في جلسة احتفالية في الكنيست الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي بمناسبة مرور 40 عاماً على زيارة الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات لإسرائيل قال نتنياهو : " أن السادات أعترف بدولة إسرائيل قبل التوقيع على أتفاق بين البلدين". وتابع مناقضاً الحقيقة والواقع "جيراننا الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بحق وجود دولة إسرائيل، حتى الآن لم ألتق بسادات فلسطيني عبر عن رغبته بإنهاء الصراع، الاعتراف بدولة إسرائيل ضمن حدود معينة وبحقنا بالأمن والسلام."

من يقرأ ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية، يشعر أنه أمام شخص كاذب، ومفتري على الحقائق والوقائع الماثلة في المشهد السياسي منذ قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو في أيلول 1993 وحتى الآن. لأنه يعلم أن الشواهد تعمي عينيه، وتقتل خلفيته الاستعمارية، وتفضح ما يسعى إليه، هو وأركان ائتلافه الحاكم. فالقيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيسين الراحل أبو عمار والحالي محمود عباس ومعهم كل القيادة الفلسطينية من خلال التوقيع على تلك الاتفاقيات قبل خمسة وعشرين عاماً اعترفت بإسرائيل، وقبلت بخيار السلام، ودفعت استحقاقاته كاملة دون تردد حينما قبلت باستقلال دولة فلسطين وسيادتها على أرضها المحددة بحدود الرابع من حزيران 1967إلى جانب دولة إسرائيل، وأبدت الاستعداد للتعاون والتعايش والتطبيع مع الدول العربية والإسلامية ال57، وأكدت على ذلك مبادرة السلام العربية ومنظمة التعاون الإسلامية. ورغم كل التنازلات الفلسطينية القاسية والمؤلمة رفضت حكومات إسرائيل المتعاقبة دفع استحقاقات السلام ورفضت الالتزام بإنهاء الفترة الانتقالية المحددة بخمس سنوات، والتي انتهت في مايو / أيار 1999، وقتلت أو اعتقلت كل مسؤول إسرائيلي حاول التقارب مع عملية السلام، فقتلت رابين في الرابع من نوفمبر 1995، واعتقلت أولمرت في 15 فبراير /شباط 2016، وتعمل على مطاردة كل شخص أو منظمة إسرائيلية تؤمن بخيار السلام والتعايش مع الشعب العربي الفلسطيني.

إذا تباكي نتنياهو على السلام ليس سوى تضليل مفضوح ومكشوف للعيان، ولم يعد ينطلي على أحد من أنصار السلام الإسرائيليين ولا من الرأي العام العالمي، وباتت أحابيله مهترئة ومتآكلة، لأن خياره يقوم على قتل السلام، ومواصلة استعمار أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران 1967، وليس فقط رفض إزالة أية مستعمرة إسرائيلية أُقيمت على أراضيها، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، وتأبيد ضم القدس العاصمة الفلسطينية لدولته الاستعمارية.

ولعل من أستمع لتسيبي حوطبيلي، نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية ذات اليوم أي أول أمس، وهي تعلن بشكل واضح محددات السلام الإسرائيلية يدرك جيداً سلام رئيس الوزراء ووزير الخارجية نتنياهو، فقالت ابلغنا الولايات المتحدة وكل الدول بأن شروطنا تقوم على التالي: لا سيادة بين النهر والبحر إلا للسيادة الإسرائيلية؛ لا إخلاء لأية مستعمر أو مستعمرة في الأراضي المحتلة عام 1967؛ القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وهي عاصمة دولة إسرائيل؛ لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين." هل هذه الشروط تؤمن السلام المنشود؟ وهل هناك فلسطيني  يقبل بهذا الخيار؟ وعن أي سادات يبحث نتنياهو وأقرانه في الائتلاف؟

للأسف حتى اليوم لا يوجد في إسرائيل شريك حقيقي لتبني خيار السلام، وجاهز لدفع استحقاقاته كاملة غير منقوصة. إسرائيل وشعبها منكوبين بقيادات صهيونية معادية لخيار التسوية السياسية، وتعمل تلك القيادات من مختلف المشارب والاتجاهات على تأجيج مشاعر العداء والكراهية والعنصرية وتعميق خيار الاستعمار، وترفض الاستماع لنداء العقل والمصالح المشتركة لشعوب المنطقة عموما وخاصة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتؤصل لدوامة العنف والحروب. الأمر الذي يفرض على كل إسرائيلي شخصاً أو حزباً أو منظمة أن يرفع الصوت عالياً في وجه نتنياهو، ويطالبه بالكف عن الكذب والافتراء على الحقيقة؛ ومطالبته بالاستقالة فورا لأنه ليس أهلاً لصنع السلام؛ وتشكيل لوبي ضاغط للانتصار لخيار السلام عبر العمل على إزالة كل المستعمرات من أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية وضمان حق العودة للاجئين؛ والتخلي عن كذبة الأمن، لأن الفلسطينيين، هم الأحوج  للأمن قبل الإسرائيليين، وضمان المساواة لأبناء الشعب الفلسطيني في داخل دولة إسرائيل.