خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
رام الله - فلسطين- عدي غزاوي

قبلَ حلول شهر رمضان المبارَك خرجَ قادةُ الكيان الصهيوني بتصريحات إعلامية تقول إنّ إسرائيل ستخفّف الإجراءات الأمنية على الفلسطينيين بدعوى السماح لهم بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى. إلا أنه وبعد عملية إطلاق النار الأخيرة في تل أبيب، فرضَت دولة الاحتلال عقاباً جماعياً على الفلسطينيين بإلغاء التسهيلات والتصاريح التي كانت ستُمنَح. وإلى جانب حرمان الفلسطينيين من حقِّهم في الصلاة في المسجد الأقصى، كان لهذا القرار انعكاسٌ كبير على الوضع الاقتصادي لتُجّار القدس والبلدة القديمة خاصةً ممّن اشتروا بضائع لبيعها في رمضان باعتباره موسمًا مهمًّا يدعم صمودهم في القدس، فأتت الظروف عكس ما يتمنون.


الإجراءات الإسرائيلية تهدّد بإفلاس التُّجار المقدسيين
ساهمت الأحداث الاخيرة والممارسات الإسرائيلية بحق التُّجار وسكان البلدة القديمة في القدس بتأثُّر الوضع بشكل كبير، وجعلِها مدينة أشباح مزروعة بالخوف والموت الذي يسكن بنادق جنود الاحتلال، ومع ذلك استطاع عددٌ كبير من المصلّين القدوم للصلاة في الأقصى، علماً أنهم في كل عام يواجهون أزمةً بسبب إغلاق الاحتلال أبواباً عديدة في البلدة القديمة. ويشير علي الشخشير، وهو صاحب محل اكسسوارات وعطور، إلى أنَّ المصلّين دخلوا بالفعل بأعداد كبيرة، ولكن عدم وجود نظام لتنظيم حركة الناس في البلدة القديمة بالذات، مكان تواجد الناس للصلاة، ووجود الأزمات يعطّل الحركة التجارية في السوق.
ويضيف "أعملُ منذُ نحو 26 عاماً في السوق، وهذه هي السنة الأولى، منذُ نحو 5 سنوات، التي يحصل فيها تحسنٌ في الحركة التّجارية - الحمد لله- ولكن الملاحظ أنَّ الحركة هذا العام لا تعتمدُ على أهلنا في الضفة، بل على عرب الداخل (الـ48) لسهولة وصولهم إلى القدس، فهم مَن ينعشون البلدة منذ سنتَين. وقد مرّت علينا فتراتٌ قاسية أُصِبنا بالخسارة جرّاءها، وكنتُ واحداً من الأشخاص الذين أوشكوا على إقفال محلّاتهم، وكنا نستدينُ للاستمرار بالعمل، لا سيما أن الوضع متضعضع منذُ العدوان على غزة والهبّة التي انطلقت بعدها، والعمليات التي حدثت وأثّرت على عملنا، خاصةً منذُ شهر تشرين الأول وحتى كانون الأول من العام الماضي، إلا أنّ السنة الجديدة حملَت معها انفراجاً لنا بدخول أهالي الـ48، والآن لو توقفوا عن الدخول إلى البلدة لمدة شهرين مثلاً فأغلب محلاّتنا ستغلق، خاصةً أنّ عملية الشراء خلال رمضان من قِبَل أهالي الضفة تكون قليلة نظراً لأنهم يشترون أشياء معيّنة مفقودة لديهم، إضافةً إلى أن وجودهم محصور بيوم الجمعة بهدف الصلاة في الأقصى، أمّا أهالي الشمال الـ(48) فوجودهم يومي، وهم شريان الحركة التجارية، إذ انهم يقصدون التوجّه للشراء منا وكأنهم يقولون لنا ابقوا في البلدة وخذوا هذه النقود دعماً لكم وللأقصى".
ويتابع عارضاً لمشكلات أخرى تواجه تُجّار القدس: "كلّ محل مفتوح أو مغلَق عرضةٌ للمصادرة من قِبَل سلطة الاحتلال إن كانت معنيّة به، فلو أرادوا أخذه يأخذونه بعدة طرق. كذلك فمن المعروف أنه كلما زاد دخلك ارتفعت الضريبة، وهذا موجود في كل مكان، وبالنسبة لنا الضرائب التي تُدفَع عالية جداً، فأنا أدفع نحو 6000 شيكل إيجاراً في محلٍّ لا تتعدّى مساحته 2,5 م2، وغيري يدفع 8000 وأكثر، ولكن والحق يقال، ساعدتنا المنحة التي قدّمتها السلطة، فأنا كنتُ مديوناً بمبلغ وأيضاً جيراني في العمل، وعندما قدّمت لنا السُّلطة المنحة قبل شهرين، وقيمتها نحو 3000دولار، سدّدتُ جزءاً من ديوني، ولولا هذه التقديمات التي تأتينا من هنا وهناك وحركة شراء أهل الشمال، لكان الوضع أسوأ بكثير، علماً انني كنتُ أدير محلّين، الأول في سوق العطارين والثاني في باب العامود، فاضطررتُ لإغلاق الأول لعدم قدرتي على مواصلة دفع معاش الموظف لدي، وهذا حال كثيرين غيري".
وينوّه الشخشير إلى التضييق الذي يمارسه الاحتلال على التّجار بمنع دخول أهالي الشمال أحياناً، وعدم تنظيم حركة أهالي الضفة والشمال حين يتم السماح لهم بالدخول، بالإضافة إلى تعرُّض أهالي الـشمال للضغوطات والاستفزازات والمضايقات الكثيرة من قِبَل البعض بوجود مشاكل أيضاً تحدُّ من وجودهم وتجعلهم يهجرون الأقصى والقدس القديمة، رغم أنهم يمثّلون الشريان المغذّي لحركة التجارة في البلدة، لافتاً إلى أن ذلك يضطّر التجار للتدخّل وتنظيم حركة الوافدين بأنفسهم، علاوةً على مساعدة مَن يتعرّضون لحالات إغماء بسبب التدافع أو تقديم أي مساعدات ميدانية يقدرون عليها. وفي هذا الصدد يدعو الشخشير المجتمع المحلي والفصائل الفلسطينية الموجودة داخل البلدة القديمة لتقديم الدعم والمساعدة في حل هذه المشكلات وأداء دور مؤثّر وفاعل لحثِّ الناس على القدوم للقدس عبر المحافظة على سلامة الناس والتُّجار ولا سيما يوم الجمعة لجهة تنظيم الطرقات خاصةً، معلّقاً "أنا من سكان البلدة القديمة منذ 40 عاماً، ونحن قبل أن نكون تُجّاراً كنا نأتي لمساعدة الناس باعتبارنا أبناء هذه البلدة، ونضعُ الحبال والعصي كأدوات إرشاد ونوجّه الناس للطريق الصحيح، بينما نلحظ اليوم ضعف هذه الجهود من طرفَي الفصائل والمجتمع".

الاحتلال يرد على الهبّة الشعبية بفرض العقوبات على المقدسيين
يلفت علي الشخشير إلى أن الهبّة الجماهيرية الأخيرة أدّت لخلو شوارع البلدة إلا من الجيش الإسرائيلي، حيثُ يقول: "لا أبالغ، ولكن في بعض الأحيان لم يكن يمر شخصٌ واحد في الشارع. بالاضافة إلى أنَّ هذه الهبّة أثّرت علينا بشكل رهيب خصوصاً أننا في باب العامود، وعلى اثر أول عمليتَين حدثتَا في المنطقة اعتدى علينا جيش الاحتلال، وقد طلبتُ إلى جميع التُّجار حولنا تقديم شكوى ضدّ جيش الاحتلال، لأننا معرضون للخطر منه قِبَلهم في أي لحظة".
ويضيف "حين استشهد محمد ابو خلف أصابوا سيدة مسنة في قدمها وحين خرجتُ لاسعافها وطلب المساعدة لها كنت معرّضاً لإطلاق النار، فاضطررتُ للبقاء داخل محلي، إلى أن حضر شرطي واستطعتُ التحدُّث اليه، ثم أتى الإسعاف بوجود الضباط وأخذوها. وعند استشهاد محمد علي اعتدوا على المحلات بغية تكسير واتلاف البضائع وحاولوا ضربنا، ولكننا في وقت قليل أدخلنا بضائعنا وأغلقنا. كذلك نشعر أننا في خطر دائم، فمَن يقوم بالتقاط هاتفه المحمول او إخراج شيء من جيبه يُطلقون النار عليه، لذا نُجبر على حمل هواتفنا ومفاتيح محلاتنا وعلبة السجائر لئلا نخرجها من ملابسنا ونخاطر بالتعرض لإطلاق النار. هذا عدا عمّا يخلّفه الأمر من آثار نفسية علينا حين يستشهد أحدهم، ونرى إطلاق النار أمامنا، ونتعرّضُ لمضايقات من جيش الاحتلال، حتى بتنا أحياناً لا نخرج من المنزل للعمل خشية ألا نعود".
ويتمنّى الشخشير أن يبقى الوضع كما هو عليه من حالة هدوء نسبي تسهم في حصول حالة انفراج اقتصادي بسيطة، حيثُ يقول: "كل خميس يُنظّمَ مهرجان نفرحُ لوجوده، فلأول سنة تُقام مهرجانات في باب العامود منذ سنوات عديدة يجتمع فيها الناس ولا تحدث إشكالات، حتى أننا للحظات أصبحنا نشعر بوجود شيء غريب في الأمر. ففي العام الماضي حين بدأ المهرجان بدأت المذبحة وقنابل الصوت وهجوم قوات الاحتلال على الناس التي جاءت لتحتفل، لذا نرجو من الله ألا يحدث شيء سيّء على الأقل في هذه الفترة الأخيرة من رمضان، ليتنفّس التُّجار، على أمل أن يعمّ الاستقرار دائماً".
من جهته يؤكّد أحمد زياد، صاحب محلّ للألبسة في البلدة القديمة، أن الوضع في البلدة القديمة صعب جداً وأنّ الديون والضرائب أثقلت كاهل التجار لافتاً إلى أن سبب كل ذلك هو المعيقات الإسرائيلية.
ويوضح "البلدة القديمة في القدس معرّضةٌ  لهجمة شرسة منذ العام 2000 ضمن سياسة واضحة وصريحة منذ العام 1967 وحتى اليوم لتفريغ المدينة المقدّسة، وقد مارسوا التضييق على المدينة، بإقامة جدار الفصل العنصري العام 2002، ومنع أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة وأهالي القدس الذين أصبحوا اليوم خارج الجدار من الوجود في منطقة البلدة القديمة. من جانب آخر، مارسَ الاحتلال الضغط على المواطن المقدسي بفرض ضرائب الارنونا عليه وضريبة 18% وضريبة الدخل وضريبة ما يُسمّى بالتأمين الوطني، الخ، حتى أصبحَ التاجر يقع بين نارَين، إمّا تأمين القوت لأولاده أو دفع الضرائب والتي في حال لم يدفعها تتم محاكمته والزجُّ به في السجن أو فرض عقوبة عليه، ويأتي هذا ضمن مخطّط تفريغ المدينة المقدسة، وللأسف نفتقرُ لموقف عربي أو إسلامي صارم لصدِّ هذا الهجوم الشرس على مدينة القدس".
ويتابع "منذُ بداية الهبّة الجماهيرية تأثرنا كثيرًا كتُجّار، وكنا نعقدُ أمل التعويض على شهر رمضان المبارك إلى أنَّ قامت إسرائيل بسحب 83,000 تصريحِ زيارة للصلاة في الأقصى ولزيارة القدس مما حدّ من عملية الشراء التي جاءت ضعيفة جداً هذا العام، خاصةً مع التشديد الكثيف الذي يمارسه الاحتلال على التجار المقدسيين وعلى المدينة المقدسة. لقد كنا نعلّق كلّ آمالنا على هذا الشهر الفضيل، فاشترينا بضاعة أملاً في تسويقها معتمدين على اخواننا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفجأة سُحِبت التصاريح، وكون القدس أصلاً تعتمد على الغرباء وليس على السياحة الداخلية او استهلاك أهل البلدة فإن ذلك أدّى لتكدُّس البضائع لدى التُّجار وتراكم ديونٍ جديدة فوق ديونهم، علاوةً على توقف الحركة الشرائية تماماً، وتحوّلت البلدة القديمة لمدينة أشباح بسبب الهبّة الجماهيرية والأحداث التي حصلت في الفترة الاخيرة، حتى أوشكت بعض المحلّات على الإغلاق".
ويضيف "شخصيا تأثَّر عملي بنسبة 80% مع أنَّ موقع محلي يعدُّ من أفضل المواقع في البلدة القديمة مواجهاً للبلدة في باب العامود، وسوق الخواجات أغلق بالكامل وكذلك سوق اللحامين، وسوق باب السلسلة أغلق فيه نحو 30 إلى 40 دكاناً، أمّا الواد فمعظم محلاته أغلقت، والخسارة تزيد يوماً بعد يوم في ظل عدم وجود أي خطط تحد من ذلك. وحاليا البلدة طُوِّقَت، وأحيطت بحواجز على جميع مداخلها، علاوةً على التفتيش الدقيق جداً لكل مَن يحاول دخول البلدة القديمة حتى من النساء والشيوخ والأطفال، لدرجة أن الكثيرين ممّن يستطيعون الوصول إلى البلدة القديمة عزفوا عن التوجه إليها بسبب صعوبة ايجاد مواقف للسيارات، ووجود الجيش الذي ينكّل ويعتدي على الناس، وقد شهدتُ بنفسي تعرُّض رجل وزوجته في نحو السبعين من عمرهما كانا متوجّهين إلى الأقصى للتفتيش والتنكيل من قوات الاحتلال، فكيف تريده أنَّ يعود ليزور البلدة وهو بعمر لا يحتمل فيه هذه الإجراءات المهينة وغير الإنسانية".
وعن مشكلة تراكم الديون التي يعاني منها التُّجار يقول زياد: "إذا كنتُ أنا الذي أملكُ محلاً قد يكون الأصغر في البلدة القديمة وأدينُ بنحو 10,000دولار  لضريبة الارنونا فما بالك بالمحلّات التي تتجاوز مساحتها مئة ومئتي متر مربّع؟! تلك تراكمت عليها ملايين الشواقل، أضف إلى أنني اشتريتُ بضاعةً هذا الشهر بـ10,000دولار، وبحكم تردي الحركة الشرائية نتيجةً للأحداث وما تبعها من إجراءات إسرائيلية أصبحتُ مديناً بـ20,000دولار حتى هذا الشهر، ليُعِني الله على سدادها، وأنا هنا أتحدث عن أصغر دكان في البلدة القديمة، فمثلاً هناك شخص عليه 4 ملايين شيقل ضريبة ارنونا فقط فماذا سيكفيه هذا الشهر؟ وأيضاً هناك شخص آخر في باب السلسلة عليه حوالي 400,000 شيقل ضريبة ارنونا غير الضرائب الأخرى".
ويختم زياد حديثه قائلاً: "هذا الاحتلال يريد تهويد المدينة بشتى الوسائل، يريد إغلاق الطريق علينا، وقطع الكهرباء والماء عنا لإخراجنا من البلدة وإحكام السيطرة عليها، لا سيما في هذه الفترة حيثُ أن العالم العربي مشغول بالفتن الموجودة فيه والساحة الدولية مؤيّدة لإسرائيل، مما يجعله الوقت الأفضل بالنسبة لهم لإطباق السيطرة على البلاد المقدّسة".
سكان القدس بدورهم يعانون الأمرّين
وفاء القواسمي مواطنة مقدسية أوضحت لنا أوجه المعاناة التي يعيشها أهل القدس من التضييقات الإسرائيلية إلى جانب خوفها كأمٍّ على أبنائها نتيجة حالة انعدام الأمان التي يسبّبها الاحتلال. وتعليقاً على مسألة منح إسرائيل تصاريح الدخول قالت: "ما نتمنّاهُ في رمضان وحتى باقي أيام السنة هو أن يزور الفلسطينيون القدس ويُصَلوا في المسجد الأقصى، لكن بدون أن يشتروا من التُّجار الإسرائيليين، فنحن كمقدسيين لا نشتري إلا من التُّجار الفلسطينيين دعماً لهم ولصمودهم، وعلى إخواننا في الضفة أنَّ يقوموا بالمثل، لأن هدف إسرائيل من إعطاء التصاريح هو تحريك الاقتصاد الاسرائيلي الذي تأثّر بفعل الهبّة الجماهيرية الأخيرة، ولهذا يُجرون تنزيلات كبيرة على الأسعار كي يشتري الناس منهم. بالطبع، هناك شريحة كبيرة تعي هذا الامر، ولكن للأسف هناك أيضاً من يقومون بالشراء لتدني الأسعار مقارنة بالأسواق الفلسطينية، وعلى سبيل المثال أحد المتاجر الإسرائيلية الكبيرة يبيع الدجاجة بـ2 شيكل، في حين أن سعرها في السوق 20 شيكلاً، وهذا ما يضطّر بعض الناس للشراء بسبب الظروف الاقتصادية التعيسة، وأنا لا استطيع لومهم فهم يريدون العيش، ولديهم عائلات يجب الايفاء بالتزاماتها، والوضع سيّء جداً في القدس، وهذا واضح من خلال الارقام التي تشير إلى أنَّ نسبة انتشار الفقر في القدس وصلت إلى 78% بين المقدسيين، ولكنني شخصياً أقاطع بضائع السوق الإسرائيلي، لأنّ التجار الفلسطينيين في القدس يحتاجون للدعم من أجل أن يثبتوا ويرابطوا في القدس دفاعاً عنها، خاصةً أن سحب إسرائيل التصاريح الخاصة بأهل الضفة للدخول للقدس أثّر أيضاً على الحركة التجارية. ورغم أجواء الفرح في رمضان، إلا أن هناك شعوراً بالحزن يبقى موجوداً على الشهداء الذين ارتقوا في الهبّة الجماهيرية الاخيرة ولم تُسلَّم جثامينهم لذويهم كي يدفنوهم، والأسرى القابعين في المعتقلات الإسرائيلية بعيداً عن عائلاتهم".
وتنوّه القواسمي للدور الفاعل الذي يؤديه الشباب المقدسي في حماية القدس وتعزيز صمودها، وتضيف "اليوم شباب القدس يعملون على الأرض لتفعيل الدور الاجتماعي التكافلي الذي يضمن استمراريتنا كفلسطينيين مُحاصَرين من قِبَل الاحتلال، ويخرجون بمبادرات اجتماعية تعمل على إحياء القدس في ظل مساعي إسرائيل لتهويد المدينة المقدّسة، حيثُ يوزّعون التمور والطعام والمياه على المصلّين في الأقصى، وينظّمون الطرق أثناء الأزمات في البلدة القديمة نتيجة قدوم المصلّين للصلاة في الأقصى، في حين يقوم الاحتلال بوضع الحواجز والتعكير على الفلسطينيين لجعلهم يعزفون عن زيارة القدس، ورغم الوضع القتصادي المتردي والمشكلات الاجتماعية العديدة التي يسبّبها الاحتلال، يواصلُ الشبان المقدسيون العمل على حل الأزمات، فالقدس ليست هوية زرقاء لدخول حاجز إسرائيلي فحسب، بل هي أكبر من ذلك، ولكن  أهل القدس يشعرون بأنهم وحيدون في مواجهة الاحتلال مع إخوانهم في الضفة الذين يحاولون تقديم الدعم كفلسطينيين شرفاء يدافعون عن أرضهم، ولكن ضمن الامكانيات المحدودة المتوفرة، لذا القدس بحاجة للشباب الفلسطيني الواعي".
وتتابع "ما تقول إسرائيل عنه إنه تسهيلات في رمضان هو مجرد دعاية لا أكثر، فالسكان في البلدة القديمة يعانون من الحواجز الإسرائيلية المنتشرة، ومن استفزازات الجنود الإسرائيليين لهم لافتعال المشاكل، والتفتيش المستمر لمجرد الاشتباه بشكل الأشخاص، أين هي اذاً التسهيلات التي يتحدثون عنها؟! كذلك فمعظم أبواب الأقصى مُغلَقة في وجه المصلّين، وهذا أحدثَ أزمة في الاماكن المفتوحة أدّت لوجود أماكن مكتظة وأخرى فارغة من الزائرين. وفي الجمعة الاولى من رمضان قامت شركة باصات (إيجد) الإسرائيلية بنقل المصلّين بالمجان من الحواجز الإسرائيلية التي تفصل القدس عن الضفة كدعاية إعلامية أمام العالم بأن إسرائيل تسمح للفلسطينيين بالصلاة في الأقصى، في حين أنها في الحقيقة منعت الآلاف من دخول القدس".
من جهة ثانية تتحدّث القواسمي عن تداعيات الهبّة على أهالي القدس، فتقول: "في الفترة الاولى من الهبّة الجماهيرية كنتُ أخاف على أبنائي أثناء تنقُّلهم في البلدة القديمة لكثرة الاعتداءات التي حدثت على الشبان والاطفال والنساء، وهناك العديد ممن استشهدوا لاشتباه جندي بهم وإطلاق النار عليهم بدون مبرر، عدا عن الحوجز التي كانت منتشرة في القدس، والتي تقوم بتفتيش المواطنين بوجود أمني إسرائيلي كبير من قناصين وجنود أعدوا بنادقهم كي يقتلوا كل مَن يشكّون بأمره. وكأمٍّ أفكرُ دائماً بالخطر المحدق بأبنائي بحكم الوجود الكبير لقوات الاحتلال في القدس. وللأسف البعض يظن أن انتشار الجيش في أزقة القدس أمرٌ عادي بالنسبة للمقدسيين لأنه أمر واقع منذ سنوات، ولكنه حقيقةً ليس عادياً بالنسبة لنا، فنحن من حقّنا أن نتنقّل بحرية وأمان، وأن نحيا حياةً طبيعية بأجواء آمنة. ومَن يريد أنَّ يتعرف على صعوبة الحياة في القدس فليمشِ في أزقتها، ويشاهد معاناة الطلاب في الوصول إلى مدارسهم في البلدة القديمة نتيجة الحواجز الإسرائيلية المنتشرة ومنعهم في أحيان كثيرة من الوصول إليها بدعاوى أمنية، ولينظر إلى تجار البلدة القديمة الذين يعانون من تراكم الديون عليهم وضعف الحركة التجارية. إن وضعنا الاقتصادي تعيس كمقدسيين فالضرائب والفواتير الإسرائيلية أثقلت كاهلنا، صحيحٌ أننا نحصل على رواتب افضل من رواتب أهل الضفة لكنها لا تكفي لتغطية التزاماتنا نظراً لغلاء المعيشة في القدس".

الاعتداءات على الأقصى والمصلّين لا تتوقّف
يؤكّد مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني لمجلة "القدس" أنَّ الاعتداءات الإسرائيلية لا تتوقّف على المسجد الأقصى ولا على الـمُصلّين، وآخرها اعتداءٌ حدثَ يوم الأحد 26/6/2016، حيثُ هاجمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال المرابطين في المسجد الأقصى بالقنابل المسيلة للدموع وقنابل الصوت والأعيرة المطاطية ما أسفرَ عن إصابة 16 فلسطينياً واعتقال 4 من المرابطين في المسجد الأقصى، وتعرُّض العديد من المصلّين للضرب بالهراوات والضرب المبرح.
وينوّه الشيخ عمر الكسواني إلى أن الأيام الماضية شهدَت إغلاقاً للمعابر وأبواب القدس ومنعاً للتصاريح والتسهيلات التي قال الاحتلال إنّه سيصدرها مع بداية شهر رمضان المبارك، ويضيف "لكن مع كل هذه التشديدات نجحَ العديد من سكان جميع مناطق الضفة ومن فلسطينيي الداخل بالوصول للمسجد الأقصى للصلاة فيه وممارسة شعائرهم الدينية التي منحها الله لهم ومنعهم عنها الاحتلال بدعوى التصاريح، وهذا حق مشروع لكل الفلسطينيين، ولولا وجود الاحتلال والجدار والحواجز لكان الأقصى امتلأ بمئات الآلاف من المصلّين من جميع انحاء فلسطين، ولكن كلنا نعرف أن هذه التضييقات الهدف منها تفريغ المسجد الأقصى من المصلّين، وهذا دليل على البرنامج الممنهج من قِبَل سلطات الاحتلال ضد المسجد الأقصى وأطماعها في المسجد وساحاته وجميع ما يمتُّ له بصلة. ومنذ بداية شهر رمضان تحدث اقتحامات يومية من قِبَل المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، وفي الأيام العشرة الأواخر من رمضان يغلق الاحتلال مدخل باب المغاربة ويمنع السياحة في منطقة المسجد الأقصى وباحاته، ولكننا في أول يوم من الأيام العشرة الأواخر تفاجأنا بدخول مجموعة من المستوطنين المتطرفين بحماية شرطة الاحتلال الاسرائيلي مما أدّى إلى حدوث مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية والمعتكفين داخل المسجد الأقصى المبارك".
وحول العقبات التي تواجه المصلّين يقول الشيخ الكسواني: "أيُّ مصلٍّ يتوجّه للأقصى يواجه العديد من الحواجز التي تدقّق بالهويات وتحجز جزءاً منها، ومَن يقارن أعداد المصلّين الذين أتوا للصلاة في المسجد الأقصى العام الماضي بالذين جاؤوا العام الحالي يجد فرقاً كبيراً، وذلك بسبب منح تصاريح للآلاف من أهل الضفة في العام الماضي. ومَن ينظر إلى الجمعة الاولى في رمضان يرَ أنَّ عدد المصلّين الذين وصلوا للمسجد الأقصى بلغ نحو 250,000 مصلٍّ، مقابل 75,000 مصلٍّ فقط في الجمعة الثانية، إلا أن هذه الاعداد لم ترُق للاحتلال طبعاً، لذلك عمل جاهداً على تقليصها مما جعل الأقصى فارغًا من المصلّين على عكس السنوات السابقة، وحتى من حيث عدد المعتكفين الذين لم يتجاوز عددهم هذا العام 4000 معتكفٍ، ونسأل الله عزّ وجل أنَّ تزداد هذه الاعداد، ولكن ممارسات الاحتلال تمنع ذلك، حيث تقوم سلطات الاحتلال بإغلاق بوابات المسجد الأقصى بعد صلاة العشاء لمنع الناس من الوصول للمسجد الأقصى والاعتكاف فيه وأداء صلاة قيام الليل، فمَن كان داخل الأقصى يبقى بداخله حتى موعد صلاة الفجر، ومَن في الخارج يبقى كذلك حتى فتح الابواب عند صلاة الفجر".
ويختم حديثه قائلاً: "رسالتُنا من المسجد الأقصى إلى جميع الوافدين بضرورة التوافد والوجود في المسجد الأقصى المبارك لأن الوجود فيه عقيدة، فالأقصى ليس مسجداً عادياً بل هو أُولى القبلتَين، وفُرضِت فيه الصلاة على أُمّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم".