نستطيع تصور أعضاء منتخب العراق لكرة القدم وهم يقفون بخشوع في حضرة أرواح أجدادهم في مقبرة الشهداء في جنين، والإحساس كذلك بمشاعرهم كأحفاد لأبطال عراقيين كان لهم شرف القتال دفاعا عن ارض فلسطين ومقدساتها.

وقد نسجل سابقة إذا قرأ لاعب أو كادر فني في المنتخب اسم جده أو اسم واحد من أقاربه رغم أننا في مثل لحظة تاريخية كهذه نعتبر أنفسنا أحفادا للفكرة والمبدأ والمصير، ناهيك عن انتمائنا إلى شجرة الإنسانية العربية الحضارية.

لحظة تاريخية دخلت بها في بلدة الخضر في بيت لحم، قد يتكرر المشهد فيها ولكن مع شقيق عربي عراقي، عندما حبست دموعي فيما كنت واقفا في حضرة روح القائد الشهيد السوري الحموي سعيد العاص، ليس لسبب أنني سوري المولد والأب والجد مثله، وليس لأنني قرأت عنه في كتب التاريخ المدرسية، وليس لأن واحدًا من عائلتنا مهتم بموضوع شجرة الأنساب وتفرعاتها قد أخبرني يومًا بقرابة بمستوى ما مع عائلة سعيد العاص، أو لأننا كنا نسكن في بيت في شارع يحمل ذات الاسم، ليس هذا وحسب، بل لأني اعتبرت نفسي حفيده، أحمل مسؤولية العهد والوفاء لفلسطين، وأمانة استكمال الطريق، فإن كان جدنا سعيد العاص قد قاتل المستعمر الانجليزي حتى الطلقة الأخيرة، والنبض الأخير في عروقه، فنحن على عهد العربي الأصيل، العربي المؤمن بقيم وأخلاقيات الإنسانية، الملتزم بمبدأ الانتصار لفلسطين وشعبها المظلوم.

تذكرت آخر كلمات سمعتها من والدي رحمه الله الذي كان في التسعين من عمره عندما قال لي في تسجيل فيديوي مرئي: "والله يا ابني لو بيسمحو لي أرجع إلى فلسطين، فإني من الغد سأعود"... رحمه الله فقد كانت حيفا سر حياته وزهوة شبابه وأجمل ما في عمره كما روى وحدثنا.

غدا سيسقط الأشقاء العراقيون جدارا من جدران الحصار والسجن الإسرائيلي الاحتلالي الاستعماري الكبير، ويجتازون الحدود المحتلة ليصلوا إلى أخوتهم في فلسطين، وقد يدخلون القدس، وبالتأكيد قد يستطيعون رؤيتها من مشارفها في الرام، فهم لم يأتوا ليلعبوا مباراة ودية في كرة القدم مع منتخب فلسطين، وإنما ليتجاوزوا حدود العلاقات الودية بين الاتحادين الفلسطيني والعراقي، إلى فضاء أرحب من علاقات الأخوة والمصير المشترك وليثبتوا للعالم أن بغداد كانت ولم تزل العمق الاستراتيجي للقدس، وان ما بين الشعبين العراقي والفلسطيني أعظم من السياسة ومجرد الحنين، فما بين العراق وفلسطين، والإنسان الحضاري المجيد هنا وهناك حبل سري نسميه في لغتنا (الشهداء) ومن أراد الدليل فليبحث في حروف الأسماء الخالدة العظيمة في جنين.

يستحق اللواء جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لقب (المقاوم الشعبي النبيل) وذلك لقدرته على توجيه النبل في الرياضة إلى أن تكون مركز ثقل مهم في ميزان اعدل قضية تحرر في العالم (قضية فلسطين) وهنا تكمن مقدرة القائد السياسي في توحيد النبلاء في جبهة السلام، والانتصار بروح الفريق الواحد لأصحاب الحق، وإلحاق الهزيمة بجبهة البلاء، وفريقي الحرب والجريمة ضد الإنسانية والاستعمار العنصري.

أهلا بكم إخوتنا العراقيين .. أهلا يا أحفاد شهداء بلاد الرافدين في جنين .. أهلا بكم في القدس، في كل بيت استجار فيه التاريخ واستراح، في المسجد الأقصى، في كنيسة القيامة، أهلا بكم على مشارفها في الرام ورام الله وفي قلوبنا وعيوننا إن حال الاحتلال الإسرائيلي بينكم وبين السلام على أهلها .. أهليكم وأهلنا.