منه قبل ذلك توحش المستوطنين وتغول الاحتلال في سياسة البطش والعنف والإرهاب.

وهنا وأمام الملأ الأعلى لن اكف عن ترديد قصيد الشاعر "نيويورك: الشمس مأتم والنهار طبل أسود".

وهنا في جنة الخلد، للعلي القدير أصلي، ولن أكف عن الدعوات للصمود، ولابنتي عرس يتعطر بدمي مع كل زغرودة تحد ومقاومة.