العدوي: عملنا على بناء علاقات وطيدة مع الحركات النقابية اللبنانية. ومنذ تلك المرحلة وحتى الآن فعندما تتشكَّل حكومة لبنانية جديدة، فإن أول زيارة لإطار فلسطيني يقوم بها وزير العمل تكون لاتحاد نقابات العمال

 

حوار/ ولاء رشيد

مجلة القدس/ يحلُّ الأول من أيار هذا العام والعامل الفلسطيني في لبنان لا يزال يعاني وطأة حرمانه من حقوقه المدنية والإنسانية عموماً، ومن حقه في العمل على وجه الخصوص. وفي الأول من أيار، لا يسعنا إلا التوقُّف عند دور نقابات العمل المجسَّدة باتحاد نقابات عمال فلسطين الذي يؤدي دوراً بالغ الأهمية على صعيد المحافظة على مصالح العمال، والدفاع عن حقوقهم ورفع مستواهم المادي والمعنوي والثقافي والسياسي، وتقوية أواصر الوحدة والتضامن فيما بينهم وتنظيم وقيادة أشكال نضالاتهم.

 

نشأة الاتحاد ودوره التاريخي

يوضح أمين سر اتحاد نقابات عمال فلسطين-فرع لبنان أبو يوسف العدوي أن الاتحاد هو الإطار التنظيمي الوحيد الذي يضم كافة النقابات العمالية الفلسطينية المشكَّلة والتي في طور التشكيل ذات المهنة الواحدة والمتشابهة في الساحة اللبنانية، لافتاً إلى أن الاتحاد يتألَّف من نقابات مهنية متعدِّدة كنقابة عمال الزراعة، والخدمات، الطبية وغيرها. ويشيد العدوي بالدور التاريخي الذي أدته الطبقة الكادحة من الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الحركة النقابية الفلسطينية تأسَّست كأول إطار عمالي عام 1917، ومضيفاً: "منذ ذلك الحين أثبت العمال الفلسطينيون الكادحون كونهم الأكثر وعياً حول القضايا الوطنية المطلبية بشقيها المطلبي والكفاحي في وجه الاحتلال الصهيوني، وقبله في وجه الانتداب البريطاني، وهذا ما أدركه الشهيد الشيخ عز الدين القسَّام فكان معبِّئاً للعمال والفلاحين ضد المشروع البريطاني لإقامة دولة بني صهيون. ولم يقتصر دور العمال على ذلك، بل إنهم سعوا جاهدين لتشريع الحركة النقابية، وكانت النتيجة تشريع حق العمل للفلسطيني عام 1922 رغم أنف الحركة الصهيونية للهستدروت. ومن عمق الانتماء العربي للنقابيين الفلسطينيين سُمِّيت الحركة النقابية "جمعية العمال العرب في فلسطين". ورغم النكبة، ظلَّت الحركة النقابية على عهدها بالتمسُّك بالثوابت والنضال، ولكن النصيب الأكبر من القيادة النقابية قدم إلى لبنان، فبقيت جمعية العمال العرب تناضل في السر إلى أن تمَ إعادة تنظيم وضعها في المؤتمر الأول للحركة العمالية الذي عقد عام 1963 في غزة، ثمَّ تأسَّست حركة نقابية عام 1964 في لبنان. وبعد التواصل مع الحركة النقابية العربية، تبلور إنشاء حركة نقابية عربية سميت في تلك المرحلة "الاتحاد الدولي لنقابات عمال العرب". أمَّا في لبنان فبدأت الحركة النقابية بأخذ دورها لاكتساب الشرعية، واضعة نصب عينيها حقها النضالي والقضايا الكفاحية ضد العدو الصهيوني، ومستثمرةً علاقاتها العربية النقابية لتشكيل جبهة عربية عريضة ضد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين. وبالفعل فقد بدأت أعمالها بالسرية والعلن، وتعرَّض عدد كبير من النقابيين في تلك المرحلة للاعتقال والإبعاد، ثمَّ بدأت باستقطاب العمال تحت تسمية "الاتحاد العام لعمال فلسطين". ونقولها وبكل تواضع أن قيادي الحركة النقابية كانوا من الرجال الذين أسهموا بشكل فعَّال بتأسيس حركة "فتح" القائدة والرائدة للشعب الفلسطيني. وقد كان الشهيد أبو يوسف النجَّار مطلاً آنذاك على دور الاتحاد ومشاركاً فيه، كما كان لحركة القوميين العرب دور متكامل مع النقابيين الذين ساهموا بانطلاقة حركة "فتح".كذلك أسهم الاتحاد في بناء علاقات فلسطينية عربية وفلسطينية دولية، آخذاً بعين الاعتبار تجسيد علاقة نقابة نضالية وكفاحية مطلبية مع الحركة النقابية اللبنانية. وقُبيل عام 1981، عرف الاتحاد العام لعمال فلسطين قفزة نوعية، حيثُ تشكَّلت لجان تحضيرية للمجالس النقابية المهنية القطاعية، وعقد مؤتمره السابع في لبنان، وما لبث أن تحول من اتحاد للعمال إلى اتحاد للنقابات تحت مسمى "اتحاد نقابات عمال فلسطين"-فرع لبنان. وبعد مرحلة الاجتياح الإسرائيلي وخروج الثورة الفلسطينية قسراً، كان للحركة النقابية الفلسطينية دور رئيس في إعادة أطر "م.ت.ف" التي كانت ممزقة آنذاك.

 

العامل الفلسطيني رهن إجحاف القوانين

من باب رفض التوطين، فإن العامل الفلسطيني ممنوع من العمل في القطاع العام. ولكن مشكلة العمل الفلسطيني لا تتوقف عند هذا الحد، حيثُ أنه يواجه العديد من الصعوبات حتى في العمل ضمن القطاع الخاص. وفيما يتعلَّق بأبرز هذه الصعوبات لفت العدوي إلى أن العمال الفلسطينيين فيما مضى قدَّموا وثيقة قانونية حسب قانون الانتداب البريطاني على أرض فلسطين تقضي بعدم التمييز بين العمال الفلسطينيين والعمال العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً الذين كانوا يعملون على الأراضي الفلسطينية حين كان وضع فلسطين مزدهراً، في إشارة إلى أن أحد أبرز العقبات التي يواجهها العامل الفلسطيني في القطاع الخاص تكمن بالمادة 59 التي تنص على التعامل بالمثل. ويضيف العدوي قائلاً: "منذ تأسيس الاتحاد كنا نعي القوانين المجحفة بحق العامل الفلسطيني في لبنان، لذا عملنا على بناء علاقات وطيدة مع الحركات النقابية اللبنانية. ومنذ تلك المرحلة وحتى الآن فعندما تتشكَّل حكومة لبنانية جديدة، فإن أول زيارة لإطار فلسطيني يقوم بها وزير العمل تكون لاتحاد نقابات العمال، لتعكس هذه العلاقات تغاضياً من قِبَل وزراء العمل عن بعض القوانين التي تمنعنا من العمل، حيثُ أن هذا التغاضي عن القوانين التي كانت ولا زالت تحرمنا من مهنة أو ميِّزة معينة لا زال سارياً رغم أنه لم يشرَّع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التشريع القانوني هو سن القانون بشكل دائم ويكون من خلال قرار من مجلس النواب، أمَّا إقرار القانون فيكون بمرسوم وزاري من الحكومة ولكنه قابل للتغيير والإلغاء مع انتهاء ولاية رئيس الحكومة ما لم يُفعِّله مجلس النواب. وبالتالي فنحن نسعى ليس فقط لإقرار القوانين وإنما لتشريعها. والمشكلة تكمن في أن معظم الاستثناءات الممنوحة للفلسطينيين هي بمرسوم وزاري قابل للإلغاء في حال رغب رئيس الوزراء الجديد بإلغائها".

من جهة ثانية ينوِّه العدوي إلى الصعوبات التي يواجهها الاتحاد على الصعيد الشخصي، لافتاً إلى أن الاتحاد رغم كونه أكبر المؤسسات الفلسطينية فهو لا يملك وسيلة نقل، ومضيفاً: "ما يُقدَّم لنا من مصاريف مكتبية وبدل مواصلات هو بضع قروش، وحتى أننا لا نملك ميزانية تشغيلية، لذا فقد وضعنا اشتراكاً شهرياً يدفعه العامل كنوع من التعاضد الاجتماعي في حال حدوث طارئ مع أحد العمال، ونحن لا نقتطع فلساً واحداً من هذه الاشتراكات، بل كل عامل يقدم اشتراكه لنقابته".

 

انجازات جزئية وأمل بتحقيق المزيد

عن أبرز الانجازات التي تمكَّن الاتحاد من تحقيقها يقول العدوي: "بالصبر والعمل الدؤوب المتواصل تمكَّنا من تشريع حق العمل للفلسطينيين في لبنان وإن بشكل جزئي، حيثُ أننا اخترقنا فجوة قانونية، ولا زلنا نعمل لتثبيت تشريع العمل الكامل لحقوق عمالنا في لبنان. ومن أبرز الحقوق التي شُرِّعت تشريعاً قانونياً حق تعويض نهاية الخدمة، وإصابة العمل وهذه الحقوق أُعطيت لنا مجتزأة بنسبة 20%، بقرار استثنائي من المادة 59 بحيث لا تُطبَّق علينا كلياً المعاملة بالمثل بحكم مسؤولية الأونروا عنا كلاجئين. أمَّا بخصوص القطاعات المهنية فما زلنا نعاني بسبب الأنظمة والقوانين اللبنانية لأن كل قطاع يحتاج إقراراً من الوزارة المعنية به، ومن ثمَّ الانتقال لمرحلة التشريع". وحول ما يطمح الاتحاد لتحقيقه من تشريعات يضيف العدوي: "نطمح لتشريع حق تعويض نهاية الخدمة والضمان الاجتماعي والتقديمات الاجتماعية أي الضمان الكامل أسوة بالعامل اللبناني، وإلغاء إجازة العمل حيثُ أننا مستثنون من المادة 9 التي تضع إحصاء العدد شرطاً لحق العمل. وبالتالي فليس هناك أي ذريعة لتطبيق هذا القانون لأن عملية إحصائنا جرت عام 1948. وهنا لا بدَّ أن أشير إلى أن العامل الفلسطيني هو عنصر فعَّال في العجلة الاقتصادية اللبنانية حيثُ أن كل ما يجنيه أو يصله من أقاربه المغتربين ينفقه على الأراضي اللبنانية، بعكس العمال الأجانب الآخرين الذين يرسلون ما يجنونه إلى أسرهم في بلدانهم. كذلك فلا بدَّ أن نشير إلى أن جهود الاتحاد أسفرت من خلال زيارتنا الأخيرة في30/4/3013 لمعالي وزير العمل اللبناني سليم جريصاتي عن إبقاء حق العمل في قطاع التمريض فاعلاً بموجب قرار وزاري. غير أن المهن التي شرَّعت لنا بعض الحقوق، اعتُبِرت فاعلة بمفعول رجعي قبل عام 2010 الذي شرع به حق تعويض نهاية الخدمة، بمعنى أن العامل يأخذ تعويضه وكأنه بدأ عمله فقط منذ عام 2010 مهما يكن قد أفنى من سنين في عمله. لذا حاولنا معالجة هذه القضايا الالتفافية. كذلك لا ننسى أن نشير إلى أن الاتحاد يقوم بعمل يومي دؤوب لمتابعة قضايا العمال الفلسطينيين كالصرف الكيفي، وتوفير فرص العمل، وتحصيل حقوق المتعرِّضين للطرد التعسفي، وأتحدَّى أي جهة أن تقول أنها جاءت للاتحاد ولم يتم تحصيل حقوقها كاملة". كما يشير العدوي إلى أن الاتحاد يُعدُّ أحد أكثر المؤسسات الفلسطينية تنظيماً من الناحية الهيكلية، حيثُ أنه مقسَّم إدارياً لسبع مناطق هي البقاع، والشمال، وبيروت، والجبل وصيدا، والزهراني، وصور، بحيثُ يكون في كل منطقة مكتب إداري قيادته أمناء سر المجالس النقابية، وقاعدته تتألَّف من 500 إلى 1000 عامل، منوهاً إلى أنه رغم التباينات السياسية الموجودة على الساحة الفلسطينية الفلسطينية، فقد تمكَّن الاتحاد من المحافظة على علاقات جيدة مع كافة القوى الفلسطينية الموجودة التي تعترف بالاتحاد كممثل لها ومرجع أوحد للعمال الفلسطينيين، ولافتاً إلى أن الاتحاد عضو في الاتحاد الدولي للعمال العرب ومنظمة العمل العربية وله علاقات متميِّزة مع كل المجتمع المدني، ومشدِّداً على أن الاتحاد سيبقى يواصل عمله لكسب حصة أكبر من الحقوق للعمال الفلسطينيين، إلى حين العودة لوطنهم فلسطين.