بسم الله الرحمن الرحيم

يا جماهير شعبنا الفلسطيني المكافح والمجاهد.

في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني العام 1988 كان الاعلان الفلسطيني المدوي بصوت الرمز ياسر عرفات "باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني نعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف".

لقد جاء هذا الاعلان التاريخي في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في الجزائر بحضور غالبية الفصائل الفلسطينية وخاصة فصائل "م.ت.ف"، والاعضاء المستقلين.

أهمية هذه الدورة أنها جاءت بعد أحداث مفصلية في المسيرة الفلسطينية، وخاصة الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان، وحصار بيروت بهدف تدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية.  ثم كان الانشقاق والنزاع داخل الساحة الفلسطينية، والذي تسبَّب بشرخٍ واسع، ثم كانت الانتفاضة الأولى في 9/12/1987 والتي شكَّلت علامة فارقةً في التاريخ النضالي الفلسطيني، وأعادت للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال ووهجه، وللقيادة الفلسطينية حضورها السياسي والوطني بعد الظروف العصيبة التي مرَّت بها، والتحديات التي كانت تهدد مسيرة الثورة الفلسطينية.

لم يكن سهلاً أن تلتقي القيادة الفلسطينية مجدداً بعد التعقيدات السياسية التي حصلت، وفرضت العديد من المتغيرات.  القيادة الفلسطينية إلتقت في الجزائر، وبدأت حواراً داخلياً استغرق ثلاثة شهور متواصلة من أجل تذليل الصعاب، والتوصل إلى إتفاقات سياسية ووطنية تنقذ الوضع الداخلي الفلسطيني الممَّزق.  وقد تبنت القوى الفلسطينية المنضوية تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية فكرة إعلان الاستقلال، وقيام الدولة الفلسطينية على الاراضي التي احتلت العام 1967 كتوجه يُطرح على المجلس الوطني في دورته التاسعة عشرة.

الموقف الأبرز كان هو رفض الشهيد ياسر عرفات الأخذ بالنصيحة التي تقدَّم بها الاتحاد السوفياتي آنذاك – قبل تفككه – ومعه الاتحاد الأوروبي بتأجيل الأعلان عن الاستقلال.  أمَّا الصيغة التي توافق عليها جميع الاعضاء في المجلس الوطني فقد نصَّت على التالي:

"يقرر المجلس الوطني في دورته التاسعة عشرة غير العادية دورة الانتفاضة التالي:

1) تُشكَّل لدولة فلسطين حكومةٌ مؤقتة في أقرب وقت ممكن، وطبقاً للظروف وتطور الأحداث.

 2) يفوِّض المجلس المركزي اللجنة التنفيذية بتحديد موعد تشكيل الحكومة المؤقتة، وتُكلَّف اللجنة التنفيذية بتشكيلها وتُعرض على المجلس المركزي لنيل ثقته، ويُعد المجلس المركزي النظام المؤقت للحكم إلى حين ممارسة الشعب الفلسطيني سيادته الكاملة على الأرض الفلسطينية.

3) يتم تشكيل الحكومة المؤقتة من القيادات والشخصيات والكفاءات الفلسطينية من داخل الوطن المحتل وخارجه، وعلى أساس التعددية السياسية، ومما يجسِّد الوحدة الوطنية. 

4) تحدد الحكومة المؤقتة برنامجها على قاعدة وثيقة الاستقلال، والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير وقرارات المجالس الوطنية.  ويكلف المجلس الوطني اللجنة التنفيذية بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة لحين إعلان تشكيل الحكومة".

 إنَّ وثيقة إعلان الاستقلال التي صاغها الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش أهم القضايا الوطنية والسياسية والوجدانية التي تتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، والأسس التي يقوم عليها أيُّ حلٍ ينهي مأساة الشعب الفلسطيني، والظلم التاريخي الذي لحق بالقضية الفلسطينية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن كافة هذه الأنشطة الادارية الفلسطينية تجري تحت قيادة "م.ت.ف" بوصفها الحكومة في المنفى.  وفقاً لمبادئ القانون الدولي وأحكامه ولا ننسى أن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة قد اعترفت بتاريخ 15/2/1988 في دورتها الثالثة والأربعين المنعقدة في جنيف بقيام دولة فلسطين، مشيرةً في نص القرار إِلى أن إعلان هذه الدولة جاء تنفيذاً مكملاً لقرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر يوم 29/11/1947م.

لقد أكدت وثيقة إعلان الاستقلال أن دولة فلسطين للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتُصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديموقراطي برلماني.

يا جماهير شعبنا في الوطن والشتات

إنَّ إعلان الاستقلال وإقامة الدولة على الأرض الفلسطينية يجسِّد البوصلة الوطنية للشعب الفلسطيني، ونحن نطمح إلى تحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية مع علمنا المسبق بالصعاب التي تعترض طريقنا، والتحديات التي تحدق بمسيرتنا، والمؤتمرات التي تُحاك ضدنا. فنحن مؤمنون بعدالة قضيتنا، وحقوق شعبنا، ومسيرتنا الوطنية.

ولن يستطيع الاحتلالُ بكل غطرستِه وجرائمه وارهابه أن يعيق تحقيق أهدافنا.  وهنا نحن اليوم قد أقمنا سلطتنا الوطنية الفلسطينية على أرض فلسطين، وتحت الإحتلال، نقارعُ الاحتلال ونفضح ممارساته العنصرية أمام العالم بأسره من أجل عزل حكومة نتنياهو التي هي حكومة المستوطنين والمجرمين.

نحن اليوم على أرض فلسطين نبني مؤسساتنا، ونحمي تراثنا، وندافع عن مقدساتها، ونخاطب العالمَ وقادته من أرض فلسطين، ونستقبل الملوك والرؤساء والأصدقاء، ونعقد المؤتمرات، ونشجِّع الاستثمارات، ونواجهُ الاحتلال، ونبني الاقتصاد، ونقول للعدو الاسرائيلي المحتل لأرضنا ها نحن هنا مزروعون في أرضنا، نسعى إلى تحقيق أحلام أجيالنا وأطفالنا بالعودة إلى الأرض الكنعانية واليبوسية، الأرض العربية التي لفظت كلَّ الغرباء والمحتلين، وأحفادهم اللقطاء العنصريين التلموديين أعداء الإنسانية والبشرية، قتلة الأنبياء.

نحن اليوم على أرض فلسطين، وفي دولة فلسطين العتيدة، ولن يستطيع الإحتلالُ نسفها من عقولنا ووجداننا، والاحتلالُ مهما كان دموياً وبغيضاً لكنه لن يستطيع تزير الحقائق، فالأرضُ لنا، والترابُ مرويٌّ بدمائنا، ومجبول بعظام أجدادنا، وهو يروي روايتنا.

ونحن نحتفل باعلان الاستقلال، واقامة الدولة الفلسطينية علينا أن نتذكر بأن العالم منذ العام 1974 اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاُ شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ومنظمة التحرير هي أول ثورة في العالم تدخل الجمعية العمومية للأمم المتحدة كثورة وهذا لم تحطَ به حركة تحرُّر في العالم.

ونظراً لمسيرة كفاحنا الوطنية الطويلة التي خاضها الرمز ياسر عرفات ومعه رفاق دربه، واستكملها الرئيس محمود عباس، فقد اعترف بإعلان الدولة والاستقلال ما يزيد على مئة وخمس دول وفُتحت لفلسطين سفارات، أو قنصليات، أول ممثليات.

وفي العام 2012 إعترفت بدولة فلسطين في الأمم المتحدة مئة وثمانيةٌ وثلاثون دولة، مقابل معارضة تسع دول فقط، وهذا ما شكَّل صفعةً قوية للاحتلال، وكيانه العنصري، وسياساته الاجرامية.

وجاءت الصفعة الأخيرة لنتنياهو وحكومته عندما رفع الرئيس أبو مازن علم دولة فلسطين في الأمم المتحدة. واليوم تسعى القيادة الفلسطينية وبجهود مركزة من رئيس دولة فلسطين لإقناع الدولة العربية والاسلامية، والأصدقاء في العالم لتقديم مشروع قرار جديد إلى الامم المتحدة يقضي الاعتراف بدولة فلسطين دولة كاملة العضوية مثلها مثل باقي الدول، وهذا إذا حدث فإنه سيكون إنجازاً مميَّزاً لدولة فلسطين التي أعلنها الرمز ياسر عرفات في العام 1988.

وسيكون بإمكان هذه الدولة أن تطلب الحماية الدولية لشعبنا تحت الاحتلال، والضغط على الاحتلال الصهيوني للانسحاب من أرضنا، ووقف الاستيطان، وعمليات التهويد خاصة في القدس والأقصى.

لا شك أن وجود إحتلال غاشم يمارس كل أشكال الاعدامات والاستيطان، والاقتلاع، وهدم البيوت، والتعذيب والاعتقالات لا يعني أبداً أنَّ الحلم قد تبدَّد، فطالما أن شعبنا متمسك بأرضه، ومنزرعٌ في ترابها فإن الحلمّ بالدولة والعودة متجدد.

المسيرة الثورية انطلقت في الستينات، وهي وُجدت لتبقى ولتنتصر، لأنَّ الشعوب لا تُقهر، ودائماً الشعوبُ تنتصر، والاحتلال إلى زوال.

ومن شروط الانتصار أن تتوحد القدرات والطاقات، والأدوات والأساليب، وأن ينتظم الجميع في إطار فلسطيني وطني موحَّد بعيداً عن النزاعات والصراعات، وهذا يتطلب إنهاء مأساة الانقسام، ووضع المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني فوق كافة الاعتبارات، وليس أمام الفصائل الفلسطينية إلاَّ أن تباشر تنفيذ ما تمَّ التوقيع عليه من قبل كافة الفصائل في العام 2011، والسماح لحكومة الوفاق الوطني بأن تمارس دورها كاملاً في قطاع غزة بعيداً عن الضغوطات، وعدم تحميل السلطة ما لا تطيق وخاصة في الجانب المالي، والجميع يعلم أنه بسبب الحصار والمقاطعة المالية للسلطة لا يصل من المبالغ المقررة للسلطة سوى 30%.

نحن بأمسِّ الحاجة اليوم لإنجاح عقد مؤتمر حركة "فتح"، ونجاحه خطوة على طريق عقد المجلس الوطني الفلسطيني، واختيار لجنة تنفيذية جديدة، وتفعيل دوائر "م.ت.ف"، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي، والبحث في مستقبل السلطة الوطنية، وفي الخطة المطلوبة لإزالة الاحتلال تمهيداً لاعلان الدولة على الأراضي الفلسطينية، ووضع العالم أمام مسؤولياته تجاه تنفيذ قرار حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي طُردوا منها العام 1948، واعتماد قرار 194 أساساً لمعالجة هذا الحق التاريخي.

في هذه المناسبة نحيي شعبنا الفلسطيني في كل فلسطين التاريخية، وفي كل بقاع الشتات، وفي المخيمات كافة ونقول لهم النصر آتِ والعودة قريبة.

نحيي أرواح الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم وهَجروا بيوتهم من أجل فلسطين وشعب فلسطين.

تحية العنفوان والكبرياء لأبطالنا الأسرى الصامدين في المعتقلات والزنازين الصهيونية ينتظرون ساعة الفرج حتى يعودوا لاستكمال عملية بناء الوطن، والاستقلال بعد إزالة الاحتلال ورفع علم فلسطين على أسوار القدس ومساجدها وكنائسها، وفوق ربى فلسطين.

الدولة الفلسطينية قادمة، والنصر قريب بإذن الله.

وإنها لثورة حتى النصر

حركة فتح – الساحة اللبنانية

     اقليم لبنان

     2016/11/15