كنتُ ممَّن شاهد خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة وسَعدت بمحتوى خطاب الرئيس محمود عباس الذي أكَّد الصمود الفلسطيني في مواجهة ضغوطات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .

الخطاب الواضح للرئيس الفلسطيني جاء في سياق المتوقّع، فالصمود والصبر والإصرار على استراتيجية القيادة الفلسطينية هو الخيار الأوضح والأكثر أمنًا في هذه المرحلة، وهو السلاح المتاح للقيادة الفلسطينية في مواجهة الحملة الشرسة التي تستهدف الموقف الفلسطيني .

في خطاب الرئيس أبو مازن تمَّ التطرق بشكل خاص، وللمرة الأولى، إلى موقف القيادة السياسية من "حماس" التي تسعى للمتاجرة بغزة لتحقيق نصر سياسي انفصالي قائم على طموحات "حماس" لإقامة دولة الإخوان المسلمين في فلسطين، وسلاح "حماس" الوحيد الذي تتاجر به هو الصعوبات التي يعيشها شعبنا في غزة .

موقف الرئيس من مفاوضات "حماس" والصفقات التي تسعى لتحقيقها في غزة واضح ومحدّد، وهو موقف وطني عام يرفض صفقات "حماس" ويرفض انفصال غزة ولهذا كان رفض الرصيف البحري في قبرص، ولهذا كان رفض المطار القزم، ولهذا كان رفض القيادة الفلسطينية لأحلام "حماس" بالانفصال والاستقلال.

طبعًا سارع البعض للتهجُّم على خطاب الرئيس، وكما يبدو لي الكثير ممَّن هاجموا الخطاب لم يستمعوا له أصلاً، فالخطاب واضح وصلب، ولكن التطرق لحماس وانفصالهـــا جعل البعض يحاول أن يهاجم الخطاب من هذه الزاوية. والسؤال المطروح هنا ببساطة ما هي الأسباب التي أدَّت إلى تحديد الموقف من "حماس" بهذا الخطاب الأممي؟

الإجابة هي "حماس". نعم "حماس" هي السبب في أنَّ الرئيس أشار لموقف القيادة الشرعية من "حماس". فـ"حماس" هي التي تفاوض بالسر، وهي التي تركض خلف صفقات عن طريق أكثر من طرف، ومنهم من كان يستمع لخطاب الرئيس الفلسطيني، فكان لابد من الإشارة إلى "حماس" بوضوح لتسمع تلك الدول الموقف الوطني الفلسطيني.

الخطاب وكما أشرت واضح، والموقف الوطني واضح في ملف اللاجئين والقدس والحقوق الوطنية غير القابلة للتصرُّف، والموقف الوطني كذلك من قضايا الأسرى واضح، بل واضح جدًا.

وبغض النظر عن الخطاب ومحتواه فهناك معارضة صوتية غير مؤثّرة تسارع دومًا لانتقاد أي خطاب، وهذه المعارضة المريضة والمرَضية لا يهمها الموقف من صفقة العصر، ولا يهمها الموقف من الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها، ولا يهمها الصمود الفلسطيني والتمسك بالثوابت، فما يهمها فقط هو المعارضة الكلامية التي اكتفوا بهـــا واعتبروها الغطاء الوطني للبقاء .

طبعًا "حماس" تختلف عن المعارضة (الثورية جدًا) الغائبة فعليًّا إلّا عن المعارضة الكلامية في الصالونات، فـ"حماس" تسعى لصفقة في غزة، وتسعى لأن تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، ويتخيّل هنية نفسه يلقي خطابًا في الأمم المتحدة.

ومع كلِّ ما سبق نُشير إلى وجود معارضة وطنية حقيقية تسعى من خلال وجودها في منظمة التحرير الفلسطينية لفتح أفق، ولإيجاد خيارات أفضل لشعبنا، وأنا أؤمن بضرورة وجود معارضة وطنية في كل مرحلة، وفي كل محك وطني، ولكن للأسف معارضتنا المرتفعة الصوت هي معارضة كلامية أو معارضة انتهازية تسعى للصفقات، ولأن تكون بديلاً شرعيًّا.

طبعًا ردود الأفعال على الخطاب الحالي لم تختلف عن ردود الأفعال على الخطاب السابق والقيادة الفلسطينية بين الخطابين تزداد تمسُّكًا بالحق الوطني، وتعزّز من مواقعها في العالم، وقد ظهر ذلك جليًّا بترؤّس فلسطين لمجموعة الــ77 والصين .

لاحقًا للخطاب، وبشكل مفاجئ، ظهر علينا عجز حمساوي جديد في التعاطي مع السياسة، حيث قامت صحفية إسرائيلية بالتجوُّل في غزة بحماية "حماس"، ومن ثم قامت بإجراء لقاء صحفي مع السنوار، وقد أكد السنوار في هذا اللقاء الصحفي رغبة "حماس" في تجنب الحروب وفي الوصول إلى صفقة مع إسرائيل .

الغريب في المواقف من هذا اللقاء بأنَّ أصحاب الصوت المرتفع وأصحاب النظريات الثورية جدًا قد صمتوا تمامًا عن لقاء السنوار، بل إنَّ مجاهدي "حماس" سارعوا لتبرير اللقاء باعتباره خدعة .

"حماس" ومجاهدوها لم يتحدثوا عن محتوى الخطاب، بل تحدثوا فقط عن الخدعة التي تعرضت لها "حماس" وجهازها الأمني.

طبعًا للأسف تمَّ تجاوز رسائل الصفقة والتسوية من السنوار للحديث عن ظروف اللقاء ومكانة وجولات الصحفية وضيافة "حماس" والسنوار للصحافية .

بالنسبة لي سواء أكان الحوار لصحيفة إيطالية أم إسرائيلية، وسواء أكان حديث السنوار لصحافية إيطالية أم إسرائيلية، فالمحتوى يؤكِّد رغبة "حماس" بالوصول إلى صفقة، وللأسف بأي ثمن.

ما أقوله للسيد السنوار ولقيادة "حماس" بدلاً من السعي لصفقة بحُجة معاناة غزّة عليكم تسليم غزة للشرعية، وعليكم التوجه إلى رام الله للقاء سيادة الرئيس محمود عباس لعلَّكم تتعلَّمون الفرق بين الحل والصفقة، والفرق بين الصمود وبين المغامرة، والفرق بين العمل السياسي والتخبُّط السياسي .

بالمختصر الفرق بين الخطاب واللقاء هو فرق كبير...

فالخطاب كان خطاب ثوابت، واللقاء كان لقاء تسوية وصفقة .

بالنسبة لنا كشعب فلسطيني وبالنسبة للرئيس أبو مازن فإنَّ السلام الذي نبحث عنه ونتمنّاه للأجيال القادمة هو سلام الشجعان القائم على أساس الحق والعدل، ولن يتحقق ذلك الحل الذي نرجوه بدون شجاعة حقيقية. أما الصفقات فقد مرَّ منها الكثير وحتمًا هي ليست الحل.