قرار الرئيس دونالد ترامب "الاعتراف" بالقدس عاصمة لإسرائيل يوم الأربعاء الماضي الموافق السادس من ديسمبر الحالي بقدر ما شكل مساً خطيراً بمرتكزات عملية السلام، وبالمصالح الوطنية الفلسطينية، واعتداءاً صارخاً على قرارات وقوانين ومواثيق الشرعية الدولية، وانتهاكاً فاضحاً لقيم العدالة والحرية؛ بقدر ما شكل خطوة مهمة لصالح القضية الفلسطينية، حيث أعاد لها الاعتبار من خلال الرد الجماهيري والسياسي والدبلوماسي على الصعد كافة المحلية والعربية والإقليمية والدولية، ومنح القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية مكانتها وثقلها السياسي عبر الرفض العالمي للقرار الأميركي المشؤوم، وهو ما تجلى في ردود الفعل على كل الصعد والمستويات، ومن خلال جلسة مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، حيث رفضت الدول أل14 قرار ترامب المغامر. فضلاً عن الدعوة للقمم العربية والإسلامية الطارئة لتأكيد مكانة القدس كعاصمة أبدية لدولة فلسطين.

الاستهتار الأميركي بالمصالح والحقوق الوطنية ناجم عن غباء وفقر حال سياسي لدى صاحب القرار في البيت الأبيض، الواقع تحت ضغط المتصهينيين في إدارته وفي الكونغرس، لأنه لم يدرك حجم وثقل القضية الفلسطينية في الساحات العربية والإسلامية والدولية، ولا يعود ذلك لأن على رأس الفلسطينيين ريشة، ولكن لأنها قضية تهم كل القوى المذكورة آنفاً، لا سيما وأن لكل منهم صلة ما بالقضية، وبعضهم مرغماً ومضطراً لاتخاذ موقف لدعم القضية الفلسطينية، ولا يستطيع المغامرة في إعلان موقف متناقض مع الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي. رغم إن جميع القادة العرب والمسلمين والأمميين، بما في ذلك القادة الأميركيين السابقين وبعض قادة إسرائيليين نصحوه بعدم الاندفاع نحو خطوته المجنونة والغبية، لكنه تحت سيف الضغط من قبل المحيطين به، والقضايا التي تطارده خضع للابتزاز وأصدر قراره المغامر والعدمي، معتقداً أنه بما أقدم عليه يستطيع أن يحمي نفسه من مقصلة العزل والطرد من سدة الرئاسة، وتناسى أو نسي إن الصهاينة والإيباك وغيرهم في مؤسسات صنع القرار الأميركي، ليسوا مع بقائه في رأس الإدارة، بل جميعهم مع عزله، لان كم الفضائح والانتهاكات التي إرتكبها وتورط فيها لا تسمح لأي منهم الدفاع عنه، وبعدما حققوا وأخذوا منه ما أرادوا، سيعمقوا أزماته، وينشروا سلسلة متواصلة من الفضائح الإضافية للتسريع بعزله.

وكما أشار المرء سابقاً، فإن قراره المجحف بالحقوق الوطنية حرر القيادة الفلسطينية من سيف ومقصلة الضغط الأميركية والعربية الرسمية، وأطلق يد الرئيس أبو مازن في تغيير قواعد اللعبة السياسية، من خلال رفض الرعاية الأميركية لعملية السلام، وبالذهاب إلى حاضنة الشرعية الدولية، والاستعانة بالأقطاب الدولية ذات الصلة بعملية السلام، بالإضافة للمؤسسات الدولية كمحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الأممية، والانضمام للعديد من المعاهدات والمنظمات الأممية لتعزيز المكانة الفلسطينية عالمياً  وهنا تملي الضرورة تنبيه بعض المراقبين، الذين ذهبوا في تشبيههم ما جرى بوعد بلفور، للإشارة إلى أن الوعد المشؤوم في نوفمبر 1917 مر دون ردود فعل دولية، لأن العالم كان متواطئاً أو غارقاً في دوامة الاستعمار القديم، وتقاسم النفوذ بين الأقطاب الرأسمالية في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1914/1917. لذا لم يحدث الوعد اللعين أية ردود فعل، في حين إن قرار ترامب بشأن القدس، ووجه بالصد والرفض والإدانة، وقسم العالم إلى قسمين، القسم الأول أميركا وإسرائيل في كفة، وباقي دول وأقطاب العالم في كفة أخرى، لأن الجميع رفضوا القرار بما في ذلك الحلفاء التقليديين لإسرائيل وأميركا مثل: بريطانيا وكندا وكل دول الإتحاد الأوروبي وغيرهم، الأمر الذي أعطى القضية الفلسطينية عموماً وقضية القدس خصوصاً المكانة والأهمية التي تستحق، ووضعها رغماً عن ترامب ونتنياهو ومن لف لفهم على رأس المشهد السياسي العربي والإقليمي والعالمي.. وهو ما فتح وسيفتح الأفق للتعجيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والدفع بقوة بإلزام إسرائيل بدفع استحقاقات التسوية السياسية. وقادم الأيام سيحمل الجواب على ذلك.