قبل نكبة عام 1948، ومنذ الاعلان عن وعد بلفور عام 1917، المسار في فلسطين، وبالرغم من مقاومة الشعب الفلسطيني، كان يتجه الى حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير على أرضه، ومن حقه بالاستقلال، وكان الاتجاه يسير ايضاً نحو الغاء وجود الشعب الفلسطيني وفلسطين سياسياً وجغرافياً عن خارطة الشرق الاوسط.. وبعد النكبة اعتقد من خطط لذلك، الصهيونية والاستعمار العالمي، خاصة بريطانيا، ومن تواطأ معهم من الحكام العرب، اعتقدوا انهم نجحوا في مخططهم، وبالفعل بدا وكأن الشعب الفلسطيني وقضيته قد تلاشيا واختفيا.
تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 في اطار المشروع القومي العربي، الذي كان يقوده الزعيم العربي جمال عبد الناصر، جاء ليمثل الخروج الأول عن سياق مخطط التصفية. ثم جاءت انطلاقة الثورة الفلسطينية بقيادة فتح عام 1967 ليمثل الخروج الأبرز والأهم.
عبر المنظمة وفتح والثورة، عاد الشعب الفلسطيني وقضيته الى الواجهة السياسية في المنطقة، كما عادت الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. الخاصة به والمستقلة الى الظهور. وفجأة وجد اصحاب المخطط التصفوي أنفسهم أمام الحقيقة الفلسطينية من جديد وأمام قضية شعب له حقوق وطنية سياسية مشروعة.
توج كل ذلك باعتراف عربي وعالمي بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، بعد ان نجحت هذه المنظمة بإعادة توحيد الفلسطينيين وجعلهم رقماً صعباً في معادلة الشرق الاوسط. كما توج بإعادة القضية الفلسطينية، كقضية شعب له حقوق وطنية سياسية، الى جدول اعمال الامم المتحدة عام 1974.
ومنذ ذلك التاريخ اصبحت حقوق الشعب الفلسطيني معروفة ومعترفا بها، وهي حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي حقوق كما تنص قرارات الامم المتحدة غير قابلة للتصرف.
قبل هذا التاريخ ومنذ عام 1950 غابت القضية الفلسطينية عن جدول اعمال الامم المتحدة، وكان يتم التعامل معها كقضية انسانية عبر الاقرار السنوي لميزانية وكالة الغوث "الأونروا".
من يدقق بالتحركات التي تقوم بها ادارة ترامب الاميركية وحكومة نتنياهو اليمينية، تحت عنوان صفقة القرن، من يدقق بها يجد أن هدفها إنهاء المكتسبات التي حققها الشعب الفلسطيني عبر تضحيات جسيمة ومؤلمة، بقيادة منظمة التحرير، واعادته الى اللحظة التاريخية التي اعقبت النكبة، بمعنى تصفية وجود الشعب الفلسطيني مرة أخرى كقضية، وحقوق وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة.
قرار ترامب بشأن القدس ومن ثم تحركه هو وأركان ادارته ضد قضية اللاجئين و"الأونروا"، جميعها تصب في هذا الهدف، وما كشف المستور أو "الطابق" كما نقول بالعامية الفلسطينية، هو قانون القومية. الذي اقره الكنيست الاسرائيلي مؤخراً، والذي يحصر لليهود وحدهم حق تقرير المصير على هذه الارض التي سماها "ارض اسرائيل" نسميها نحن فلسطين، وهي فلسطين كما يقول محمود درويش. لقد كشف قانون القومية، ان اتفاق اوسلو، وبالرغم مما فيه من ثغرات ومقالب، هو امر مرفوض صهيونياً، فقد اعتبره اليمين الصهيوني خطراً على مشروعه التوسعي، كما انه يتيح فكرة تقاسم "ارض اسرائيل" مع الشعب الفلسطيني، ويقرر مصيره على جزء منها مهما كان صغيراً. من هنا اغتالوا رابين وصفوه، واغتالوا معه اوسلو وامكانية ان يقود الى وجود دولة فلسطينية مستقلة.
اعتقد اليمين الأميركي واليمين الصهيوني انهم يملكون اللحظة التاريخية المواتية لتصفية وجود الشعب الفلسطيني، كشعب له حقوق سياسية وطنية مشروعة. فإلى جانب الانقسام الفلسطيني، هناك انهيار عربي، وانشغال دولي بحروب ترامب التجارية، وانشغال اوروبا بمسألة الحفاظ على اتحادها الذي بات مهلهلاً بعد خروج بريطانيا وربما خروج اخرين في المستقبل.
حجر الزاوية في كل ذلك هو نحن الشعب الفلسطيني، وموقفنا الرافض بصلابة لصفقة القرن، وهنا لا بد من مخاطبة حماس بأن لا تنجر بأي شكل لإغراءات الحل الانساني. فهدف صفقة القرن اعادة القضية الفلسطينية الى قضية انسانية، وان تبادر بدل المراهنات على هذه الاغراءات، بأن تنهي الانقسام وتعيد قطاع غزة موحداً مع الضفة والقدس.
ان مهمة الحفاظ على المكتسبات التي حققتها مسيرة منظمة التحرير هو أمر حاسم في هذه المرحلة، لأن تصفية هذه المكتسبات سيقود حتماً الى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا ما يريده الثنائي ترامب – نتنياهو.