تمر التسوية السياسية في المنطقة بحالة جمود ناتج عن انحياز أمريكي مطلق لصالح إسرائيل وقد سارعت القيادة الفلسطينية لاتخاذ موقف صلب ضد هذا الانحياز الظالم حفاظًا على حقوق شعبنا، بالمحصلة الانحياز الأمريكي الواضح ومحاولة التلاعب بقضايا هامة لصالح إسرائيل أدى إلى حالة جمود سياسي تام.

طبعًا بفعل سياسة الرئيس الأمريكي ترامب تراجعت فرص التسوية وتجمَّدت عملية السَّلام وعاد الجميع للمربع الأول من المواقف التي هي ثوابت وهنا نقول بأنَّه لا يمكن للقيادة السياسية الفلسطينية أن تقبل محاولات فرض الأمر الواقع في القدس أو في أي قضية تتعلق بالحق الفلسطيني وبالتالي فإنَّ كل محاولات الضغط على القيادة الفلسطينية لم ولن تنجح.

ورغم الجمود السياسي تدور أحاديث عدة عن شكل الحل السياسي القادم في فلسطين، البعض ما زال يؤيد حلّ الدولتين الذي سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967م جنبًا إلى جنب مع إسرائيل والبعض الأخر يتحدث عن عدم إمكانية تحقيق هذا الحل لعدة أسباب منها أطماع حماس بالانفصال في غزة والتنازلات التي قدمتها حماس مجانًا للاحتلال حيث أن الطموح الحمساوي غير المشروع بإقامة دولة إخوانية في غزة وما تقوم به إسرائيل من إجراءات استيطانية توسعية في الضفة الفلسطينية يؤدي وكما يشير الكثير من المحللين إلى تراجع فرص حلّ الدولتين.

ومن خلال كلّ ما سبق من صعوبات في تطبيق حلّ الدولتين الذي أؤمن شخصيًا بأنَّه الأصح والأسلم فإنَّ إمكانية نجاح حلّ الدولتين باتت تتراجع وهذا حقيقي ومؤسف وبحاجة إلى وقفه جادة لإعادة الاعتبار للحل الأفضل ولكنَّ بحال عدم إمكانية تطبيق حلّ الدولتين يكون الحل الوحيد هو الدولة الواحدة بحيث يصبح الجميع مواطنين في دولة واحدة بغض النظر عن الدين والقومية.

طبعًا حلّ الدولة الواحدة يتطلَّب إرادة قوية وإعادة صياغة شاملة للمواقف والسياسات وهو لا يتناسب مع توجهات إسرائيل التي تتجه لتطبيق الدولة اليهودية. بنفس الوقت تدور أحاديث عن الكونفدرالية مع المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة وهو خيار قائم دومًا ويقتضي قيام دولة فلسطين أولاً، ويوجد اقتراح تحدَّث عنه الرئيس محمود عبَّاس حول الكونفدرالية الثلاثية شاملاً لإسرائيل والأردن وفلسطين وقد جاء هذا المقترح في سياق الرَّد الرئاسي على المقترح الأمريكي للرئيس أبو مازن حول الكونفدرالية مع الأردن .

الرئيس أبو مازن بحكمته يعلم بأنَّ هذا الخيار مستحيل ولكنَّ طرح الخيار الكونفدرالي الثلاثي ردّ على من لا يريد حلّ الدولتين وردَّ على من يريد الدولة اليهودية وعلى من يؤيد الدولة اليهودية.

كذلك وبنفس الوقت يوجد تصريحات حول الدولة المنزوعة السِّلاح وأتحدث عن الدولة الفلسطينية المنزوعة السِّلاح في الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وقد جاء هذا المقترح بناءً على تصريحات من الرئيس محمود عبَّاس واستغربت غضب البعض من هذا الخيار واعتباره تراجع سياسي وفي الحقيقة بأنَّ هذا الخيار الواقعي كذلك هو تعبير حقيقي عن إيمان مطلق بالسَّلام ووعي تام لطبيعة أدوات الصراع الصحيحة في هذا الزمن وهو تعزيز لفرصة حلّ الدولتين من خلال إيجاد قاعدة تنافس بعيدة عن القوة.

الدولة المنزوعة السِّلاح لا تعني الاستسلام بل تعني ضرورة التركيز على التنمية والعمل على التقدم بكلِّ الميادين والقطاعات في فلسطين. أتحدث عن التعليم والصحة وعلوم الابتكار والفضاء والاقتصاد والطاقة الشَّمسية والزراعة لنكون بعقولنا قادرين على المنافسة والتقدم بدولتنا للأمام، ومن يظن بأنَّ ميدان التنافس هو السِّلاح والقوة عليه أن يراجع التاريخ وأن يفهم الحاضر.

فلسطين ليست بحاجة إلى عنتريات كما أنَّها ليست بحاجة إلى رصيف بحري في قبرص، فلسطين بحاجة إلى عمل وعقول، فلسطين بحاجة إلى جهد وهمة وأنا مؤمن تمامًا بأنَّ المستشفى أفضل من دبابة والمدرسة أفضل من ألف صاروخ.

بالنهاية وبغض النظر عن شكل الحـــلّ القادم وبغض النظر عمَّا يدور في الأفق وفي كواليس السياسة الدولية والإقليمية فإنَّ هناك ثابت هام جدًا وهو أنَّ فلسطين على الخارطة ولا يمكن تجاوزهـــا لا بصفقات ولا بحلول مؤقتة.