أنْ يقومَ الرئيسُ الأمريكي الجديد بزيارة السعودية كأوّل دولة يقصدها بعد تنصيبه رئيساً، فهذا دليلٌ على الأهميّة الاستراتيجيّة التي تُوليها الإدارة الأمريكية للسعودية ولدورها المحوري في المنطقة. وتأتي الزيارة بعد فترة من حالة البرود التي سادت العلاقات الأمريكية-السعودية خلال حكم أوباما،  وهي الفترة التي شهدت هزّات عنيفة في المنطقة طالت دولاً عربية عديدة ومنها دولٌ تقع في خاصرة السعودية كاليمن والبحرين والعراق.

يروق للبعض أن يصف ما يجري في المنطقة بأنه صراع بين محوريَن: واحدٌ تقوده السعودية، وآخر تقوده إيران، ويذهب آخرون إلى التركيز على البُعد الطائفي لهذه المحاور.. لكن هذا لا يعدو كونه تبسيطاً لصراع حقيقي بين مصالح وقوى وسياسيات يمتدُّ منذ عشرات السنين، ويشهد حالات من المدّ والجزْر، إلّا أنَّه وصل درجة عالية من التصعيد بعد ما أُطلِقَ عليه "الربيع العربي".

بعضُ المنتقدين لزيارة ترامب للسعودية، وما يرافقها من توقيع عقود عسكرية واقتصادية  هائلة، هم أنفسهم الذين هلَّلوا وطبّلوا وزمّروا للتحسُّن الذي طرأ على العلاقات الأمريكية-الإيرانية بعد الاتفاق النووي، وهم مَن كان يُبشِّرنا بأنَّ الدور السعودي قد انتهى، وأنَّ أمريكا "أُجبِرت" على التعامل مع إيران القوية والمستقرة.. وهم أنفسهم سيُحِلون (يجعلونها حلالاً) أيّة علاقة بين إيران وأمريكا وسيضعونها فوراً في خانة إنجازات وانتصارات "محور الممانعة".

يستطيع المتتبِّع للصراعات في المنطقة أن يرى كيف تسير السياسة الفلسطينية في هذا الحقل من الألغام بشكل يحاول منع أو تقليل التأثيرات السلبية لهذه الصراعات على القضية الفلسطينية، ويحافظ على مركزيّة هذه القضية رغم ما يحيط بنا من حروب ودمار. ففلسطين ليست طرفاً في سياسة المحاور، وعلى الرغم من أنَّ سياسة "م.ت.ف" كانت دوماً على مسافة قريبة من الأخوة في السعودية إلّا أن ذلك لم يمنع فلسطين من اّتخاذ موقف من الأزمة السورية قد لا يروق للأخوة في السعودية، لكنّهم يتفهّمونه ولا يطلبون منا اتّخاذ موقف آخر غيره.

وبالعودة إلى زيارة ترامب: ألسنا نحن أول مَن ينادي بأن تنظر أمريكا إلى مصالحها لدى العرب؟

المصالح العربية ورغم مركزية القضية الفلسطينية تتعدّى الصراع في فلسطين. مَن يُثير الفتنة في اليمن والبحرين، أو مَن يُفصِّل العراق العربي العريق على مقاسه، هو الذي يُبعِد الأمّة عن فلسطين، ويُفقِد قضيتنا مكانتها المركزية.

لقد وضع ترامب أولوية خاصّةً للاقتصاد الأمريكي، وجعل توفير فرص عمل داخل بلاده هدفاً ملحّاً، ولا أجد ضيْراً في سعي السعودية إلى استغلال وتوظيف قدراتها الاقتصادية الهائلة في خدمة مصالحها. وفي المقابل فإنَّ السياسة الفلسطينية العقلانية هي التي تحافظ على بقاء فلسطين جزءاً رئيساً من سلّة الهموم والمصالح السعودية في المنطقة كلها. فقضيّتُنا عادلة بكل المقاييس، ولكن يجب أن ندرك أنَّ الموقف السعودي والعلاقات القوية التي تنسجها القيادة السعودية مع إدارة ترامب هي إحدى الضمانات لكي لا توغل هذه الإدارة في تنفيذ وعودها الانتخابية الكارثية، وإنَّ التركيز بهذا القدر المميَّز على الجانب الاقتصادي في علاقات السعودية مع أمريكا هو استثمار في وضع قد يجعل أمريكا "الترامبية" تعيد حساباتها بناءً على معطيات الربح والخسارة، فهذه هي العقلية التي تحرِّك سياسات إدارة الرئيس الملياردير دونالد ترامب.

أمين سر حركة "فتح" في بولندا د.خليل نزّال

2017/05/21