خاص مجلة القدس العدد 330 ايلول 2016
تحقيق: عدي غزاوي

يحاولُ الاحتلال الإسرائيلي جاهداً ومنذ احتلاله فلسطين محوَ الهويّة الفلسطينية بشتى الطرق وفي مختلف المجالات، ومن أهمّها قطاع التعليم. فقد مارست إسرائيل منذ احتلالها أساليب عديدة لتلويث المناهج كما اعتدَت على الطلاب والمعلّمين وحتى على المرافق التعليمية وكل ذلك في سياق سعيها الحثيث لعرقلة العملية التعليمية والتضييق على الأهالي وتهجيرهم بالإكراه.


مدرسة أبو النوار محطُّ استهداف دائم للاحتلال
لا ينفك جنود الاحتلال من ممارسة شتى السُّبل المتاحة للتضييق على الفلسطينيين في المدينة المقدّسة بغرض تهويدها وترحيلهم منها، ومن بين هذه الوسائل استهداف الطلاب والمعلّمين وهم متوجّهون إلى مدارسهم إمّا عبر الاعتداء عليهم بل وقتلهم أحياناً بذرائع وحجج واهية يخترعونها. ومِن ضحايا هذه الممارسات منطقة تجمُّع أبو النوار وهو تجمُّع بدوي يقع في قضاء مدينة القدس ويتطلّب الوصول إليه اجتياز طريق وعرة جداً. ويعاني أهل التجمُّع من تضييقات الاحتلال عليهم لدفعهم لترك المنطقة، لدرجة أنَّ البناء المتواضع في آخر التجمع البدوي السكاني الذي شُيِّد من ألواح  الزينكو والخشب ليكون مدرسة ابتدائية لم يسلَم من الاحتلال الذي وجدَ في هذه المدرسة خطراً عليه ليقوم بهدمها. وعن أهم الصعوبات التي تواجههم أثناء تأديتهم لواجبهم التعليمي تقول مديرة مدرسة أبو النوار الأساسية المختلطة أسماء شيحة لمجلة "القدس": "أُنشِئت مدرسة أبو النوار الأساسية المختلطة في العام 2015 بسبب بُعد المدارس عن منطقة أبو النوار، إذ ان أقرب مدرسة تبعد عن المنطقة نحو 3 كيلومترات، وهي مسافة بعيدة على الأطفال في عمر 6 إلى 7 سنوات لا سيما في غياب خط مواصلات آمن لوجود معسكر للاحتلال محاذٍ للمنطقة يقع على طريقها. وقد وفَّر موقع المدرسة الحالي الأمان للأطفال بما أنّهم قريبون من بيوتهم وبعيدون عن الطرق الرئيسة والمناطق التي يسيطر عليها الاحتلال، لكنّ مَن يتعرّض للخطر هم أعضاء الهيئة التدريسية، الذين يضطّرون للقدوم للمدرسة مشيًا على الأقدام خاصةً أنَّ الطريق للمدرسة صعبة ووعرة وتمثِّل معاناة في الصيف والشتاء، وتبعد عن الخط الرئيس نحو كيلومتر واحد، وهي مسافة بعيدة يمرون خلالها من أمام معسكر إسرائيلي. كما نواجه تحديات كبيرة من قِبَل جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث أنّ المدرسة تقع بين ثلاث بؤر استيطانية وهي مستوطنة معالي ادوميم وكيدار ومعسكر للجيش قريب منها، هذا بالإضافة إلى البيئة الصحية السيّئة وقلة الخدمات بسبب تضييقات الاحتلال علينا. فالصفوف غير مؤهّلة مطلقاً، ولا يوجد مشارب مياه للأطفال، ولا تتوفّر الكهرباء إلا في أيام قليلة جداً ما يضطّرنا لأخذ الكهرباء من الأهالي، وعادة ما تكون ضعيفة. كنا نأمل أن يكون العام الدراسي 2016-2017 أفضل حالاً من العام السابق لكن مع مضايقات جيش الاحتلال المستمرة لنا هذا صعب".
وتضيف: "تقع المدرسة في المنطقة المصنّفة E1 وهو مخطَّط إسرائيلي يتضمَّن السيطرة على الأراضي المحيطة بمدينة القدس لإقامة ما يسميه الاحتلال القدس الكبرى، وهذه المنطقة مستهدَفة للمصادرة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية وربطها ببعضها عبر شقِّ طرق، حيث يُمنَع على السكان بناء أي شيء بهدف الضغط عليهم وتهجيرهم".
وحول تفاصيل هدم المدرسة من قِبَل الاحتلال تقول: "المدرسةُ عبارة عن بناء تابع للأهالي تمَّ منحه ليكون مدرسة أساسية من الصف الأول حتى الثالث، بتقدمة من الحكومة الفرنسية، وكان البناء عبارة عن مستوعبات حديدية (كرافانات) عازلة للحرارة والبرودة، لكنها هُدِمت في 21 شباط 2016، بكل ما فيها من أثاث مدرسي. وبعد هدم المدرسة في المرة الأولى، قام أهالي القرية ببناء مدرسة من ألواح الزينكو والخشب رفضًا لسياسات الاحتلال الذي يحاول منع المسيرة التعليمية من الاستمرار. صحيحٌ أنّنا نعاني من صعوبات كثيرة وهناك نواقص عديدة لكننا نحاول دعم الطلاب نفسيًّا ومعنويًّا من أجل اكمال المسيرة التعليمية، فوجودنا هنا هو صمودٌ للشعب الفلسطيني في أرضه ودعمٌ لقضيّته الفلسطينية وللمسيرة التعليمية في فلسطين. ولا أستطيعُ وصفَ ردة فعل الناس عندما يزورون المدرسة ويرون سوء الوضع فيها وشح الخدمات. وأذكرُ أنَّ إحدى المعلّمات أُرسِلَت لتعلِّم معنا، وعندما رأت صعوبة الوضع أصابَتها صدمةٌ قويّةٌ منعتها من إكمال واجبها التعليمي مما جعل وزارة التربية تنقلها لمدرسة أخرى".
وتتابع: "المدرسة تتضمّن صفوف الحلقة الأولى وهي الأول والثاني والثالث الذي استحدثنا لافتتاحه غرفةً جديدة تم بناؤها حديثًا، وعندما علمت ما تُسمّى الإدارة المدنية الإسرائيلية بذلك حضرت للمكان وصوَّرت الصف الثالث، وهناك على ما يبدو نيّة لهدم هذه الغرفة. وتتكوّن الهيئة التدريسية من خمس معلمات، ويبلغُ عددُ طلاب المدرسة 46 طالبًا وطالبةً يحضرون من منطقة أبو النوار، أمّا باقي الطلاب من المراحل الدراسية الأخرى فيذهبون للمدارس التي تبعد عن تجمُّع أبو النوار 3 كيلومترات تقريباً".
وتختم بالقول: "وزارة التربية والتعليم تعمل جاهدة على دعم المدرسة والطلاب والمعلمين قدر استطاعتها بتزويدنا أحيانًا بالوسائل التعليمية وتقديم الدعم المعنوي، لكن من ناحية توفير بناء أو توفير خدمات فهذا يحتاج الى دعم سياسي ورسمي بما أنَّ الاحتلال يمنع أي بناء لأهداف استيطانية".


كل ممارسات الاحتلال لن توقف العملية التعليمية
يؤكّد أمين سر حركة "فتح" في عرب الجهالين داوود جهالين "أبو عماد" تصميمَ سكان تجمع أبو النوار على البقاء في أرضهم والاستمرار في تعليم أبنائهم مهما كلَّف الثمن، حيث يقول للـ"القدس": "قرَّرنا في العام الماضي  العملَ على افتتاح مدرسة هنا في أبو النوار لنخفِّف عن الأطفال الصغار مشقّة التنقُّل من وإلى أقرب مدرسة في العزيرية. وبجهود من وزير التربية والتعليم د.صبري صيدم ورئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عسّاف وبتمويل من الحكومة الفرنسية قدّموا لنا مدرسة من الكرافانات، ولكن بكل أسف بعد 48 ساعة من بنائها تمَّ تفكيكها ومصادرتها من قِبَل الادارة المدنية الإسرائيلية، ولكننا أبينا إلّا أن نحارب من أجل تعليم أبنائنا، وبغرف من الزينكو أكملنا المسيرة التعليمية العام الماضي للصفَين الابتدائيّين الاول والثاني، وارتأينا هذا العام أن نفتتح الصف الثالث، فقمنا ببناء غرفة جديدة أضفناها لهذه المدرسة في 28/8/2016، إلّا أنّنا فوجئنا منذُ بضعة أيام باقتحام الإدارة المدنية للتجمُّع وتصوير ما تمَّ إضافته للمدرسة وهو الصف الثالث ومساحته 24 م2 يتلقّى التعليم فيه 18 طالباً. أيضًا تمَّ اقتحام التجمع في السادسة من صباح الثلاثاء 27/9/2016 من قِبَل طواقم الإدارة المدنية وجنود جيش الاحتلال، وأغلقوا المنطقة، وصوَّروا المدرسة للمرة الثانية وتحديدًا الصف الثالث، وما ننتظرهُ في الساعات القادمة هو وصول آليات معزَّزة من الاحتلال لتفكيك ومصادرة هذه الغرفة، فهذا متوقّع من الاحتلال وقد تعوَّدنا عليه من خلال أعمالهم السابقة، ولو أرادوا العمل تبعاً للقانون لسلّمونا إخطارات بوقف البناء او بالهدم، لكن في حال التصوير وعدم تسليم أي إخطار فهذا يعني الهدم المباشر والمصادرة بدون أي سابق انذار".
ويضيف: "ما تراهُ الآن هو بناء آخر بعد قيام الاحتلال بهدم المدرسة الاولى، إذ تبرَّع أحدُ السكان بهذا المكان وهو عبارة عن غرفة من صفيح الزينكو نُظِّفَت لتكون غرفة صفية، وهي في الحقيقة لا تصلح للاستخدام البشري، ولكنّنا سنواصل استكمال مسيرة أبنائنا التعليمية مهما كانت الظروف، وسنثبت للاحتلال بأنّ كل ما يقوم به لن يثنينا عن تعليم أبنائنا".
وحول ظروف العيش في تجمع أبو النوار وأبرز الصعاب التي يواجهها أهله يقول داوود جهالين: "أبو النوار هو أكبر تجمع بدوي في محافظة القدس، تسكنه 113 عائلةً بواقع 639 نسمة، وهو محاط بكاميرات مراقبة لأمن المستوطنات ليمنعونا من أي محاولة إعمار. في العام الماضي صادروا سيارة تحمل مواد لإعادة الإعمار في هذا التجمع، بالإضافة لمصادرة 5 سيارات خاصة، وهذه سابقة من نوعها. ومنذ بداية العام 2016 منعونا من ترميم الطرق وتوصيل الكهرباء او الماء او الخلايا الشمسية، ورغم كل المعيقات التي يفرضها الاحتلال إلّا أننا مصمِّمون على الصمود والبقاء وُمصرون على التحدي، ولن نقبل أن تكون هناك نكبة جديدة، ولن نسمح لأي مخطَّط بالمرور على هذه الأرض".
ويتابع "يقع تجمع ابو النوار على مساحة إجمالية تُقدَّر بـ500 دونم، وهي أراضٍ تابعة لبلدة ابو ديس، وهناك مخطّط صُودِق عليه العام 2009، وهو إقامة الحي الجنوبي من A1 الإسرائيلي، وقد تقدَّمت الإدارة المدنية الإسرائيلية خلال العام 2015 ومن خلال وسطاء وعملاء بعروض مغرية لسكان التجمع من أجل مغادرة التجمع تمثّلت بشيكات مفتوحة وقِطَع أراضٍ بديلة في منطقة الاغوار أو بمحاذاة بلدة ابو ديس، إلا أنّ أبناء التجمُّع رفضوا كل هذه العروض. واليوم هناك أربع مدارس في التجمُّعات البدوية في القدس مهدَّدة بالهدم وهي مدرسة ابو النوار الأساسية المختلطة، ومدرسة عرب الجهالين في وادي أبو هندي، ومدرسة الخان الأحمر، ومدرسة بارية القدس في بلدة جبع، واكثر المدارس التي تتعرّض للخطر هما مدرستَا ابو النوار والخان الأحمر".


الاحتلال يستهدف العملية التعليمية بكامل مكوناتها
تقوم وزارة التربية والتعليم بتوثيق كافة انتهاكات الاحتلال بحق قطاع التعليم متمثِّلاً بالطلاب والموظفين وحتى المرافق التعليمية، وفي هذا السياق يقول مدير دائرة متابعة الميدان في وزارة التربية والتعليم محمد مخالفة لـ"القدس": "انتهاكات الاحتلال تتنوّع بحق المعلمين والطلاب وحتى المرافق الدراسية، ويعدُّ إيقاف الطلاب على الحواجز أحدث هذه الاساليب، حيث يتم توجيه أسئلة للطلاب إذا ما كانوا يحملون سكاكين، وعندما يجيب الطالب بأنه لا يحمل سوى كتبه يطلب إليه الجندي العودة الى البيت وإحضار سكين حتى ينهالوا عليه بالضرب. أيضاً في إحدى المدارس في مدينة القدس اعتدى جنود الاحتلال على ثلاثة طلاب، وانهالوا عليهم بالضرب ومنعوهم من الذهاب للمدرسة، ونذكرُ أيضاً الطالب ربايعة الذي أخرج قلم رصاص من حقيبته فانهال عليه الجنود بالضرب حتى تمزّقت ملابسه، ولن ننسى أسلوب البوابات التي يقف عليها جنود الاحتلال ويغلقونها في وجه الطلاب، ومنعهم من الذهاب او العودة من المدارس، ورش المياه العادمة على المدارس، ورمي القنابل المسيلة للدموع داخلها والتي تعيق الطلاب عن إكمال العملية التعليمية. كما يحاول الاحتلال منع الطلاب في المناطق المحاذية للجدار او المناطق الحدودية من اكمال دراستهم عبر ارسال إخطارات لهدم مدارسهم، فهناك 57 مدرسة تسلَّمت اخطاراتٍ بالهدم من قِبَل الاحتلال، ومن الامثلة على ذلك مدرسة طانا في نابلس، التي هُدِمَت أكثر من 16 مرة، وآخر عملية هدم كانت في مدرسة ابو النوار التي تعرّضت للهدم في 20/2/2016، وهناك 65 مدرسة وُجّهت لها إخطارات بإيقاف العمل على بنائها او تطوير البنية التحتية فيها".
ويردف: "لم يكن الهدم الجريمة الوحيدة للاحتلال بحق قطاع التعليم، فقد بلغَ عدد الشهداء العام 2014 نحو 208، وكانت النسبة مرتفعة نتيجة للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وقد استشهد 21 موظفًا. وفي العام 2015، استشهد 22 موظفًا ومن بينهم الشهيدة الدوابشة التي استشهدت بعد حرق منزلها من قِبَل المستوطنين. أمّا في تقريرنا النصف سنوي لعام 2016 فقد تبيّن أنه قد استشهد 22 موظفًا. وعلى صعيد الاعتقلات اعتُقِل 179 موظفًا من بينهم معلّمون العام 2014، وفي العام 2015 كان لدينا 265 طالبًا الى جانب 11 معلمًا تمّ اعتقالهم، أمّا في العام 2016 فهناك 82 طالبًا معتقلاً حتى الآن. وقد بلغَ مجموع عدد الجرحى 1250 جريحًا بينهم 40 موظفًا ومعلمًا وفي العام 2015 بلغَ عدد الجرحى 740 بينهم 25 معلمًا و12 معلمة، وفي العام 2016 سُجِّل لدينا 210 جرحى من بينهم 19 معلمًا، وقبل عيد الأضحى هذا العام تعرَّض العديد من طلاب البلدة القديمة في الخليل للاختناق جرّاء إطلاق قنابل الغاز تجاه المدارس حول الحرم الابراهيمي".
ويؤكّد مخالفة أنَّ "ما تقوم به إسرائيل من هدم تحت ذريعة البناء غير الشرعي هو مجرد عذر واهٍ لأنَّ العديد من المدارس هي مدارس قديمة، أمَّا المدارس الجديدة في المناطق المهمّشة والبعيدة فقد حصلت على تصاريح للبناء بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي واللجنة الرباعية، وهناك بعض التجمعات البدوية تقوم وزارة التربية والتعليم بإيصال الخدمة التعليمية لها كونه واجب الوزارة في نشر التعليم، وهي عبارة عن كرفانات من الحديد أو خيَم بدوية، وهذا حقٌ لشعبنا وليس دعماً للإرهاب كما ييحوال الاحتلال أن يُروّج، ووزارة التربية والتعليم تسعى جاهدة بالتعاون مع كل الدول ذات العلاقة لدعم قطاع التعليم وخاصة في الأماكن المهمَّشة، والتي تعاني من مضايقات الاحتلال ومنع الطلاب من إكمال دراستهم بشكل طبيعي، وتسعى لبناء المزيد من المدارس بما أنَّ العِلم هو سلاحنا كفلسطينيين في الدفاع عن أنفسنا".