بقلم: عمر حلمي الغول

بادر بعض السياسيين والأكاديميين والإعلاميين في الآونة الأخيرة إلى طرح حلول تتعلق بالنظام السياسي الفلسطيني، افترضوا أنها "إبداعية" من وجهة نظرهم، جلها الدعوة إلى افتراضات من خارج الصحن المتداول، أو بتعبير آخر خارج الثوابت المعتمدة فلسطينيًا، خلفية أصحاب هذا التوجه، خلفية إيجابية، ويستندون في طرحهم إلى وجود نماذج في العديد من الدول والأنظمة في القارات الخمس.

لكنهم لم يدققوا جيدًا في طرحهم وأبعاده راهناً، أو بتعبير آخر، تعجلوا طرح خياراتهم قبل بلوغ هدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وبدا أنهم يميلون إلى تبسيط الأمور للتخفيف من ردات الفعل السلبية على رؤاهم واجتهاداتهم، التي يتمثل أحدها في تبني نموذج النظام الفيدرالي، وتركيبه على الحالة السياسية الفلسطينية، كأحد المخارج لمسألة الدولة المستقبلية. ولا أعتقد أن هناك سياسيًا أو إعلاميًا لا يعرف ماهية الدولة الفيدرالية أو الكونفيدرالية، إلا إذا كان من أولئك الهواة الطارئين على مهنة الكتابة، أو أولئك الذين يكتبون ما لا يعرفون، وتسكنهم أهواؤهم ونزعاتهم العفوية والعاطفية. وبالتالي المتخصصون أو أبناء المهنة يدركون جيدًا الفوارق والاختلاف بين نماذج الحكم المطروحة، وعليه فإن الدعوة لتبني خيار الدولة الفيدرالية، لا يتوافق مع المصلحة الوطنية، لأن تكريس هذا النظام في الواقع الراهن يخدم من حيث يريد أصحاب وجهة النظر المؤيدة له القوى المتربصة بالمشروع الوطني.

ورغم التشابك الكبير بين مفهومي اللامركزية والنظام الفيدرالي، فإن هناك فرقًا كبيرًا بين النموذجين، وبالتالي لو طرح أصحاب الرأي المنحاز لخيار اللامركزية سيكون مقبولاً ومفهوماً ومستوعبًا أكثر من نموذج النظام الفيدرالي. لا سيما وأن النظام الفيدرالي يعني وجود دولتين أو أكثر ترتبط بوشائج الوحدة فيما بينها وفق دستور ونظام فيدرالي، تجمع بينها المصالح العامة المشتركة المتعلقة بالسيادة القومية. ولكن المسائل الأخرى تصبح من حق كل دولة اختيار ما تراه مناسبا لخصائصها الإثنية أو الدينية أو القبلية أو لمركبات إمارتها أو نظامها السياسي. وهذا النموذج لا يتوافق من قريب أو بعيد مع واقع الشعب الفلسطيني، لأنه شعب واحد لا يوجد عنده أية عوامل متناقضة أو متباينة إلا بمعايير انتماءات القوى الفكرية والسياسية. ولا يقبل من حيث المبدأ الحديث عن وجود دولتين منفصلتين، كون هذا الفهم أو تعميمه في الأوساط السياسية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية أو مع قيادة الانقلاب الحمساوية أو غيرها من القوى السياسية يخدم توجهاتهم، وخياراتهم من حيث يدري أصحاب هذا الاقتراح أو لا يدرون، ويعمق الشرخ الداخلي في أوساط النسيج الوطني الفلسطيني. لأن فلسطين ليست دولة الإمارات العربية المتحدة، وليست أي نموذج فيدرالي آخر، وبالتالي تبسيط الأمور، أو تزويقها ووضع محسنات وأدوات تجميل على النموذج لا يستقيم والحالة الفلسطينية، لأننا شعب واحد، ووطن واحد، ودولة واحدة، ولا يوجد أي مبرر أو معطى سياسي أو اقتصادي أو إثني أو قبلي أو ديني يسمح بتمرير هذا النموذج في فلسطين.

وهنا تملي الضرورة على الكل الوطني التمسك بالخيار الأساس، خيار استقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كدولة واحدة وموحدة وتمثل داخل حدودها أبناء الشعب الفلسطيني، ولها نظام سياسي واحد، هو النظام الرئاسي البرلماني، الذي يقبل القسمة على نموذج اللامركزية. وبالتالي بمقدار ما تقترب اللامركزية من الفيدرالية، بقدر ما تبتعد عنها مسافات كبيرة وشاسعة. وعليه على من يعتقد أن النظام الفيدرالي يخدم مصالح الشعب، أن يراجع جيدًا نفسه ومنطقه، لأن العكس هو الصحيح. فهل يتوقف أصحاب الرأي الآخر عن دعواتهم غير الإيجابية حماية للحقوق والمصالح الوطنية العليا؟