برحيل الحاج محمد خالد الصالح «أبو غالب»، تفقُد القضية الفلسطينية واحداً من أبرز رجالاتها، وقادتها، من الطلائع الأوائل في تأسيس العمل الفدائي الفلسطيني في لبنان.

«أبو غالب» الذي غيّبه الموت أمس الأول، عن 91 عاماً، عندما غادر بلدته الصفصاف - قضاء صفد في فلسطين المحتلة، في مثل هذه الأيام قبل 65 عاماً، حطَّ الرحال مع الأهل في مخيّم عين الحلوة، وكان كلّه أمل بالعودة إلى بلدته، حيث مرتع الشباب، لكن المنيّة وافته وهو في الشتات.

منذ شبابه، كان طليعياً في حث الشباب على التمسُّك بحق العودة، والمشاركة، بل  قيادة العمل الجماهيري والفدائي، وتنظيم صفوف الفلسطينيين، من أجل العمل للعودة إلى الأرض التي أُجبِروا على النزوح عنها قسراً.

«أبو غالب»، يتحدّر من عائلة فلسطينية مناضلة، كانت له بصمته في العمل الفدائي، حيث لطالما قام بتخبئة السلاح للفدائيين، وكان الكثير من القادة الأوائل، يلجاؤون للتخّفي لديه بعيداً عن أعين «المكتب الثاني»، الذي كان يُلاحقهم ويعتقلهم.

وتعرّض مع الكثيرين للملاحقات والمضايقات والاعتقالات، لكن كل ذلك لم يخفّف من عزيمته قيد أُنملة، عن التمسُّك بالخط الذي رسمه لنفسه مع أترابه، بقيادة العمل الفدائي من أجل تحرير فلسطين.

هو أحد أركان ليس بلدة الصفصاف ومخيّم عين الحلوة فقط، بل أكثر من ذلك على صعيد المخيّمات في لبنان التي مثّلها في «المجلس الوطني الفلسطيني» كأحد الوجهاء والفاعليات، وإلى أبعد من ذلك في أماكن الشتات الفلسطيني وداخل أرض الوطن، فكان يقدّم كل ما بوسعه للفدائيين، من أجل العودة إلى أرض فلسطين.

امتاز بعلاقاته مع الرئيس ياسر عرفات، و«أبو الزعيم»، والعديد من قيادات الصف الأول في العمل الفلسطيني، وأيضاً في العمل النضالي اللبناني، التي وظّفها لمساعدة الفدائيين، خصوصاً عائلاتهم خلال فترة توقيفهم واعتقالهم.

اضطلع «أبو غالب» بدور «شيخ صلح» كوجيهٍ من الفاعليات الفلسطينية، في حل العديد من المشاكل والأحداث التي كانت تقع، انطلاقاً من مبدأ تقريب وجهات النظر، وحل الخصومات، التي كان فيها للوجهاء دورٌ بارز، خاصة أنّ مثل هذه الأحداث كانت تقع كثيراً وفي لحظات سرعةٍ وتسرّع.

وعلى الرغم من كل الظروف، لم يبِّدل «أبو غالب» في مواقفه، بل بقي رُكناً أساسياً من أركان العمل الفدائي الفلسطيني، حيث ذرف الرجال الرجال الدموع من حدقات عيونهم، التي قلّما تُذرف دموعهم إلا على الغالي.

قبل الرحيل كان «أبو غالب» كما عهدناه، ثاقب البصيرة، يتمتّع بذاكرة قوية، يحدّث الأبناء والأحفاد وأبناءهم وكل مَنْ يزوره، عن فلسطين التي كانت تعني بالنسبة إليه كل شيء، يحدّثهم عن خيراتها وبطولات أهلها، والنكبة التي حصلت في مثل هذا الوقت قبل 65 عاماً، والتضحيات التي قُدِّمَتْ من أجل أغلى الأوطان، وأهمية التمسُّك بالعودة، ضاحداً مقولة ديفيد بن غوريون، الذي قال عند نكبة فلسطين: «غداً الكبار يموتون والصغار ينسون».

 

رحيل «أبو غالب» لم يتأخّر عن رحيل شقيقه صلاح «أبو مشهور» وابنته هنا، اللذين سبقاه قبل شهرين ونيف، وقد ووري جثمانه في مقبرة صيدا في سيروب، بعيداً عن فلسطين التي وُلِدَ وترعرع فيها، وناضل واستشهد من أجل العودة إليها، على أمل أنْ تُنقل رفاته من توأم الروح، إلى أرض الوطن بعد التحرير.

حشد غفير شارك في التشييع وتقديم واجب العزاء، برحيل «أبو غالب»، الذي نفقده جسداً، لكن ما خطّه وسار عليه، مستمر في الأبناء والأشقاء والأقرباء، وأفراد العائلة، ومن علّمه للسير على الخط الصحيح القويم من أجل العودة إلى مهد الرسالات السماوية.

إلى جنات الخلد «أبا غالب»، والقلب محزون على الفراق الغالي، لكن تلك هي مشيئة الله وقدره.