روح اكتوبر تشرين التي نهضت بنا عربيا من قاع الهزيمة وسخريتها المريرة واستهانتها المذلة الى النصر المبين يجب ان تعود، فلقد صدر القرار المعادي الشامل بموتنا عربيا, وجعلنا امثولة للاندثار, لا تصدقوا خرافة داعش, فليس هناك سوى المرتزقة تجمعوا من كل فجاج الارض, وهؤلاء جمعهم الاقوياء الحاقدون ليصنعوا بهم أكبر صدمة حضارية في مطلع الالفية الثالثة, وهذه الصدمة الحضارية هي الموت الكامل لامة من اقدم واعظم الامم ميراثا على كافة المستويات, ويكفي ان محمداً صلى الله عليه وسلم بعث فيها ومنها رحمة للعالمين, ومتمما لمكارم الاخلاق, وقامت حضارتها في الارض اعتمادا على هذه المبادئ, فأضاءت الدنيا والناس, حتى الاعداء الذين احتشدوا ليهزموها في زمن الشرك والمجوس والتتار والفرنجة, هزمتهم ولكنها اضاءتهم بنور هدايتها وميراث حضارتها.

انتصار اكتوبر تشرين الذي نحتفل بذكراه الثانية والاربعين, هو انتصار مبين, اي انتصار تضافرت فيه كل العوامل وليس عامل القوة العسكرية فقط, فقد كان هناك الجرح العميق في كرامة امة, وكان هناك التضامن العربي باشجع اشكاله واعمق معانيه, من الجزائر الى الكويت, كان العرب لحظتها امة بالمعنى الكامل, أمة رفضت الهزيمة, أمة تريد النصر، وكان النصر بالنسبة لها قضية وليس مجرد انجاز في ميراث القتال, وهذه القضية تجلت في افكار ومبادرات وممارسات ونجاحات مبهرة, ذلك ان الامم لا تعيش ولا ترتقي الا حين تحمل قضايا كبيرة، ولذلك فإن فلسطين في تلك الحقبة الحضارية لم تكن عبئا بل كانت رافعة، ولم تكن مجرد جرح للبكاء, بل كانت نشيدا للامل, ولذلك فاننا نقول لجذر القرار العربي بانكم دون فلسطين لا يكون لديكم قضية, ودون قضية لا تكونون امة.

وكان انتصار اكتوبر تشرين مبينا, لان حرب اكتوبر تشرين كانت قرارا عربيا, ولم تكن قرارا من اي طرف آخر في العالم, كانت الحرب بكل فعالياتها واعبائها وابداعاتها وتضحياتها قرارا عربيا, وليس قرارا اميركيا تطلبه اميركا من العرب فينفذون بلا رأي, وكان العدو محددا بدقه, الاحتلال الاسرائيلي وانهاء الاحتلال الاسرائيلي وليس الارهاب الذي اختلفت عليه قيادة النظام الدولي فحولته الى ارهاب جميل وارهاب خطير, المصلحة العربية حددت نوع العدو, والمصلحة العربية يجب ان تحدد من هو الارهاب والمصلحة العربية لا تتجسد في ضغينة عابرة, ولا في حقد غبي, بل تتعلق بالمصير النهائي ومكونات هذا المصير النهائي, بأنها سلامة الدول ووحدة ارضها وشعوبها وليس اي شي آخر.

والخلاصة ان هذه الامة العظيمة, الامة العربية مهددة وجوديا, مهددة بالزوال من الارض, مهددة بالتفكك النهائي, ولابد من استرجاع واستنهاض روح تشرين واحضارها في صلب القرار العربي, هذا هو المعنى الجوهري لذكرى حرب اكتوبر تشرين قبل اثنتين واربعين سنة.