في إطار عمليات الابتزاز والضغط الأميركية لِلي ذراع قيادة منظمة التحرير عمومًا والرئيس محمود عبَّاس خصوصًا، لوَّح كاتبًا جيسون غرينبلات فجر الخميس أمس على موقعه في "توتير" بأنَّ على قيادة منظمة التحرير، أن تتخلى عن سياسة العناد، وتتعامل مع ما هو مطروح أميركيًا وإسرائيليًا، وإلّا فإنَّ هناك بدائل جاهزة لتحلَّ محلها؟!

من الواضح إنَّ إدارة الرئيس ترامب، وفريقها المشرف على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يجهلوا تمامًا السَّاحة الفلسطينية، ولا يدركوا مركباتها وتضاريسها. لذا تجدهم يدورون في حلقة مفرغة، ويحاولون إمساك طرف خيط، أو فتح ثغرة ولو صغيرة في جدار الصمود الفلسطيني الرافض لصفقة القرن الأميركية، لينسلوا إلى البيت الفلسطيني، ليعبثوا بنواظمه وثوابته الوطنية، وبالتالي يخضعوا القيادة الشرعية لمشيئتهم المعادية للمصالح الفلسطينية العليا.

لهذا من تابع تحركات فريق ترامب الرباعي (كوشنير، غرينبلات، فريدمان، وكيلي)، لاحظ أنَّه يقفز من خيار الترغيب إلى خيار الترهيب، متسلحًا بكل السيناريوهات الافتراضية من وجهة نظره لكسر الإرادة الوطنية. وآخرها ما تفتقت عنه عقلية الشرطي الأميركي بالتلويح باللجوء لبدائل عن قيادة منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد، دون أن يعي ما يقوله، أو إنَّ كان يعي ذلك، فهو يجهل دروب وخفايا وقوة الشرعية الوطنية والشَّعب العربي الفلسطيني. وبالتالي نلاحظ أن يلعب في ملعب يجهله تمامًا، أو إذا شئنا الافتراض، فإنَّه بات يعتقد من خلال لقاءاته السابقة مع القيادة، وما قدمه له الإسرائيليون من معطيات، إنَّه قادر على سبر أغوار المسألة الفلسطينية. لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا.

نعم هناك انقلاب تقوده حركة حماس على الشرعية في محافظات الجنوب منذ أواسط 2007، وهذا الانقلاب يشكل خطرًا داهمًا على القضية ووحدة الأرض والشَّعب والأهداف الوطنية. لأنَّ قيادته جاهزة ولديها الاستعداد للانزلاق في متاهة الألاعيب الأميركية الإسرائيلية. ولعلَّ ما يجري تداوله مؤخرًا بشأن التهدئة من أجل التهدئة، وحرف الأنظار عن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي السياسي، وحصره في بعد إنساني صرف، مستغلون الوضع الكارثي في قطاع غزة، الناشئ عن الحصار الإسرائيلي الظالم منذ اثني عشر عامًا خلت، وحروب إسرائيل الثلاثة السابقة، وما أفرزه أيضًا الانقلاب من مضاعفة خطيرة لهذا الوضع اللاإنساني. وحيث تجد حركة حماس ضالتها في فتات ما تلقي به الإدارة الأميركية وحكومة ائتلاف اليميني المتطرف الإسرائيلية، لإخراجها من الأزمة العميقة، التي أصل لها الإنقلاب الحمساوي خلال السنوات الماضية من انقلابها، وتثبيت ركائز إمارتها على القطاع، بهدف فصله عن الكل الوطني، وإدارة الظهر للمصالحة الوطنية بهدف تمرير صفقة القرن الأميركية، وتأبيد الاستعمار الإسرائيلي على حساب استقلال وسيادة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الأممي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشَّعب الفلسطيني داخل دولة إسرائيل.

لكن هذا الانقلاب الأسود لن يكون في يوم من الأيام ندا للشرعية، أو بديلاً عن منظمة التحرير. لأنَّ الشَّعب الفلسطيني وقواه ونخبه السياسية لن تسمح له باختطاف الشّعب إلى المجهول السياسي، والمعلوم الأميركي الإسرائيلي. وسيقف بالمرصاد له. كما إنَّ قيادة منظمة التحرير بما تملكه من ثقل سياسي وكفاحي لن تسلم بسياسة الأمر الواقع، وهي عمليًا اتخذت في المجلس الوطني في دورته ال23 مايو الماضي، وفي دورات المجلس المركزي المتعاقبة ال27 و28 و29 القرارات السياسية، ووضعت الخطط الكفيلة بمواجهته والرَّد عليه بما يحمي المصالح والحقوق والثوابت الوطنية. ولن تنحني للمخطط الترامبي والنتنياهوي تحت أي ظرف أو شرط، ومهما كلَّف من ثمن.

وإذا افترض غرينبلات وإدارته أنَّ الشَّعب الفلسطيني وقيادته الشرعية ضعيفة، ولا تقوى على الصمود ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فإنَّه كما ذكر سابقًا يجهل واقع الصراع، ولا يعي تمامًا تجربة الشَّعب الكفاحية على مدار السبعين عامًا الماضية من عمر الصراع، مما سيدفعه للارتطام بصلابة صخور الصمود الوطني، وسيذهب وإدارته إلى حيث ذهبت الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتبقى القضية والأهداف الوطنية وممثلها الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الرقم الصعب في معادلة الصراع إلى أن يحقق الشَّعب أهدافه وثوابته كاملة دون نقصان. لذا على غرينبلات اللعب بغير هذه المسلة.