موريتانيا دولة عربية عريقة، تربض في أقصى الشمال الغربي من القارة الافريقية. وهي دولة شاسعة المساحة، حيث تزيد مساحتها على المليون وثلاثين الف كيلومتر مربع، غير انها ضئيلة السكان، لا يصل عددهم لاربعة ملايين نسمة. وهي من الدول الفقيرة، ولا اعتقد ان المشكلة في الثروات، بل في نقص الامكانيات والكفاءات في البحث والاستثمار الامثل لما تختزنه الارض الموريتانية. ويحتل قطاع الصيد مكانة حيوية في الدخل الوطني. لكن موريتانيا غنية بثروة مهمة، هي بلاغة ابنائها، حيث توصف ببلد المليون شاعر، اي بين كل ثلاثة مواطنين شاعر بالسليقة. وهي بلد خليط من القبائل العربية والامازيغية والافريقية. وتتلمس طريقها نحو التطور.

لاول مرة تحتضن موريتانيا القمة العربية بعد أن اعتذرت المملكة المغربية الشقيقة. ويبدو انه بسبب ضيق اليد، وفقر حال الدولة الموريتانية ولاعتبارات أخرى غاب عن القمة السابعة والعشرين، التي تم تدشين اعمالها أمس الغالبية العظمى من الزعماء العرب (ملوك ورؤساء)، واقتصر الحضور على تسعة من الرؤساء والامراء. وهو ما يعكس مؤشرا سلبيا على نجاح القمة في دورتها الحالية.

وللأسف تحمل مصادفة انعقاد الدورة الـ 27 للقمة في نواكشوط العاصمة مع تولي احمد ابو الغيط، الدبلوماسي المصري مسؤولياته أميناً عاماً للجامعة العربية علامة سلبية، تلقي بظلالها الثقيلة على قيادته للمؤسسة العربية الاولى. رغم انه اطلق على القمة الحالية عنوان "قمة الأمل". إلا ان الوقائع تشي بعكس ما يحمله شعار القمة او اسمها.

ويمكن للمرء ان يتجرأ ويطلق عليها عنوان "القمة الحزينة". لماذا؟ وما هي المبررات والمسوغات لذلك؟ اولا لغياب العدد الاكبر من الحكام العرب، ملوكا ورؤساء ولاسباب يمكن معالجتها لو شاء القادة دون التأثير على مشاركتهم. وكان الاجدر بالزعماء العرب، ان يساهم كل منهم خلال الفترة الماضية من تحديد موعد القمة الاسهام ببناء عدد من الفلل لخدمة إقامته وإقامة اقرانه من القادة العرب او على الاقل، كما كان يفعل العقيد القذافي ان يأتوا بخيامهم لتأمين اقامة مناسبة لهم؛ ثانيا حالة التشظي العربية، التي ما زالت قائمة. ليس هذا فحسب، بل وتتعمق اكثر فأكثر؛ ثالثا تغير الاولويات العربية المشتركة إن كان على المستوى العربي العام وعلى مستوى كل دولة على انفراد. وهو ما يعني غياب القواسم المشتركة او تراجعها للحد الادنى؛ رابعا المؤشر الكبير، الذي تحمله القمة الـ27 على مستقبل مؤسسة الجامعة العربية كحاضنة لهموم وقضايا العرب. حيث تشي المعطيات بامكانية تلاشي الاهتمام ببيت العرب الجامع فيما لو تواصلت آليات التعامل معها من قبل الحكام العرب، واستمرت العوامل الذاتية والموضوعية العربية على ما هي عليه.

مع ذلك ان تعقد القمة العربية في نواكشوط، العاصمة الموريتانية، وتحاول معالجة قضايا العرب بالقدر المتاح لها، وتعتمد مجددا القضية الفلسطينية، كقضية مركزية اولى للعرب، فهذا امر مهم. وهي محاولة لاعطاء الامل لمؤسسة القمة بالبقاء والديمومة، وإبعاد شبح الاحتضار عنها. ويعتبر عاملا مهما في مسيرة جامعة الدول العربية. ولعل الدورة الـ27 للقمة، تكون المحطة الفاصلة بين مرحلتي النكوص والنهوض للعرب، وإعادة الاعتبار لقضاياهم المشتركة وفي طليعتها قضية العرب المركزية فلسطين من خلال الوقف الفوري  لعمليات التطبيع المجانية، التي تتسابق الدول الشقيقة عليها مع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، وتعزيز العمل لصناعة السلام على اساس مبادرة السلام العربية ومرتكزاتها الاربعة، والدفع بالمبادرة الفرنسية للامام عبر تكثيف الجهود المشتركة مع القيادة الفرنسية لعقد مؤتمر باريس الدولي للسلام في الخريف المقبل، وقطع الصلة مع إطار الرباعية الدولية، التي اثبتت الوقائع فشلها الذريع، وتساوقها مع منطق وخيار إسرائيل من خلال هيمنة اميركا على القرار فيها، وعبر سياساتها التسويفية، التي تسمح بفرض الوقائع لتغييب وتصفية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.