خاص مجلة "القدس" العدد 341 ايلول 2017
تحقيق:  غادة اسعد

بحثٌ جادٌّ شارك فيه عددٌ من المحلِّلين العرب المختصين بمجال الاقتصاد، طالَ السياسة الإسرائيلية الممنهَجة في مجال العمل، والتي تمسُّ بحقوق الفلسطيني في الداخل، ليتبيَّن من خلاله أنَّ الوظائف والأعمال الشاقة يُنفِّذها الفلسطيني في الداخل، بينما يحظى الموظّف أو المقاول اليهودي بفرص مفيدة وأرباح عالية من دون جهد أو عناء يُذكَر.


التمييز يطال مجالات الحياة كافّةً
تُوفِّر "إسرائيل" لأبناء جلدتها فُرصَ العمل مع الحفاظ على حقوقهم، وقلَّما نسمع عن حوادث عمل تعرَّض لها عُمّال من الوسط اليهودي، إذ إنَّ سلطة الاحتلال تُؤمِّن كلَّ ما هو مطلوبٌ من أجلِ سلامة العامل اليهودي، بينما تُهملُ العامل العربي الذي يبحث عن لقمة عيشه ويعجز عن الحصول على أدنى حقوقه، وقد تتّفق المؤسسة الإسرائيلية مع المقاولين من خلال صفقات، قد لا يحصل بموجبها العامل العربي في حال تعرضه لحادث أو وفاته على تعويضات تناسب العمل الشاق الذي يُنفِّذه.
وإذا كانت ظاهرة التمييز تجاه المواطنين العرب قد باتت متغلغلة في ميدان العمل، فإنَّ الممارسات التي تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية بدءًا من رئيس الحكومة وصولاً إلى أصغر موظف فيها، بدأت تنسحب على جميع المناحي الحياتية.
ولم يوفّر التمييز فئة الأطفال حتى، ففي منطقة الجنوب (النقب) على سبيل المثال، تقع يوميًّا حوادث مختلفة يُصاب فيها الأطفال في الطرقات، لعدم وجود أماكن ترفيه خاصّة بهم، وحتى في البيوت غير المجهَّزة بالشكل الكافي، هذا عدا عن اقتناص الأراضي، والمسِّ بالعائلات العربية في النقب، وتشريدهم من بيوتهم.
وفوق ذلك، يعاني المجتمع العربي حرمانًا من الميزانيات والتطوير الاقتصادي، وانعدام دمج المؤهَّلين وأصحاب المهن العالية والعمال عمومًا في سوق العمل والخدمات التأهيلية والمهن الملائمة، والتي تعدُّ جزءًا من الاقتصاد المتطوّر في الدولة، الذي أهَّلها للوصول للصدارة في مؤشرات التنمية والتعاون من النواحي الاقتصادية.
كيف تُوزّع الكعكة الاقتصادية؟!
يُشير الخبير الاقتصادي د.رمزي حلبي إلى أنَّ انضمام "إسرائيل" لمنظمة التعاون والتنمية (OCED)، قبل نحو خمس سنوات، يستدعي مقارنتها من حيث المؤشّرات الاقتصادية بدول المنظمة، لا مع الدول النامية كسوريا أو مصر أو غيرها من الدول الضعيفة اقتصاديًا. ويضيف: "الإنتاج القومي لإسرائيل يتخطَّى 300 مليار دولار، وعمليا "إسرائيل" دولة غنية اقتصاديًا، إذ إنّ معدل الإنتاج السنوي للفرد الواحد يتعدَّى ـ35,000دولار، لكنّ مشكلتها الأساسية هي توزيع (الكعكة الاقتصادية)، فبدل أن يتم توزيعها بشكلٍ عادل ومتساوٍ يشعر من خلاله المواطن بغنى الدولة التي يعيش فيها، تتّبع دولة الاحتلال السياسة الرأسمالية التي تُعطي أفضليةً اقتصاديةً لأصحاب رؤوس الأموال ولمحرِّكي الاقتصاد، وبالنسبة للسياسات العُليا هناك أفضلية لصاحب العمل المبادِر الغني، الذي يكسب أكثر من موارد الدولة".
ويُردف: "بحسب الإحصاءات، 20% من السكان فقراء، والأفقر هم شريحة الأطفال! وذلك يعود لعدة أسباب، أبرزها: ممارسات الحكومة العنصرية، وكيفية توزيع الموارد بحيث يتم تفضيل المجتمع اليهودي على العربي، وتخصيص برامج التطوير والاستثمار في المناطق الصناعية والتجارية في البلدات اليهودية مقابل ضعفها في المناطق العربية، إلى جانب تقليص سلّة العطاء التي تُقدِّمها الحكومة للفقراء".
ويوضح د.حلبي أنَّ سلة العطاء التي تدفعها مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي تشمل دفع مخصَّصات الأطفال، والبطالة، والإعاقة، مشيرًا إلى أنَّ هذه المخصَّصات شهدت تقليصًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ما زاد نسبة الفقر في صفوف العرب والمتدينين اليهود، لافتًا إلى تخصيص الدعم إلى الحكومة ووزارة الدفاع التي تتخطّى ميزانيتها الـ60 مليار شيكل على حساب الفقراء والرفاه الاجتماعي والتربية والتعليم والصحة وغيرها.
ويكشف د.حلبي أنَّ معظم الشبان والشابات يمضون سنوات طويلة في البحث عن عمل لا يناسبهم، لكنهم لا ينجحون في الاختيار الصحيح لمهنة المستقبل، وهو ما قد يكون سببًا في إهدار الطاقات والسنوات. ويوصي بتشجيع النساء على دخول سوق العمل، وتشجيع الشباب العربي على اختراق عالم (الهايتك/ التقنية العالية) والمؤسسات المالية وشركات التأمين، ولكنَّه لا يبدي تفاؤلاً كبيرًا حيال الأمر، إذ يقول: "رغم أنَّ عالم (لهايتك) حاجة ماسّة في هذه الأيام، لكن العنصرية الإسرائيلية أصبحت تُمارَس في كلِّ المجالات، إذ إنَّ نسبة العاملين الفلسطينيين في الشركات الإسرائيلية لا تتجاوز 2%، رغم وجود الآلاف من الفلسطينيين المتخصصين في (الهايتك)".
وينصح د.حلبي بضرورة الاعتماد على عمل مستقل (محل تجاري، منجرة، ...) في حال لم ينجح الشاب أو الشابّة بالحصول على عمل مناسب، ويوضح أنَّ "هذه المبادرات تساهم بتطوير الشباب ودعمهم، وقد تُمكِّن بعضهم من تحقيق أمانيه بالاستقلال الاقتصادي والمهني، وربما يحصل بعضهم على دخل مناسب يليق بتجربتهم المهنية والتعليمية أيضًا، خاصةً لأولئك الذين يرفضون العمل كأجراء يتلقون أوامر من صاحب العمل"، لافتًا إلى أنَّ هذا المجال من العمل في الاقتصاد الإسرائيلي لم يدخُله العرب كما يجب، ويحتاج لتخطيط دقيق ومُسبَق قبل الإقدام عليه.
ويُضيف: "تتصدَّر "إسرائيل" 33 دولة في منظمة التعاون والتنمية من ناحية الفوارق الاجتماعية ومؤشرات الفقر، خاصّةً عند الأطفال، حيث إنَّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تدهور مستمر، مقابل تحسُّنه في دول أخرى موجودة ضمن المنظمة مثل تركيا وتشيلي. ولكنَّنا إذا ما دقَّقنا في هذه النتائج لوجدنا أنَّ وضع المجتمع العربي هو السبب الأول لارتفاع نسبة الفقر، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتواصلة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. فأكثرُ من 50% من الأطفال الفقراء في البلاد هُم أطفال عرب، بينما نسبتنا في كيان الاحتلال هي 22%، لذلك من الواضح أنَّ الوضع الاقتصادي الاجتماعي المتردي في المجتمع العربي ينعكس عمليًّا على المقاييس الدولية، ويعطينا هذه النتيجة. ومن المؤسف ألّا تتعامل حكومة الاحتلال مع الأمر بشكل جدي وواضح، إذ طالما أنَّ المجتمع العربي لا يُعدُّ جزءًا من الاقتصاد المتطور ويُحرَم من الأجور العالية التي يمكن أن يحصل عليها من خلال اندماج أبنائه في المهن المتقدِّمة، فإنَّ هذا الوضع سيزداد سوءًا. وبالتالي، الحل يكمن في أن يكون المجتمع العربي جزءًا من الاقتصاد المتطوِّر في البلاد، وأن يحصل أبناؤه على أجور عالية، وأن تتغيَّر طبيعة المهن التي يعمل بها العرب، والتي لا تعكس الوضع الاقتصادي العام المتطوِّر في البلاد، وكأننا نتحدَّث عن اقتصادين في دولة واحدة!".
غياب الاهتمام بمشاركة النساء في سوق العمل
تحتلُّ النساء العربيات غير العاملات في الأراضي المحتلّة المرتبة قبل الأخيرة في جدول النساء غير العاملات عالميًّا، بحسب د.يوسف جبارين. وفي هذا السياق يقول: "استعنَّا بعينة شملت 1500 امرأة عربية من جميع أنحاء البلاد، وتبيَّن أن 83% من النساء لا يعملن بأجر، ونسبة ضئيلة من هؤلاء يحصلن على مخصصات البطالة ، فيما تعمل فقط 10% من النساء بوظيفة كاملة، وأنَّ حالة عمل النساء في الدول الفقيرة جدًا في العالم أفضل منها لدى النساء العربيات في "إسرائيل". كما أنَّ نسبة النساء العاملات ثابت منذ العام 1995. ويعود السبب في هذه النسب إلى عدم توفر فُرَص عمل للعربّيات بسبب التمييز العنصري، وفي الوقت ذاته، عدم اهتمام القيادات العربية أو الوزارات بقضية تشغيل النساء، كما أنَّ دولة الاحتلال منذ قيامها لم تضع مخطَّطًا اقتصاديا واحدًا لمصلحة النساء العربيات. ومن النتائج البارزة في الاستطلاع أيضًا كانت أنَّ 30% من النساء غير العاملات لم يخرجن للعمل بسبب عدم سماح الأهل بذلك".
وبحسب د.جبّارين "أظهرت استطلاعاتٌ أنَّ النساء اليهوديات العاملات التي تتراوح أعمارهن ما بين 25 إلى 64، فاقت رواتبهن رواتب النساء العربيات العاملات من الفئة العمرية ذاتها، بنسبة 45% للعام 2014.
ويُشار إلى أنّ وزارة اقتصاد الاحتلال تستغلُّ فقط 28% من الميزانية التي تملكها لصالح خروج النساء العربيات للعمل، في حين تستغل وزارة الصحة 7 مليون فقط من 20 مليوناً تملكها".