يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات... يا حرَّاس الارض الفلسطينية المباركة... يا قوافل الشهداء... يا أسرانا البواسل في المعتقلات والزنازين... يا أهلنا الصامدين على الأراضي الفلسطينية التي باركها الله، وبارك ما حولها، وجعلها أرض الرباط إلى يوم الدين.

لقد اختارنا الله سبحانه وتعالى من بين أمم الأرض كي نكون في الخندق الأول، ووجهاً لوجه ضد الاحتلال الصهيوني الذي احتلَّ أرضنا، ونكَّل بشعبنا، ودنَّس مقدساتنا، وأعدم وقتل أطفالنا ونساءَنا وشيوخنا، ودمَّر وأحرق بيوتنا، وارتكب المجازر بحق المدنيين الأمنين في دير ياسين، والطنطورة، وصلحا، والصفصاف، وكفر قاسم، وجنين، وخان يونس، وبيت حنون، والأقصى، والمسجد الابراهيمي.

لقد حدث ذلك كله في إطار المخطط التآمري والتصفوي لوجود الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وحقه في تقرير مصيره، هذا المخطط الذي قادته بريطانيا كدولة انتداب، ثم وضعت الولايات المتحدة ثقلها في هذا المشروع بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا المخطط الذي بدأ بقرار سايكس بيكو الذي قسَّم العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا، العام 1916، ثم في العام 1917 كان تصريح آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا باسم الحكومة البريطانية التي تعهدت بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إنطلاقاً من كونها الدولة المنتدبة على فلسطين، واستثمرت قرار الانتداب لزرع الكيان الصهيوني وتثبيته جغرافياً، وسياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، وقانونياً، وذلك من خلال مساعدة الحركة الصهيونية على تهجير عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من اليهود المرفوضين أوروبياً، ثم استيعابهم في الكيبوتسات، ومعسكرات التدريب، العسكرية، ومساعدتهم في بناء المؤسسات الاقتصادية، والأمنية، والتشكيلات العسكرية، وتأهيلها بمختلف أنواع الأسلحة، وبالمقابل، كانت بريطانيا كدولة انتداب تحرم الشعب الفلسطيني من كل مقومات الصمود، أو الدفاع عن النفس، إضافة إلى السعي الدائم لتدمير مكونات، ومقومات المجتمع الفلسطيني، حتى يكون عاجزاً أمام مؤامرة تشريده، بل اقتلاعه من أرضه.

بعد الحرب العالمية الثانية تصدرت الولايات المتحدة قيادة مشروع التآمر والتصفية، لأنها تدرك أهمية المشروع الصهيوني، وإقامة كيان إسرائيلي على الاراضي الفلسطينية في خدمة تطلعاتها الامبريالية والاستعمارية، وهي دولة ناشئة غير منهكة، وتستطيع تأدية الدور الامبريالي الدولي بنجاح بعد إنحدار نجم بريطانيا.

من هذا المنطلق بدأ التنسيق بين بريطانيا وأميركا، عندما اقترحت بريطانيا في 10/12/1946 تشكيل لجنة أنجلو أميركية مهمتها النظر في القضية الفلسطينية. وهذه اللجنة كشفت عن الخطوط العريضة لسياستها تجاه الشعب الفلسطيني. فاللجنة رفضت علناً فكرة إستقلال فلسطين، وأكدت على إستمرار الهجرة اليهودية، وطالبت بإلغاء القيود المفروضة على انتقال الاراضي لليهود، وأوصت بإبقاء فلسطين تحت الانتداب البريطاني حتى يُبت في أمر وضعها تحت وصاية الامم المتحدة.

وعندما فشلت بريطانيا في إقناع الجانب الفلسطيني والعربي بالاستمرار في الانتداب لخمس سنوات أخرى، وتقسيم فلسطين إلى مناطق ذات حكم ذاتي يهودية وعربية، قررت بريطانيا رفع القضية إلى الأمم المتحدة بعد أن استكملت كافة الترتيبات الدولية والمحلية لقيام الدولة اليهودية على حساب فلسطين وشعبها. وأصبح من المُلح طرح قرار التقسيم في الجمعية العمومية للامم المتحدة، وعندما طرح مشروع التقسيم من قبل الأكثرية في الجمعية العمومية في 29/11/1947 تمَّ إقراره بغالبية (33) دولة مقابل (13)، وامتناع (10) دول عن التصويت، وتغيُّب دولتين، وقد حمل هذا القرار رقم (181).

وقد اشتمل القرار على الكيانات السياسية الثلاثة:

أ-الدولة العربية: قدرت المساحة لهذه الدولة بـ(12369) كم2 مربع أي 45،76% من مجمل مساحة فلسطين، ويقطن هذه الدولة قرابة 725 ألف عربي، وحوالي عشرة آلاف يهودي.

ب-الدولة اليهودية: قدرت مساحتها بـ(14400) كم2 مربع أي (53،28)% من مساحة فلسطين، ويقطنها (498 ألف يهودي) و(407 آلاف عربي).

ج-القدس: توضع تحت الحماية الدولية، ومساحتها (147) كم2 مربع.

لقد شعرت معظم دول العالم النزيهة، والتي عانت تاريخياً من الظلم والاضطهاد بحجم المؤامرة التي وقعت على الشعب الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين، وما زالت. وكانت الوقفة المشرِّفة في الجمعية العمومية لهذه الدول بأن أصرَّت على اعتبار يوم التقسيم الظالم والجائر قراراً مخجلاً ومحرجاً، فأصرت على اعتبار يوم 29/11/1947 هو يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني الذي قاد أعظم ثورة في هذا العصر من أجل التحرر، والاستقلال، والسيادة، وتقرير المصير، ولكن مواقف الدول المتحكمة بقرارات مجلس الأمن ما زالت تحكم القبضة على حرية واستقلال دولة فلسطين وشعبها وترفض أن يعيش شعبنا بحرية كما تعيش بقية شعوب الأرض.

لقد ناضل شعبنا الفلسطيني، وقدَّم التضحيات والشهداء، وعاش أبشع وأقسى الظروف بسبب ما أصابه من تشرد، ولكنَّ التواطؤ الدولي من قبل الدول صاحبة القرار المتحكم بمصير الشعوب واستقلالها ما زالت تصرُّ على قهر شعبنا، وتدمير مستقبله من أجل حماية الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.

إننا اليوم نطلب صحوة ضمير من أجل نصرة شعبنا الفلسطيني، وانصافه إستناداً إلى قرارات الشرعية الدولية التي طُبَّقت على شعوب الارض كافة، ونالت إستقلالها، باستثناء تقرير مصير الشعب الفلسطيني، وهذا الظلم التاريخي ما زال يمارس على رؤوس الاشهاد دون رادع، ودون استجابة لعذابات شعبنا، ومعاناته تحت الاحتلال.

نحن رغم طول المعاناة، ورغم قسوة الاحتلال مستمرون في كفاحنا الوطني، ومعنا شعوب العالم الحرة تقف مع حقوقنا المشروعة.

لقد أنجزنا العديد من الانتصارات من خلال مقاومتنا الاحتلال، فاعترف العالم بنا دولة تحت الاحتلال، وعاصمتها القدس الشرقية، وحصلنا على القرار الدولي من مجلس الامن 2334 الذي يعترف بنا وبدولتنا، ويرفض الاستيطان في كل الاراضي الفلسطينية لأنه عدوان على الشعب الفلسطيني. ورفعنا العلم الفلسطيني إلى جانب أعلام كل الدول المستقلة في الامم المتحدة، وسنواصل مسيرتنا رغم جبروت الاحتلال، وصهيونيته، وعنصريته، ولن نتراجع وسنواصل سعينا من أجل استكمال الوحدة الوطنية وتجسيد المصالحة الفلسطينية بين مختلف الاطراف الفلسطينية وسنحمي مخيماتنا من كل محاولات التخريب الأمني، ومن كل المحاولات الرامية إلى زرع الفتنة في صفوفنا.

إن شعبنا الفلسطيني هو صاحب المشروع الوطني الفلسطيني الذي قاده ياسر عرفات ومعه كل قيادات حركة "فتح" التاريخية، وقادة الفصائل الوطنية والاسلامية.

هذا الشعب بكل تضحياته وانجازاته سيواصل مسيرته الكفاحية يداً بيد، ومعنا كل أحرار العالم حتى نستعيد أرضنا، ونحرر مقدساتنا، ونقيم دولتنا ذات السيادة ومعنا كل أبناء شعبنا في الداخل والشتات.

التحية الى روح الشهيد الرمز ياسر عرفات في ذكرى رحيله الثالثة عشرة، والتحية إلى أرواح كافة الشهداء القادة من كافة الفصائل، وكل قوافل الشهداء.

التحية إلى أبطالنا الأسرى الصامدين في المعتقلات والزنازين بانتظار لحظة النصر والحرية.

التحية إلى كل الجرحى والمعوَّقين الذين دفعوا ثمن الحرية والاستقلال.

ولشعبنا نقول إن الاستقلال قادم، وان الاحتلال زائل، وأنَّ أسياد الارض سيعودون إلى أرضهم المباركة ارض الانبياء والمقدسات.

وانها لثورة حتى النصر

 حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح- لبنان

29/11/2017