خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-

في ظل تنصيب القاتل قاضياً، كما حدث في الأمم المتحدة، حزيران الجاري من هذا العام 2016، عندما ساهمت أربع دول عربية في فوز إسرائيل برئاسة اللجنة القانونية في الامم المتحدة، بطريقة أو بأخرى، بتبرير أو بعدم تبرير، بتصويبٍ أو بخطأ غير مقصود، باعتراض أو بقبول، فإنها المرة الأولى التي تتولى فيها إسرائيل أحدى اللجان الدائمة الست في المنظمة الدولية منذ عام 1949، هذه الخطوة التي تؤكد أن المرحلة الفلسطينية لا تزال في عنق الزجاجة، والتداعيات لاتحصى جغرافياً وسياسياً ودبلوماسياً، رغم أن هناك من قلَّل من شأن تولي اسرائيل هذا المنصب، لكنها تضفي على الأجواء مزيداً من التعقيدات المتربصة بالقضية الفلسطينية، خاصة ً  في ظل الولادة المتعسرة للدولة الفلسطينية، فلمن يشكو الفلسطينيون ظلم ذوي القربى.
وفي كل الأحوال ترتبط كل المفاصل الفلسطينية ببعضها فيطال بؤسها وإهمالها قضية اللاجئين التائهة في شتات العالم، منذ نكبة فلسطين عام 1948. وآخر هذي المشاهد، مشهد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بعد الأزمة السورية التي تعدّت الخمس سنوات دون حل، حيث يرتبط معه الحل الفلسطيني في سوريا، وفي سلة واحدة، وعلى رأسه مخيم اليرموك أكبر تجمع فلسطيني قبل الأزمة، والذي هجر سكانه الفلسطينيون عن بكرة أبيهم إلا من قرابة 5000 فرد منهم.
رغم تسريبات حول اتفاقات بين الحكومة السورية وداعش تنظيم الدولة، لتسليم المخيم وتوجه الأخيرة إلى مدينة الرقة، بعد القضاء على عناصر جبهة النصرة المتمركزين في ثلاث بقع صغيرة جداً ، بينما توسعت سيطرة داعش على باقي أحياء المخيم، وفي حين كانت الاشتباكات تتواصل بين التنظيم والنصرة منذ أكثر من شهر ونصف، لحسم الكفة الراجحة، هذه الاشتباكات التي أدت إلى موت وجرح عدد من المدنيين، وحرق عشرات المنازل، وتضييق الخناق عليهم وتقييد حركتهم لمنعهم من تأمين احتياجاتهم الأساسية اليومية.
وفي هذا السياق تم  تسريب معلومات أن داعش تفاوض جبهة النصرة للتوجه إلى المنطقة الشمالية في المخيم، والملاصقة لتواجد عناصر القيادة العامة وفصائل التحالف الفلسطينية  الحليفة  للنظام السوري .وأصبح جلياً أن السيناريو الأقرب للتنفيذ حالياً هو تجميع عناصر جبهة النصرة في المنطقة الشمالية المدمرة بشكل كامل من المخيم (منطقة الريجيه)، ويـُعتـَقد أن تتم نهايتهم بضربة قاضية لتكتمل السيطرة الداعشية على مخيم اليرموك، وبالتالي تسليمه للحكومة السورية أو منظمة التحرير الفلسطينية، والأخيرة هي المرشحة كونها الممثل للفلسطينيين ومن هنا سيبدأ عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بإعادة الإعمار وعودة اللاجئين كما نصت اتفاقات سابقة.
لكن ماذا بعد.. إن معظم اللاجئين الفلسطينيين المهجرين خارج سوريا،غير مقتنعين بالعودة إلى سوريا لسببين أولهما خشيتهم المتزايدة من سحب أبنائهم للالتحاق بصفوف الجيش السوري النظامي، وفقدانهم للأبد، حيث سيخسرون مستقبلهم وحياتهم، وذلك خشية إقحامهم  في الجبهات القتالية كافة ضمن صفوف الجيش النظامي السوري لا بل في الصفوف الأولى ضد المعارضة المسلحة، حيث يفقدون أبناءهم هناك، دون تدخل أي جهات للاتفاق مع الحكومة السورية  للتوصل إلى اتفاق يـُحيـِّد عناصر جيش التحرير الفلسطيني، رغم أن الحكومة تعتبر أن جيش التحرير هو تابع للجيش النظامي السوري، وبالتالي فإن الجنود فيه ملزمون بالانصياع للأوامر العسكرية، وثاني أسباب عدم عودتهم هي سوء الأوضاع الأمنية غير المستقرة وخوفهم  من عرقنة الأوضاع في سوريا، إذ كلهم شهود على سقوط بغداد، وما بعدها، وما سمي بتحرير العراق ، الذي لم يتحرر يوماً من تفجيرٍ كان يحصد أرواح أكثر من 30 مواطناً يومياً، خاصةً في حال عودتهم إلى سوريا سيجدون أنفسهم مضطرين للعمل على قلته بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية ، مما سيضطرهم لمغادرة سكناهم البعيدة عن مواقع العمل إن وجد، وإن لم تلاحقهم إلى عقر ديارهم .
حتى أن كل التحليلات السياسية تصب حول إحداث أعمال إرهابية بيد خلايا داعش، وذلك يعني أن سوريا لن تنعم بالاستقرار لعشرات السنين، وهذا ما يؤرق مضاجع الفلسطينيين في سوريا، والمتعطشين لدولة  كاملة السيادة، دولة تحفظ كرامتهم وتكرس كيانهم.
وفي الآونة الأخيرة، نرى اللاجئين الفلسطينيين يدلون بآرائهم ورغبتهم الشديدة في العيش في أراضي السلطة الفلسطينية والدولة القادمة، كونها جزءاً من فلسطين التاريخية  ويعبرون عن أن الأزمة السورية وتداعياتها قد استنزفتهم حتى بلغ هذا الاستنزاف حده الأقصى، حيث بلغ عدد الضحايا لهذه الحرب قرابة  3263 ضحية فلسطينية حسب إحصائيات موثقة غير رسمية، بالاضافة إلى شتى أنواع معاناتهم الانسانية، والتي تنتج عن الحروب والنزاعات المسلحة؛ كما تنتج معاناة جديدة اجتماعية تؤثر على حياة اللاجئين في المرحلة القادمة كالتفسخ الاجتماعي وفي أشد درجاته، حتى تطال أرباب الأسر وزوجاتهم وأولادهم  سواء داخل سوريا أو خارجها أو حتى في بلاد المهجر ، كما حصل في ألمانيا والسويد، على لسان المعنيين من الأسر، فتجد العائلة الصغيرة تتقطع أوصالها بين ثلاثة أماكن على الأكثر، ولا مراعاة إنسانية لهذه الظروف من قبل المسؤولين عن هذا الملف في دول المهجر المضيفة.
وهنا لابد من تدخل سريع للمنظمات الدولية الإنسانية لجمع شمل العائلات المتفرقة في نفس البلد الأجنبي المضيف، أفلا يكفيهم أن الحرب فرقتهم ، فكيف بدول الديمقراطية أن تقبل هكذا على نفسها أن تنتهك حقوق الإنسان.
ولا تزال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تعاني الأمرين على كافة الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وأهمها حالياً ارتفاع الأسعار وبالمقابل انتشار البطالة بحكم الوضع الاقتصادي المتدهور إثر الحرب الدائرة هناك، وها هو مخيم اليرموك، قد بلغ حصاره قرابة الثلاث سنوات  مع انقطاع الكهرباء ، وانقطاع الماء اكثر من سنة ونصف، وسقوط أكثر من 180 ضحية نتيجة الحصار والجوع وشح الرعاية الصحية، ويعيش مخيم اليرموك شهر رمضان في ظروف صعبة مع شح المردود المالي رغم وجود بضاعة غذائية تباع في الشوارع غير المستهدفة في الاشتباكات بين عناصر داعش وجبهة النصرة .
وقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المهجرين إثر الحرب ، حسب الاونروا،  وحتى 17حزيران 2016  (15500) لاجئ فلسطيني سوري في الأردن، و(42,500) لاجئ فلسطيني سوري في لبنان، و(6000) لاجئ فلسطيني سوري في مصر، وذلك لغاية يوليو 2015، و(8000) لاجئ فلسطيني سوري في تركيا، (1000) لاجئ فلسطيني سوري في قطاع غزة، و(71.2) ألف لاجئ فلسطيني سوري في أوروبا حتى نهاية كانون الأول 2015.
والسؤال الملح هنا ، والموجه إلى لاونروا، أنها طالما أعلنت عن عدد المهجرين  إلى لبنان، بأنه لا يزال يبلغ 42500 لاجئ ، وأنها تطالب الدول المانحة بدعم الميزانية كونها  توصلت عبر الاحصاءات الأخيرة أن تلك العائلات فقيرة وبحاجة للمساعدة، فلماذا لا تعيد المساعدات المالية للعائلات التي بلغ عددها 1200 عائلة، والتي انقطعت عنهم بقرار من الاونروا هناك، خاصة بعد سفر عدد كبير منهم إلى أوروبا وسوريا ، فالمتوقع حسب مصادر قريبة ومتابعة للاجئين من سوريا أن عددهم لا يتعدى 30ألف لاجئ، وهذا يعني أنه من الممكن إعادة المساعدة للعائلات المحرومة منها، خاصة بعد إعلان المفوض العام للاونروا في لبنان أنه تم تمديد المساعدة النقدية بدل إيواء حتى تشرين الأول 2016، وهنا على اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا تكثيف اعتصاماتهم ومطالباتهم لإعادتها خاصة في الظروف الصعبة، وكذلك على خلية الأزمة  المحاورة للاونروا، بمن يمثلها في لبنان مواصلة المطالبة بهذا الحق، والتشديد على عدم المماطلة فيه.
وبينما لاتزال الأوضاع المتردية تزداد سوءا في المخيمات الفلسطينية في سوريا نجد هجرات الموت إلى أوروبا تعود لتتصدر ردات الفعل الفلسطينية في سوريا، وهذا ما يزيد الضرر اللاحق بالقضية الفلسطينية، التي يـُجـَنَّـدُ ضدها القاصي والداني والعربان المتخاذلون، الذين يساندون الدبلوماسية الإسرائيلية على حساب إضعاف الطرف الفلسطيني في المحافل الدولية، حيث أن كل تقدم دبلوماسي فلسطيني في الساحة الدبلوماسية هو لبنة ودرجة مهمة للوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة.