خاص- مجلة القدس- العدد السنوي 322 / حوار: محمود عباس
عامٌ آخر يُطوى من مسيرة نضال عمرها 51 عاماً كلّلتها حركة "فتح" بالانجازات وكانت بحكمة وحنكة قيادتها في لبنان الأحرص على مصالح شعبنا، متجاوزةً كل ما اعترضها من عراقيل. ومن هنا كان لمجلة "القدس" لقاءٌ مع عضو قيادة الساحة اللبنانية مسؤول الفرع المالي لحركة "فتح" و"م.ت.ف" في لبنان عضو قيادة حركة "فتح" إقليم لبنان العميد منذر حمزة للاحاطة بالوضع العام للحركة والوضع المالي على وجه الخصوص، وأدائها في لبنان وأبرز التحديات التي واجهتها هذا العام في ظل حساسية الساحة اللبنانية.

كيف تقيّمون أداء حركة "فتح" في لبنان خلال العام 2015؟ وما هي أبرز التحديات التي واجهتكم خلال هذا العام؟
في خضم ما يحدث في المنطقة، نحن كحركة "فتح" ننأى بأنفسنا عما يحصل انسجاماً مع خيارنا السياسي الذي اعتمدناه منذ سنين طويلة، وهو الحياد الإيجابي الذي يوسّع دائرة العلاقات مع مكونات الطيف السياسي للبلد، ويسهم بتواصله مع الجميع بإشاعة المناخ الذي يقرّب ويوحّد. وبذات القدر نعدُّ الأمن والاستقرار في لبنان مصلحة عُليا فلسطينية، ليس لأن لبنان بلد عربي نتعاطف معه من موقع التضامن الأخوي فقط، إنما أيضا لأن أمنه واستقراره يخفّف الأعباء عن اللاجئين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، ويمكّن القوى الوطنية الفلسطينية من تفعيل دورها النضالي المؤازر للنضال الفلسطيني بشكل عام. كذلك يسهم المناخ الإيجابي من العلاقات الأخوية مع الشعب والسلطة في بلدنا الثاني- لبنان- في إشاعة جو من الطمأنينة والتفاعل فيما بيننا من أجل محاصرة وتجفيف أية حالة شاذة عن الإجماع اللبناني- الفلسطيني. ومن المفيد الانتباه إلى الترابط الطبيعي بين ما يجري في المنطقة ومحاولات البعض جر لبنان والمخيمات إلى أتون صراعاتها وفوضاها، ولأن بيننا علاقات ثقة وصراحة ووضوح رؤية وشراكة في السهر على مصلحة الشعبين الشقيقَين فشلت محاولات بعض المأجورين من التكفيريين، وبات ما تبقّى منهم معزولاً لا مكان له فيما بيننا. وأودُّ أن الفت نظر الجميع إلى أن العلاقات المشتركة ووضعنا داخل المخيمات الآن يختلف كثيراً عما كان في العام 2014 وما قبله.
وقد شهد العام 2015 بعض المواجهات مع التكفيريين دفعنا خلالها كلفة عالية من أخوة لنا وقادة مناضلين، لكن "فتح" استطاعت منفردة أن تثبت وجودها داخل المخيمات، ونجحت في الحفاظ على أبناء شعبنا وتجنيبهم فاتورة كبيرة كانت الجماعات التكفيرية تحاول تحميلهم إياها عبر طموح ظلامي في السيطرة على أجزاء مهمة من مخيم الصمود وعاصمة الشتات الفلسطيني، عين الحلوة.
وعلى المستوى السياسي أتممنا تمتين علاقات جيدة وعميقة مع جميع الأطراف وبالأخص مع الأطراف اللبنانية، على أساس من الثقة والصراحة، عبر تسليمنا بأن أي شيء يحدث في لبنان ينعكس على أوضاعنا الداخلية، فالقرار الثابت داخل حركة "فتح" هو التعاطي مع كل الاطراف على قاعدة الاحترام المتبادل والإيجابية التي تمثّلها قضيتنا كجامعة تجمع الكل وتستقطب جهودهم وحدةً وتواصلاً وتزخيماً لها وللمتحلّقين حولها.
أمّا على المستوى الحركي فنحن مستمرون بالإعداد والتدريب الذي يسهم في تقوية الحركة وحماية جماهير شعبنا، فنحن ومنذ العام 1982 لم نستطع إنجاز أي دورة عسكرية، مما ادى إلى الضعف والترهُّل الذي سهّل للبعض التفكير بالمساس بأمن مخيماتنا والتطاول الإرهابي والاجرامي على مناضلينا وكوادرنا. ولكن الوضع العسكري للحركة أصبح اليوم متماسكاً يتحلّى بالقوة المتزايدة يوماً بعد يوم نتيجة للدورات والتدريبات المستمرة.

هل هناك خُطط لتحسين أداء الحركة في الأعوام القادمة؟ وما هي أبرز الإجراءات المنوي اتخاذها لتحقيق ذلك؟
الخطط عادة ما تضعها قيادة الاقليم وقيادة الساحة مُجتمعةً. وبالطبع فإن تفعيل الأُطر التنظيمية من خلال اجتماع النوايا والتزام الخطط والبرامج المرحلية يحسن ويطوّر أداءنا ووضع حركتنا الرائدة ويمنحنا القوة اللازمة السياسية والعسكرية المنظّمة. وحركة "فتح" تستطيع أن تثبت نفسها على الأرض من خلال استشراف الضرورات التي يحتاجها شعبنا، ومن خلال إدراكنا لثبات المنافس ولعمق مشروع العدو، ولكن واجبنا يملي علينا على الأقل تفعيل الدعم والمؤازرة لأبناء شعبنا ولقضيتنا. والمهم لدينا أولاً حفاظنا على مخيماتنا وتجنيبها ويلات ما يحدث في المحيط، إضافة إلى  مكافحة التهجير، فمخيماتنا على ما يبدو موضوعة على لوائح الإفراغ والتهجير الممنهَج.

ما مدى تأثير انعقاد المؤتمر العام على أداء الحركة في لبنان؟
 المؤتمر العام  مجدّد للحركة بكل مستوياتها، كونه يحدث حراكاً ونشاطاً داخلياً وشعبياً، يمثّل نهضة وقفزة نوعية داخل الأُطر الحركية، سواء أكان على الصعيد السياسي، أو التنظيمي أو العسكري. لذلك نصرُّ على انعقاد المؤتمر بشكل دوري. فانتظام المؤتمرات يفعّل الأطر ويدفع بنا نحو خطط ومشاريع تحتاجها حركتنا وقضيتنا باتجاه الحرية والاستقلال.
إن ألفباء العمل التنظيمي تفترض العمل ببرامج عمل وخطط تضعها المؤتمرات وتقدّم أوراق اعتمادها من خلالها. ومن مظاهر العافية والصحة الحركية انعقاد المؤتمر كونه علامة مميّزة ومقياساً راقياً لمدى تطور الحركة قيادة وقاعدة وأداءً.

كيف تصفون الوضع المالي لحركة "فتح" في لبنان؟ وهل هو كافٍ لتفيَ الحركة بالتزاماتها كاملة؟
نحن عادة ما نتعرّض بين فترة وأخرى لأشكال متعدّدة من الضغوطات، وبالأخص الضغوطات المالية، التي تُستخدَم ضد حركة "فتح" وضد الوضع الفلسطيني بشكل عام. وهذه الضغوط المتعمَّدة ضد الحركة والسُّلطة والتي تطل برأسها بين الحين والآخر هدفها ثنينا عن مواصلة نضالنا واعاقتنا عن دعم قضيتنا وتزخيم نضالنا الوطني نحو تحقيق أهداف شعبنا وحمايته وتحصينه من الهجمة العدوانية المستمرة للاحتلال وقطعان مستوطنيه. ولكن انتماءنا لهذه الحركة العظيمة يحتِّم علينا أن نصمد دون تردد، ألا تذكرون كيف أنه في إحدى السنوات مرّت علينا سبعة أشهر بدون رواتب وبقيت الحركة على ما هي عليه؟ إن انتماءنا أولاً وأخيراً لهذه الحركة هو طوعي وثابت وعميق لا يتغيّر ولا يتبدّل، ورغم أهمية المال كضرورة حياتية إلا أنه ليس مقياساً لالتزامنا النضال والانتساب لأعدل قضايا العصر- قضية فلسطين.

كيف واجهتم الاستحقاقات المالية الطارئة التي حدثت في العام المنصرم كقضية النازحين الفلسطينيين من مخيمات سوريا، وتعويضات ما بعد الاشتباكات، وغيرها؟
بخصوص الفلسطينيين النازحين من سوريا، فقد وصلت بعض الامكانيات المتواضعة، ورغم تواضعها تم توزيعها على الفلسطينيين النازحين من سوريا. ومن مدة قريبة كانت هناك عمليات توزيع مالية على كل النازحين الفلسطينيين من سوريا في كافة المخيمات، فنحن كحركة "فتح" ملزمون بأبناء شعبنا من مخيمات سوريا. والأموال التي وُزّعت على النازحين من مخيمات سوريا من مصادر غير المصادر الثابتة التي تغذي ميزانية حركة "فتح" شهرياً، حيث يسعى الاخوة في دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير لتأمين ما يمكن تأمينه ليتم توزيعه. كذلك كانت هناك هِبَة بقيمة مليون دولار من سيادة الرئيس محمود عباس  جرى توزيعها على النازحين من مخيم نهر البارد. وبالنسبة للتعويضات فقد تم التعويض في منطقتَي طيطبا وعكبرة اثر الاشتباك الذي حدث هناك، وتم تأمين المال داخلياً من مبالغ استطعنا توفيرها من موازنة الساحة اللبنانية، إضافةً الى مساهمة بعض التنظيمات في هذه التعويضات كحركة حماس.

ما مدى الصعوبات التي تواجهونها في محاولة تحييد المخيمات الفلسطينية في لبنان من الانغماس في النزاعات التي تشهدها المنطقة بشكل عام، وفي ظل حساسية الوضع اللبناني بشكل خاص؟
عملنا ولم نزل نعمل جاهدين دائماً لتحييد المخيمات عن الصراعات التي تحصل في المحيط وقد نجحنا بذلك إلى حد بعيد رغم الصعوبات والمعوقات التي اعترضتنا. فهناك بعض المأجورين داخل هذه المخيمات الذين يفتعلون الاشكالات من خلال تكفير ابناء المخيم وكل من ليس على دين سياساتهم الظلامية، لكن الآن تم تكليف جهات اسلامية للتواصل معهم، واستيعابهم وابعادهم عن لغة التكفير للحفاظ على مخيماتنا واهلنا داخلها.
وعلى صعيد الاخوة اللبنانيين، فنحن في حالة تعاون كامل، وهناك تعليمات من الرئيس ابو مازن بالتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية، فأي حدث يحصل داخل المخيمات يؤثّر بالكامل على الوضع اللبناني، وفي المقابل أي شيء يحصل على المستوى اللبناني يؤثّر على مخيماتنا، لذلك يتم التنسيق الكامل والتعاطي التام مع الدولة اللبنانية.
"اذا كانت فتح بخير، فالشعب الفلسطيني بخير" مقولة يرددها الكل الفلسطيني. برأيكم هل تنعكس الترتيبات الداخلية الفتحاوية أمناً واستقرارا على مخيمات لبنان في العام القادم؟
نعم سلامة "فتح" من سلامة المخيمات والعكس، وقوة "فتح" من قوتها. لذلك لا نألو جهدًا لتقوية حركة "فتح" وتفعيل دورها الحافظ والضامن للمخيمات وأهلها. كما أننا وبالتنسيق مع الحريصين على حياة شعبنا وأمنه وسلامته نعمل على توسيع أبعاد شبح الاستهداف لمخيماتنا وبالثمن الذي يتطلّبه الأمر. ونقولها دائماً وأبدًا: نحن أُمُّ القضية والأحرص على مصالح شعبنا. وهذا ما نطمح اليه، فالتدريبات التي نجريها تمنح القوة للحركة ولفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، مما يساعدنا على الحفاظ على الامن داخل مخيماتنا. إننا أقوياء بما نمتلكه من مصادر قوة ذاتية وشعبية وثقة بنا وبدورنا.

ما هي الكلمة الأخيرة التي توجّهها لابناء حركة "فتح" في الذكرى الحادية والخمسين للانطلاقة؟
الكلمة التي نوجهها لاخواننا في حركة "فتح" هي الوحدة، والخطاب الواحد وتقوية جميع أُطر الحركة من نقابات واتحادات ومناطق وشُعَب تنظيمية وإعلام حركي وفلسطيني نظيف، لأن الإعلام نصف المعركة مع المشككين والمتربصين والحاقدين على حركتنا، وشد عضد الحركة يحتاج إلى وحدة داخلية وتكامل في الأداء وهذا ما نعمل على تكريسه دائماً، فهذا يقوي حركة "فتح" ويفرض هيبتها كي تبقى ديمومة الثورة.