فجر الخميس الماضي وقبل بزوغ قرص الشمس، وعندما كانت جرافات جيش الاحتلال تدمر بيوت قرية الوادي الأحمر التي نصبها نشطاء فلسطينيون بالقرب من قرية الخان الأحمر، كان البروفيسور الأستاذ في القانون الدولي الفرنسي فرانك رومانو يبحث عن حزام أو حبل لينفذ وعده عند اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لهدم الخان الأحمر، فهو قد تعهد بربط نفسه بجدران مدرسة الخان الأحمر إن أقدمت جرافات الاحتلال على هدمها، أو هدم بيوت التلاميذ الفلسطينيين البدو الذين يتعلمون فيها.

قال فرانك.. "سأعقد على جسدي مع صف في المدرسة أو بيت لبدوي هنا فأنا مواطن اتبع دولة كبرى، وقد يفيد هذا في منع الهدم، أما إذا فعلها فلسطيني، فإنهم سيجرفونه".

أمس الأول الجمعة صعد فرانك كابينة الجرافة ليخاطب سائقها عله يستطيع بعث الحياة في ضميره، لكنه لم يكن يعلم أن قادة هذا الجندي العسكريين والسياسيين قد اغتصبوا عقله وضميره فبات كفولاذ الجرافة لا يستجيب إلا لأوامر جنرالات يتلقون أوامر الهدم من نظام ابارتهايد عنصري احتلالي استعماري.

حاول أستاذ القانون الدولي، المحامي فرانك تجسيد إيمانه بعائلة الإنسانية الواحدة الجامعة لأعراق الناس في الدنيا ولغاتهم وثقافاتهم وعقائدهم، وكان كل هدفه تمكين الفلسطينيين البدو من حياتهم الطبيعية هنا في الخان الأحمر، حيث كانوا قبل سبعين عاما بعد تهجيرهم وتهجير آبائهم من النقب الفلسطينية إلى شرقي القدس، حيث أرادوا ان يكونوا هنا في هذه البقعة المقدسة، وحيث يريدون البقاء إلى الأبد.

رأيت الكثيرين من المتضامنين والمساندين من جنسيات مختلفة، لكن ملامح فرانك وكلماته وسلوكياته اليومية كانت تشع بالإنسانية على مدى أربعين يوما رأيته خلالها بواقع سبعة أيام منفصلة، فعند ملاقاته ينتاب المرء إحساس انه أمام شخص ليس بينه وبين قلبك أي حواجز، حتى حاجز اللغة فقد حرص فرانك على تبديده عندما يخاطبنا بكلمات عربية، وإذا استعصى عليه معنى مفرداتها يبادر إلى قاموس ودفتر ملاحظات لم يفارق يده ليتمكن من المفردة العربية الصحيحة التي تمكن محدثه من فهمه، كيف لا وهو الذي جاء مساندا مدافعا مناضلا من اجل حقوق إخوته في الإنسانية بدو عرب الجهالين وآل أبو داهوك في الخان الأحمر؟

صلى فرانك بخشوع مع المعتصمين في الخيمة، ووثقت لحظة وقوف هذا المؤمن بين يدي الله بعدة صور، ستكفي أي باحث بعلم النفس، والعلاقات الإنسانية الخالصة بين أبناء آدم عن شرح المعنى الحقيقي للإيمان.

حرص فرانك على مداعبة أطفال العائلات البدوية ومتابعة خطواتهم من وإلى مدرسة القرية، واعتقد أننا اشتركنا في وحدة مشاعر بالغة في السعادة ونحن نرى التلاميذ الصغار أثناء ارتيادهم صفوفها بعد أداء النشيد الوطني، فهذا المشهد يستحق منا أن يدوم حتى لو كان ثمنه أجسادنا، فنحن لم ندافع عن بوابة القدس الشرقية وحسب، بل عن حق هؤلاء الأطفال، أبناء العائلات البدوية في التعلم، وهل من رسالة أعظم من تمكين إنسان من منهل ومنهج علم، وحق في حياة يريدها كما يشاء واختارها وهو بكامل حريته.

الحرية لفرانك رومانو، الحرية لأخينا في عائلة الإنسانية، فعهدنا الوفاء يا فرانك، لرسالة المحبة والحرية والسلام، فضميرك الحي سينتصر على فولاذ مجرمي الحرب.