خاص/ مجلة القدس العدد 319- حوار: غادة اسعد

خلال لقاء مع الدكتور سعيد زيداني، وهو استاذ فلسفة في جامعة القدس وأبو ديس، تحدّث إلى "القدس" عن رؤيته وقراءته لسياسة نتنياهو في المرحلة الراهنة، وتطرّق إلى نقاطٍ مهمّة تكشف أهداف وسياسة نتنياهو الاستعلائية والفوقية والعنصرية تجاه الفلسطينيين. وجرى اللقاء على شكلٍ حوارٍ مثير، مع التركيز على نقاط تعكس صورة الساسة الإسرائيليين.


كيف تقرأ سياسة نتنياهو تجاه العرب في الداخل وما نشهده من تصعيد في الكثير من الجبهات؟
إنّ التصريحات المكرّرة والتذكير بيهودية الدولة يعني أمرَين مهمَين: أولاً من الناحية العملية يريد نتنياهو أن يوصل رسالة للفلسطينيين مفادها "انسوا حق العودة"، وإذا كنتم تفكرون بحل بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، فلن يكون لأنّه يناقض مفهوم الدولة اليهودية، التي تعني أغلبية ساحقة من اليهود، وطالما أنّ نتنياهو يلتزم نحو اليهود في الداخل والخارج فإن سياسته واضحة ومفضوحة.
ثانيًا: التعامل مع الفلسطينيين في الداخل بهذه الطريقة، يعني أنّ هذه الدولة هي لليهود في المقام الأول ولهم الأولويات وأنّ العرب داخل اسرائيل مختلفون، لذا لا تزال السياسة هي ذاتها منذ سنوات بعنصرية باتت أكثر حِدة في السنوات الأخيرة، وتمييز ملازم، والنظر إلى العربي على انه في الدرجات الدنيا أو المتدنية، ويشمل ذلك تقديم الخدمات، ومجالات أخرى عديدة.
كذلك لا يقتصر مفهوم يهودية الدولة على نتنياهو واليمين بل ينسحب أيضًا على الذين يلوِّحون بأنهم يساريون ومتفهّمون، لكن في النهاية فإنّ نتنياهو يطلب ديمقراطية الدولة فقط على اليهود، ويُراعي المساواة التامة في الجانب اليهودي، لكنه يميّز بين نوعين من المواطنين، اليهود مقابل العرب.

كيف تقرأ المشهد الحالي في القدس والتهديدات التي تطال المقدسيين في باحات الأقصى؟
ما يحدث في القدس على المستوى الظاهر من محاولات لليمين المتطرف للدخول إلى باحات المسجد الأقصى خاصة في مواسم الأعياد، هو أمر ليس بجديد، لكن الجديد أنّ المقدسيين قرّروا تصعيد المقاومة الشعبية، وخاصةً في الاقصى وفي سائر أحياء القدس الشرقية المحيطة، وما يجري مِن قِبَل المرابطين والشبان والمتصدين هي أعمال مقاومة سواء برشق الحجارة أو القنابل الحارقة ردًا على التصعيد مِن قبل الحكومة واليهود، الأمر الذي  زاد من التوتر في داخل باحات الأقصى، وهؤلاء مقتنعون أنّ الحكومة الاسرائيلية تعمل بصورة دائمة وخفية لتقسيم القدس من حيثُ المكان والزمان، إلا أنّ الحكومة الاسرائيلية تُنكر ذلك، بينما يقرأ كثيرون هذه الحقيقة بصورة واضحة، ويعرفون النوايا الحقيقية التي ترمي لتقسيم الأقصى مكانيًا وزمانيًا، لذا جاء الرد الأردني والمصري الأولي أنّ التقسيم مرفوض، بينما يؤمن مواطنو الضفة والفلسطينيون في الداخل أنّ سياسة إسرائيل تتّجه إلى التصعيد والعدائية الشديدة، وأنها تقوم باستفزاز المسلمين والمس بمشاعرهم لتقوم في النهاية بالتغيير الجذري لسياستها تجاه الأقصى. وبرأيي فإنّ مصر والأردن لن تصمتا إذا ما اتضح بشكلٍ جلي أنّ نتنياهو يريد التقسيم المكاني والزماني للأقصى.

ما هو رأيك بما يقوم به الفلسطينيون لمواجهة هذه الاعتداءات على الأقصى؟
ما يقوم به الفلسطينيون هو مقاومة جرّاء تعرضهم لاعتداءات من قِبَل المتطرّفين والسياسة الإسرائيلية، حيثُ ينظُر الفلسطينيون إلى الأقصى على أنه القضية التي لا يُسمح المس بها، وأنّ اللعب بهذه القضية سيشعل الشرارة التي ستنتشر في جميع الجِهات، هذا مِن جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هناك تمييزاً كبيراً ضد المواطنين المقدسيين في جميع المجالات الخدماتية، ومَن لم يعرف هذه الحقيقة، يكفيه أن يتجوّل بين المناطق العربية في القدس ويقارنها بالمناطق اليهودية، وعندها سيعرف ما الفرق بين اليهود والعرب، والتمييز والعنصرية التي تمارسها الدولة تجاه كل المقدسيين.
وبالتالي هذه السياسة التمييزيّة الواضحة، دفعت بالفلسطينيين إلى عدم الثقة بالدولة، وباتخاذ المقاومة كشكلٍ مِن أشكال الرفض للسياسة الإسرائيلية المتطرفة، والتي ستأخذ الجميع إلى الأفق السياسي المسدود، الذي قد ينتهي بانفجارٍ هائل، وهبّة شعبية كبيرة، لأنّ الصغير قبل الكبير يعرف أنّ الحلول السلمية لم تعد مُتاحة، والمواجهة هي المتوقعة الآن، بناءً على مواقف هذه الحكومة مِن كل الحلول التي كانت مُتاحةً يومًا ما.

كيف تقرأ سياسة نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية؟
واضحٌ أنّ القضية الفلسطينية مركونة جانبًا، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى فإنّ التوتُّر الذي وُلِد بين نتنياهو وباراك أوباما، طغى على الحلول السلمية، بينما زادت سياسة نتنياهو عنجهية وعنصرية، بسبب مواقفه السياسية المتصلّبة، ويبدو أنّ ضعف تأثيره على الشارع الأمريكي وعلى سياسة نتنياهو زاده تعنُّتًا وتطرفًا في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، علمًا أنّ هناك تخوُّفاً كبيراً مما يجري في الشرق الأوسط وفي العالم العربي الذي يبدو في أحوالٍ هي الأسوأ منذ سنين، ونرى نتنياهو لا مبالياً تجاه ما هو عربي ويُشدد على يهودية الدولة، لأنه يعرف أنّ الوضع العربي الحالي مُريح لإسرائيل، ويجعل الدول العربية منشغلة بصراعاتها الداخلية، ما يساعد إسرائيل على فعل ما يحلو لها، في ظل اقتتال داخلي.

وماذا عن العلاقة مع الفلسطينيين؟
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة تنظر إلى الفلسطينيين في الداخل والضفة على أنهم مشكلتها الأساسية وصراعها القومي، لذلك تواجه المقدسيين في بيوتهم وأحيائهم، كما تُميّز بين الفلسطيني في الداخل وبين اليهودي، إذًا فالصراع هو قومي بالأساس، وكلما زادت النزعة لإزالة الفروقات بين التجمُّعات المختلفة فإنّ الدولة اليهودية تتعامل مع المواطنين العرب على انهم غير شرعيين وليس لهم تأثير، أو أنّ تأثير قياداتهم محدود، في ظل دولة يمينية، أصبحت موهوبة في مجال التمييز الصارخ، بين المسيحي والمسلم والمعتدل والمتدَيّن وغير المتدَيّن، ولا يهم إسرائيل مَن هو العربي الفلسطيني،بل ما يهمُّها أنّ تُسيطر على القدس التي تعدُّها عاصمتها الأبدية، في مواجهة الطرف الفلسطيني الذي يُطالب بإقامة دولته، وهكذا تنجح الأحزاب اليهودية الصهيونية بإرضاء أبناء شعبها، وتترك الفتات للعرب على اعتبار أنهم من درجات متدنيّة، وأكثر من ذلك أنها لا ترى العربي أصلاً، بسبب نظرتها الفوقية التي تعبّر عن ذاتها سواء في التعامل مع الفلسطينيين داخل إسرائيل أو في القدس أو مع أي طرفٍ فلسطيني أينما وُجد.