شارفت الدورة الثالثة والسبعون لانعقاد الجمعية العامة على الانتهاء، وقد تابع العالم خطابات العديد من رؤساء الدول وممثليها، حيث ألقيت الأضواء على العديد من القضايا والمشاكل الدولية التي تهم مختلف دول العالم، سعيًا وراء البحث عن حلول لهذه المشاكل والقضايا، طبعًا كان أول المتحدثين رئيس الولايات المتحدة والتي تتحمل بلاده أكثر من 20% من نفقات الأمم المتحدة، كما تحتل المرتبة الأولى بين الدول وتحظى بعضوية دائمة في مجلس الأمن، كما تحدث الرئيس الفرنسي وغيرهم من رؤساء الدول بما فيهم رئيس دولة فلسطين .. لقد حظيت القضايا المختلفة بعرض وجهات نظر تلك الدول كل بما يهمه بأمل أن تجد تلك القضايا حلولاً أو قرارات تأخذ طريقها للتنفيذ، لكن جميع القرارات التي تصدر عن الجمعية العامة تحمل صفة توصيات، بأمل أن تترجم إلى قرارات عبر مجلس الأمن الذي يضم خمسة عشر دولة، منها الدول الدائمة العضوية (أمريكا، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) والتي تحظى بحق النقض (الفيتو) أي تعطيل صدور أي قرار لا تراه أي من هذه الدول مناسبًا، هذا ما يضع فاعلية قرارات مجلس الأمن وبالتالي الأمم المتحدة رهينة للتوافق التام بين الدول الدائمة العضوية .. مما يؤدي إلى شلل الجهاز الأممي وإفقاد الأمم المتحدة لدورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وحل المشاكل والقضايا الدولية بالطرق السلمية، وبالتالي تصبح جملة الخطب والمواقف المعبر عنها في الجمعية العامة للأمم المتحدة مجردة من أي قوة تنفيذية، مقتصرة على الناحية المعنوية والأخلاقية في انتظار الوصول إلى توافق دولي وخصوصًا منها توافق الدول الدائمة العضوية لتترجم تلك المواقف والخطب والأماني إلى قرارات تأخذ طريقها للتنفيذ، ولا يفوتنا أن ننوه إلى أنَّ قرارات مجلس الأمن أيضًا هي نوعين منها ما يتخذ استنادًا إلى البند السابع والذي يقتضي التنفيذ واتخاذ جملة من التدابير السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وحتَّى العسكرية إن اقتضى الأمر من أجل تنفيذ القرار المتخذ حسب البند السابع، وهناك القرارات التي تتخذ استنادًا إلى البند السادس والتي لا يلازمها اتخاذ أي من التدابير لإلزام الجهة الصادر بحقها هذا القرار كي تلتزم بتنفيذه.

من هنا نلاحظ أن القضية الفلسطينية وهي أقدم قضية تنظر فيها الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلى اليوم لم تشهد حلاً أو تسوية لغاية الآن رغم مرور سبعين عامًا عليها وصدور 756 قرار أو توصية عن الجمعية العامة بشأنها، كما صدور 86 قرار عن مجلس الأمن استنادًا إلى البند السادس، ولم يجر اتخاذ أي من الإجراءات والتدابير الكفيلة بتنفيذ أي من تلك القرارات، هذا ما يظهر عجز الأمم المتحدة وعجز آليات عملها وأدواتها في إنهاء وحل القضية الفلسطينية وغيرها طالما لم يتوفر الإجماع للدول الدائمة العضوية على ضرورة إنهاء هذه القضية وإيصال طرفي النزاع أو الصراع إلى حل فوري ونهائي، ذلك ما يطرح ضرورة إصلاح الأمم المتحدة وإعادة النظر في آليات عملها ومنح قراراتها القدرة على أن تأخذ طريقها للتنفيذ، ولكن الدول الكبرى والتي تتمتع بحق الفيتو سوف تعارض أي إصلاح من هذا القبيل، وتعارض مساواتها مع الدول الأخرى، حفاظًا على مصالحها من جهة وتأكيدًا على احتفاظها بامتيازاتها التي حصلت عليها في انتصارها في الحرب العالمية الثانية من جهة أخرى، والتي ولدت على أثرها هيئة الأمم المتحدة، فهي الجهاز الدولي الذي يعكس نفوذ ومصالح المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.

بناءً على ما تقدم تسعى كافة الدول إلى تمكين نفسها من عناصر القوة المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والأخلاقية والقانونية، كي تحمي مصالحها وتنتزع حقوقها، وبالتالي عدم الركون في ذلك لما يسمى الأمم المتحدة والشرعية الدولية فقط لحماية حقوقها ومصالحها.

من هنا تبقى خطب الرؤساء وممثلي الدول ذات تأثير معنوي لا أكثر ولا أقل، شأنها شأن خطب البرلمانيون تحت قبة البرلمان في إلقاء الخطب العصماء، والتي تحمل الانتقادات للسلطة التنفيذية، والتوجيه الطوباوي والأخلاقي الذي يدغدغ عواطف ومشاعر المواطنين وينفس احتقانهم، ولكن السلطة التنفيذية تستمر في رسم سياساتها وتنفيذها وفق ما تقتضيه مصلحة النظام .. بعيداً عن أجواء تلك الخطب .

لذا تبقى القوى الدولية المهيمنة على النظام الدولي هي المسيطرة والمتحكمة بالقرارات التي يمكن أن يصدرها مجلس الأمن والتي تمتلك قدرة تنفيذها بما يتوافق ومصالح ونفوذ تلك الدول.