الإدارة الأميركية، وحكومة الاحتلال، ومعهم الحريصون على بقاء حماس ومزودوها التقليديون ماليا، سيحاولون عبر مشروع دعم غزة الالتفاف على قراراتهم وقوانينهم التي نظموها لمنع وصول المال إلى حماس وكلنا نذكر الحصار المالي على السلطة الوطنية بعد تسلم حماس رئاسة الحكومة العاشرة بعد الانتخابات التشريعية عام 2006، فالولايات المتحدة الأميركية، وحكومة دولة الاحتلال (إسرائيل) تحاولان اليوم وصل شرايين الموارد المالية إلى حماس، ولكن بصيغة (شركة دولية)!! والسؤال هنا ما الذي تغير؟!

الذي تغير هو أن الرئيس أبو مازن رفض الخضوع (للصفقة) ورد بقوة صادمة غير متوقعة، وان منظمة التحرير الفلسطينية استطاعت تجديد تمثيلها للشعب الفلسطيني، وتأكيد تمسك قيادتها بالثوابت، فكان لابد من استقطاب حماس بحكم حاجتها الملحة والعاجلة للبقاء، ولحاجتهم إلى حماس باعتبارها القوة الضامنة لاستمرار الانفصال الجغرافي والسياسي الفلسطيني، ما يمنع الوطنيين الفلسطينيين من استعادة عافية مشروعهم الوطني.

لا نبالغ إذا طالبنا الوطنيين باليقظة والحذر، والانتباه، وحساب خطواتهم في الشارع الفلسطيني بدقة، والامتناع عن التهور والولوج في منافذ لا مخارج لها إلا على الطريق السريع للمشروع الأميركي الإسرائيلي، وعلينا جميعا التركيز على إدارة معركة سياسية مزدوجة باتجاهين، الأول: إسقاط مشروع انفصال غزة، عبر إسقاط انقلاب حماس باعتباره أساس مصائب وآلام ومعاناة مليوني فلسطيني في قطاع غزة، فتسقط بالتوالي مؤامرة ترامب – نتنياهو الهادفة لتحويلنا إلى مجرد ملايين، مساكين، مرضى وجائعين، فقراء للخبز والدواء والماء !!.

يجب أن نبحث عن أسباب توجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستغلال انقلاب حماس والمآسي التي جلبتها لمليوني فلسطيني منذ سيطرتها بقوة السلاح على قطاع غزة، لتمرير إعلانه عن حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني تحت عنوان (صفقة القرن).

وكيف وجدت إدارة ترامب مبتغاها، حينما استدار مستشارو البيت الأبيض وراحوا يبحثون عن مخرج بعدما واجههم رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية الرئيس أبو مازن بموقف وطني فلسطيني غير مسبوق، فأدرك ترامب – بعد تلقيه الصفعة السياسية من الرئيس الفلسطيني- استحالة انتزاع تنازلات منه عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، فوجدوا ضالتهم في قيادة حماس الانقلابية الذين برعوا في تحويل قضية تحرر الفلسطينيين وحقهم في انجاز استقلالهم الوطني، بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية إلى مجرد قضية احتياجات إنسانية، ومشاكل حياتية يومية.

الغريب العجيب مما يحدث في هذه الأيام أن المجرم يجتهد لإظهار الرأفة والرحمة على الضحية، فإسرائيل القوة القائمة بالاحتلال والحصار والعدوان والحروب على غزة والضفة الفلسطينية والقدس، تسوق أفكارا ومشاريع لتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في قطاع غزة حيث تبلغ المعاناة ذروتها، وتشاركها في ذلك إدارة ترامب التي تطرح إغراءات مالية بسخاء، فيبدو الأمر للعالم كمشروع إنقاذ للفلسطينيين وانتشالهم من قلب كارثة إنسانية، فيما الهدف الحقيقي هو إنقاذ حماس من أزمتها المالية، لتمكينها من العناد والمضي بمشروعها الانفصالي.

علينا الحذر ممن يحاولون ثقب قاع السفينة الفلسطينية بحجة حقهم القانوني فيها!! فمن يسعى لنيل وسام الشجاعة والبطولة فليحاول نيل شرف الوقوف بوجه الانقلابيين، فاللحظات التاريخية التي تمر بها قضيتنا لا تحتمل اللف والدوران، ولا المواقف الهلامية، ولن ينفع التكسب على مصلحة الوطن، فالسفينة التي يتلهى (المراهقون السياسيون) بخرق قاعها ستغرق حتما عندما تقع في قلب الإعصار.