هل يُطري المبدع عملًا فنّيًّا لمبدع آخر؟ وهل يتناول الشّاعر هاتفه الجوّال أو الأرضيّ ويهاتف زميلًا ليقول له أنّ قصيدته الّتي قرأها هذا الصّباح جميلة؟ وهل يتّصل أديب بأديب آخر ليعرب عن إعجابه بنصّه؟ وهل يهاتف قاصّ أو روائيّ زميله ليثني على قصّته أو روايته؟ وهل يهنّئ رسّام زميله على لوحته الّتي أعجبته؟ وهل يصرّ ممثّل مسرحيّ أو سينمائيّ على الاتّصال بزميله بعد مشاهدة عمله الأخير؟ وهل الإطراء سلوكٌ غائبٌ في حياة المبدعين لا يتَلَقَّونَهُ إلاّ من المتلقّي العاديّ؟

قادتني هذه الأسئلة إلى أسئلةٍ أخرى مثل: هل يطري نجّار أو حدّاد أو أيّ صنائعيّ عمل زميله، ولماذا عندما يُلزِم الألم مريضًا على الانتقال من طبيبٍ إلى آخر يحاول الطّبيب الثّاني أن يطعن في مقدرة الطّبيب الأوّل؟ ولا بدّ لي من أن أستدرك وأقول: معاذ الله من التّعميم لأنّه ظالمٌ وخاطئ فلا شكّ أنّ هناك أناسًا يفرحون لنجاح الآخر ويهنّئونه ويطرون عمله. ولا بدّ لي من أن أشير إلى الأصدقاء الأدباء والشّعراء الّذين كانوا يتّصلون بي مشكورين بعد حصولي على جائزة أو بعد نشري نصًا أدبيًّا أعجبهم.

الإطراء الصّادق عملٌ إنسانيّ ومكافأة يقدّمها الزّميل إلى زميله فالمبدع إنسان عاديّ وحسّاس تفرحه كلمة إطراء، ولا أبالغ إذا ما قلت: لو عاد المتنبّيّ الّذي ملأ الدّنيا وشغل النّاس وقابله أحدنا وقال له: ما أعظم هذا البيت يا أبا الطّيّب:

على قلقٍ كأنّ الرّيح تحتي أّوجّهها جنوبًا أو شمالًا

لرقص الفرح على وجهه.

عندما قرأت رواية "بحيرة وراء الرّيح" لصديقي الرّوائيّ يحيى يخلف أدهشني تشبيه بحيرة طبريا ببطن الغزالة فهاتفته وهنّأته على هذا التّشبيه الجميل الرّائع مثلما هنّأته على رواياته العديدة. وزارني قبل سنوات كاتبٌ صديقٌ وفيما نحن نشرب القهوة سألني: هل علمت بأنّ الأديب محمود شقير نال جائزة محمود درويش؟ فأجبته: طبعًا، واتّصلت به مهنّئاً. فنظر الصّديق إليّ وقال: هنّأته؟ وكأنّ الأديب لا يهنّئُ زميله وصديقه. وتحضرني نادرةٌ طريفة حدثت لي قبل عقود عندما دخلت حانوت الصّديق الشّاعر أبي نزار طه محمّد علي، رحمه الله، في مدينة النّاصرة ووجدت عنده كالعادّة مجموعة من الأدباء فأطرى بعضهم على قصّة قصيرةٍ لي ظهرت قبل أيّام في مجلّة "الجديد" وفرحت بهذا الإطراء، وعندما ودّعتهم وغادرت الحانوت لحق بي أحدهم وقال لي: لا تصدّقهم. قصّتك ليست جيّدة. فسألته معاتبًا: هل استكثرت عليّ كلمةً طيبة؟ فأجابني: كي لا تصاب بالغرور.

وأصارحكم بأنّني لا أختلف كثيرًا عن الآخرين "فما أنا إلا من غزيّة" كما قال الشّاعر الجاهليّ ولكنّني أحاول أن أكون "معالَجًا" كما قيل في الفُكاهة عن الرّجل الخليليّ فأٌطري عملًا جيّدًا لزميل وأهنّئ على نجاح، وأحيانًا أتكاسل، فمعذرة من الزّملاء ومن الأصدقاء الّذين تكاسلت ولم أتّصل بهم ليسمعوا منّي كلمة إطراء.