خاص مجلة القدس العدد 321/ تحقيق: ولاء رشيد

لطالما قيل إن الفن هو مرآة الشعوب، تعكس ثقافتها وحضارتها وتاريخها على مر العصور. ومن هنا حملَ الفن عموماً رسائل عدة لعل أبرزها الرسالة الوطنية. وإذا كانت وسائل الإعلام لم تركّز إلا على الواقع الفلسطيني من جانبه المعيشي أو الأمني أو المصيري، فإن الجوانب الثقافية والفنون التراثية الوطنية الفلسطينية في لبنان فرضَت نفسها على الساحة واضعةً نصب عينيها أهدافاً أساسية هي إحياء التراث الفلسطيني وتثبيت هويتنا وتجسيد هموم وأحلام شعبنا.

محمد الشولي: اتحاد الفنانين حافظٌ للثقافة والهوية الفلسطينية

يعدُّ الاتحاد العام للفنانين التعبيريين الفلسطينيين أحد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وقد تأسّس فرع لبنان في العام 1990 ليضمّ آنذاك عدداً من الفرق الفنية التعبيرية. وحول الهدف من انشائه يقول رئيس الاتحاد في لبنان المخرج والممثل محمد الشولي: "الوطن هو أرضٌ وشعبٌ وثقافةٌ، وعبر السنوات الماضية قامت اسرائيل باحتلال الارض وتهجير قسم كبير من الشعب، وهي تحاول أن تسرق ثقافتنا وتنسبها لنفسها لتستكمل احتلالها، وهذه الثقافة تضم العادات والتقاليد والفنون، ومن هنا كان لا بد من وجود إطار للحفاظ على الهوية والثقافة الفلسطينية والوقوف في وجه هذه المساعي".

ويتابع "يضم الاتحاد في لبنان اليوم 13 فرقة تتنوّع انشطتها بين الغناء والموسيقى والفلكلور والمسرح والافلام السينمائية القصيرة، وهي: فرق "حنين" و"عشاق الاقصى" و"ديارنا" للأغنية الفلسطينية،"الكوفية" و"أسوار عكا" و"البيادر" للتراث الشعبي، "السنابل" و"القدس" للفنون الشعبية، والمسرح الوطني الفلسطيني، ومسرح الدمى، وفرقة القرب، والفرقة النحاسية، وفرقة نادي مجدو. وتعمل جميعها على  إحياء الفنون والثقافة الفلسطينية الأصيلة عبر تأدية الفن الفلسطيني وليس الفن لفلسطين، بمعنى أن الغناء لفلسطين مثلاً يمكن ان يقوم به أي فنان وإن لم يكن فلسطينياً، أما نحن فدورنا ابراز الاغنية الفلسطينية المؤلّفة من الكلمات الفلسطينية واللحن الفلسطيني والتي تمثّل جزءاً من هوية وثقافة شعبنا، ونقل هذا التراث الفلسطيني من جيل الى جيل. ولا بد من التنويه إلى أننا كفنانين فلسطينيين في لبنان نضع أمام أعيُنِنا هدفاً واحداً وهو العودة لفلسطين وبناء الدولة الفلسطينية، وما اهتمامُنا بإعداد الكفاءات الفنية الموجودة لدينا وانتاج الاعمال الفنية والثقافية إلا جزء من هذا الهدف لنقول للعالم ان شعبنا الفلسطيني شعبٌ حيٌّ وموجودٌ ومثقّفٌ ومن حقنا العيشُ في دولتنا التي سننقل كل هذه الثقافة إليها".

ويُردف عارضاً لأبرز أعمال الاتحاد وانجازاته "لفرق الاتحاد انتاجات ومشاركات فنية متعددة بينها المحلي والدولي والعالمي، وقد أثبتت هذه الفرق انها ذات مستوى وحضور مميز وتنافس الفرق العالمية، كما شاركت في مهرجانات على أرض الوطن، وأوجدت نكهة جديدة للأعمال الفنية هي الإحساس الذي يميز أداءها والذي تجلّى بأبهى صوَره على أرض الوطن وهذا بشهادة العديد من الفنانين والصحافيين وذوي الاختصاص. كذلك فنحن الوحيدون في العالم العربي الذين تمكّنا من انشاء مسرح فلسطيني خاص بنا من حيث الشكل والمضمون، فمن المعروف أنه لا وجود للمسرح العربي وانما هناك مسرحيات عربية لأن المسرح هو فن عالمي مستورد، ولكننا انشأنا مسرحنا الخاص بإدخال شخصية (الحكواتي) وهي شخصية عاشت بيننا في المخيمات فترة طويلة حيثُ يقوم الحكواتي على المسرح بقصِّ الحكايات الفلسطينية وتقمُّص كل شخصيات الحكاية والتنقل بينها بتغيير رموز كقبعة أو منديل او غيره. وقد عملنا على دمج المسرح الشعبي والمسرح الرمزي واعتماد الكوميديا السوداء في المسرحيات كون هذا النوع يمكّننا من ايصال رسالتنا، ويقدم لجمهورنا ما يرضيه بطريقة مدروسة جداً وبمستوى فني مميز وبقوالب كوميدية شعبية تلامس هموم الناس ويتماهون معها. وحالياً نُعدُّ مسرحية بعنوان "وبعدين يا مجبور" وهي سيناريو وتأليف الفنان محمد عيد رمضان، وإخراجي، وتمثيل فرقة المسرح الوطني الفلسطيني، وهي مُنطلِقة من فكرة الحكواتي الذي يحكي معاناة الشعب الفلسطيني في اللجوء.

كما ينظّم الاتحاد المسابقات الفنية التراثية، كمسابقة "الهواة في الاغنية التراثية الفلسطينية"،  ولكوننا اعضاء في نقابة الممثلين اللبنانيين التي تربطنا بها وبنقيبها جان قسيس علاقة تعاون واحترام، فإن عدداً من الممثلين المنضوين ضمن الاتحاد يشاركون أحياناً في بعض المسلسلات اللبنانية حين يكون هناك طلب لتأدية شخصية فلسطينية".

وعن أبرز المعوقات التي تقف في طريق تطوير العمل الفني الفلسطيني يقول: "هناك حاجة ملحة للأكاديميين المتخصّصين في الفن بهدف تطوير العمل الفني، ولكن قلّما يتوجّه الفلسطينيون لدراسة الفنون والتخصص فيها كونها برأيهم لا توفّر الدخل الكافي في ظل تردي الأوضاع المعيشية في لبنان.كذلك فإن ميزانية الثقافة في السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتراف وزير الثقافة، تقدّر بـ0.02% من الموازنة العامة، وهذا الضعف بالاهتمام بالانتاج الثقافي يدفع العاملين في المجال للاعتماد إما على الانتاج المحلي ضمن الامكانيات الموجودة او التوجُّه لجمعيات قد تدعم او تموّل أعمالهم الفنية والثقافية، علماً أن الاتحاد مؤسسة من مؤسسات "م.ت.ف" تلتزم بميثاقها، وبالتالي فـ"م.ت.ف" معنية بدعم وتمويل أعمالنا ولو بجزء يسير لنبقى بالحد الأدنى حاضرين ومستمرين. ومن جهة ثانية نعاني ضعف اهتمام الاعلام اللبناني والعربي بشكل عام، والإعلام الفلسطيني أحياناً، كون معظمهم يتناولون المخيمات الفلسطينية من الزاوية الأمنية في حين أن هناك شريحة كبيرة من الفنانين والشعراء والكتاب والمؤرخين والمثقفين والمعلمين لا احد يضيء عليها".

 

محمد رمضان: وُلِدت فرقة حنين احياءً للتراث الفلسطيني

تأسّست فرقة حنين للأغنية الشعبية والوطنية الفلسطينية، وهي الفرقة المركزية للاتحاد في لبنان، في العام 1990، بهدف نشر الموسيقى والاغاني الفلسطينية التراثية التي تتضمّن الألحان الفلسطينية والكلمات المحكية باللهجة الفلسطينية ومنعها من الاندثار، وفق ما يُوضحُهُ مدير الفرقة أمين سر الاتحاد في لبنان الكاتب والممثّل محمد عيد رمضان، ويضيف "رغم كوننا قد خرجنا تواً من فترة عصيبة، إلا أننا تمكّنا في فترة قصيرة من تشكيل مجموعة من 25 عضواً بين مغنٍّ وعازفٍ، من الفنانين الفلسطينيين واللبنانيين الملتزمين بالقضية الفلسطينية، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الاساتذة: محمد آغا، ووليد سعد الدين، وعاطف وهبي، ونسرين هجّاج، وفرح رباح، وهيثم عثمان، وغيرهم، وبالطبع توالى على الفرقة العديد من الفنانين وخاصةً من فئة الشباب التي كنا نحرص على احتضان المواهب فيها، وكنا نشجّع أعضاء الفرقة على دراسة الفن نظراً لأن جميع الفنون باختلافها باتت تُعدُّ عِلماً يتطلّب من مؤديها الإلمام بالجانب الأكاديمي منها، واليوم يمكنني القول ان الفرقة تمتلك طاقات ومواهب ومعارف أكاديمية فنية.

وبعد احياء الحفلات الوطنية داخل المخيمات وفي كافة  المناطق باتت الفرقة جزءاً أساسياً من أي احتفال وطني على الصعيد اللبناني والفلسطيني، وقد كان للفرقة مشاركات متنوعة داخل لبنان وخارجه، ومثّلت دولة فلسطين في المهرجانات الدولية وحازت الاعجاب الشديد".

ويضيف بتأثُّر بالغ: "لكن المشاركة الأبرز تبقى بالتأكيد في الحفلات التي أحيتها الفرقة في فلسطين، حيث تحقق الحلم بدخول أرض الوطن، رغم أن الحظ لم يحالفني لمرافقتها، وقد كان لهذه الزيارة وقع بالغ في نفس أعضاء الفرقة حيث لمسوا شوق وشغف اهلنا في فلسطين للقاء أبناء الشتات، ووجدوا أن أعمال وأخبار "حنين" كانت قد سبقتها إلى فلسطين، وقد مثّلت هذه العودة للوطن الدافع الاكبر لتكثيف انتاج الفرقة فكتب الاستاذ محمد الشولي اغنية "نفسي ادخل بلدي" التي غنّاها هيثم عثمان وكتبت انا اغنية "ما تقولوا" غناها محمد آغا".

وعمّا يميّز فرقة حنين يقول رمضان: "معظم ما تؤديه الفرقة من أغنيات هي أعمال خالصة لنا من حيث كتابة الكلمات والتلحين والإشراف الفني، ومن أبرز هذه الأعمال اوبريت "ليلة في رحاب القدس" الذي يحاكي مأساة القدس الحقيقية بجمالية مستخلصاً الجمال من عمق المعاناة، وهو من كتابتي وألحان الفنانَين محمد آغا وحسان عبد الحليم والإشراف الكامل للأستاذ محمد الشولي، وقد شارك فيه جميع أعضاء الفرقة أداءً وانتاجاً موسيقياً، وتخلّله محطات شعرية ضمت قصائد مختارة لمحمود درويش وسميح القاسم شارك فيها الاستاذ وليد سعد الدين والاعلامية نوال الاسدي.

كما نستقبل كلمات من الشعراء والكُتَّاب والهواة ونختار بعد التدارس والاتفاق فيما بيننا التي تصلح منها لتؤدَّى وتُضَم لأغنيات فرقة حنين.كذلك نعيد غناء وتوزيع الاغاني الوطنية السابقة التي واكبت مرحلة الثورة الفلسطينية وقد أعددنا عملاً اطلقنا عليه اسم كوكتيل الثورة  يضم أبرز الأغنيات التي أعدنا توزيعها".

ويضيف "بالنسبة لنا تبقى لحفلاتنا في المخيمات نكهة خاصة كوننا فرقة جماهيرية من أبناء الشعب، حيث نجد  أن الفنان بمجرد أن يبدأ بمطلع الأغنية تسبقه الجماهير وتشاركه الغناء في مشهد أشبه بالتوحد ما بين المغني والجماهير بلا أية حواجز.

أّما مشاركاتنا الدولية فقد كانت تتسم بكثافة الحضور وكنا نلمس تعطش الجمهور للاغنية الوطنية والتجاوب على مستوى الجالية الفلسطينية والجاليات العربية وحتى جمهور البلد. وفي الحفلات الدولية الرسمية كنا نحمل معنا رسائل لنؤكّد أننا لن نسمح لأحد بمحو  أو سرقة ثقافتنا وأن فلسطين باقية بكل ما في هذا الوطن من عناصر الحياة.

ومؤخّرًا نظّمت "حنين" بالتعاون مع ادارة الاتحاد وبتنسيق ودعم من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في فلسطين (ألكسو)، مسابقة "الهواة في الاغنية التراثية الفلسطينية"، وقد ضمت أكثر من 40 مشاركاً تراوحت أعمارهم ما بين 12 الى 25 عاماً، وطيلة شهرين أشرف أساتذة الموسيقى والغناء في فرقة حنين على اختيار المتسابقين وتدريبهم على الاغنيات التي أدوها، تحت إشراف الاستاذ محمد الشولي، وفوجئنا بعدد من يمتلكون جمال الصوت والامكانيات الفنية، وفي الحفل الختامي الذي نُظّم في مركز معروف سعد في صيدا، أُعلِنَت النتائج ففاز متسابق بالمركز الاول، ومتسابقان بالمركز الثاني، ومتسابقان بالمركز الثالث، وقد التحق بعضهم بالفرقة، ونحن بصدد متابعة المتسابقين الآخرين وتدريبهم".

ويختم رمضان بالقول: "الفن وسيلةٌ من وسائل المقاومة التي تعزّز قيَم النضال في نفوس الأجيال الصاعدة، ونحن نَعُدُّ جميع الفرق الفلسطينية والفنانين الفلسطينيين أبناءً للاتحاد بصرف النظر عن انتماءاتهم، ونشجّع اي فنان ينشر الثقافة والادب والفن الفلسطيني، ولكن ابراز الفن الفلسطيني النضالي الملتزم بقضايا وطننا يحتاج للدعم الكامل على المستوى المعنوي، بحيث يشعر الفنان بوجوده ويتم ابرازه في الواجهة، وعلى المستوى المادي كذلك، فنحن في فرقة حنين على سبيل المثال ليس لدينا القدرة المادية التي يملكها البعض لكتابة أغنية في يوم وتسجيلها وتصويرها في اليوم التالي، حيث أن لا ميزانية مرصودة لانتاج أعمال الفرقة، خاصةً أن اتحاد الفنانين لديه سقفٌ ماديٌّ محدد لا يسمح له بانتاج أعمال لـ"حنين" أو لأي فرقة ثانية، وبيقى المتنفس الوحيد الدعم الذي نتحصّل عليه باتصالاتنا ببعض مشجعي الأعمال الفنية، وحالياً نقوم ببعض الاتصالات ونأمل أن تثمر الأمور خيراً".

 

عبدالرؤوف عسقول: عبر المسرح ننقل قضيتنا الى كافة أرجاء العالم

"عبر المسرح يمكن للفنان أن ينقل أي فكرة لأي كان لأن لغة المسرح لغة إنسانية عالمية، ومن الطبيعي أن يكون الممثل المسرحي ملمّاً بالموسيقى والكتابة والعزف ولكنه يفضل المسرح لأنه يوفر له المساحة لإبراز كافة هذه الفنون"، يقول نقيب الممثلين المسرحيين الفلسطينيين في لبنان المخرج والممثل عبدالرؤوف عسقول، ويضيف عارضاً لوظيفة المسرح في دعم القضية الفلسطينية "تستطيع تمثيل أي قضية عبر المسرح مهما كانت بسيطة فكيف بقضية بعظَمَة القضية الفلسطينية، حيث يوفّر لنا المسرح الوسيلة لايصال القضية بدون أي حواجز، وبلغة صادقة ومشاعر نقية نابعة من احساسنا الحقيقي بهذه القضية في داخلنا".

وعن تجربته الشخصية مع المسرح يقول: "لطالما شعرتُ في طفولتي بأنني مميز عن أترابي بمهارة التعبير وصياغة الفكرة رغم حداثة سني، وكنت استمتع بأداء الأدوار مع أقراني في أزقة مخيم الرشيدية، هذا المخيم الجميل الذي كان بلا شك مسرحي الأول والأكبر، وكان للثقافة الوطنية في محيطي دور كبير في غرس القيم والمبادئ الوطنية في شخصيتي، لا سيما أن الثورة  الفلسطينية كانت موجودة بكل معالمها الوطنية. ولكن المرة الأولى التي تعرّفت بها على مفهوم التمثيل كانت في المدرسة خلال المرحلة الابتدائية، حيثُ لاحظ مدير مدرستي آنذاك الاستاذ شفيق المغربي موهبتي وشجعني على تنميتها. أما أول صعود فعلي لي على خشبة المسرح فكان في المرحلة الثانوية على مسرح مدرسة صور الرسمية، ثمّ تعرّفت الى العديد من الأشخاص الذين يتعاطون الشؤون المسرحية ومن بينهم احمد قيس الذي اعتقد انه اصبح مديراً في الاذاعة الجزائرية بالجزائر ومحمد ناصر (محمد القبّاعة)، فتم تشكيل أول فرقة فنية فلسطينية في منطقة صور وهي فرقة "جنين"، وكان المسرح مهمّتي، وبدأنا بأول عمل مسرحي في العام 1979 تحت عنوان "حنكمل المشوار". وفيما ومع تشكيل الاتحاد العام للفنانين، توليت نقابة الممثلين المسرحيين الفلسطينيين، حيث انتجنا العديد من الأعمال المميزة. ولاحقاً عرفتُ من والدي أنه بدوره كان قد امتهن التمثيل ولكن الظروف والضغوطات في فلسطين حالت دون مضيه في هذا المجال، ووجدت منه كل التشجيع".

ويتابع "لقد كانت القضية التي أحملها أهم عامل يدفعني للتمثيل على المسرح وايصال معاناتنا، وبرأيي فالمعاناة قد تكون أحياناً عاملاً يدفع الفنان لإبراز أحاسيسه واثبات جدارته، فنحن أبناء معاناة وحمَلةُ بنادق وثوار وفنانون وأشخاص يريدون العيش في الوقت نفسه".

ومن بين ألوان المسرح التصقت "شخصية الحكواتي" بالفنان عسقول حتى بات يُعرَف بـ"حكواتي الجليل"، وحول ذلك يقول: "كنت في صغري أشعر أنني أُساق لمجالس الكبار في السن، وبفعل ذلك ترسّخت العديد من الحكايا الفلسطينية التي كنت أسمعها في ذهني، كما أن والدي المرحوم كان لديه مخزون كبير من الحكايات، ولطالما اجتمع الأقارب وأبناء المخيم حوله للاستماع لقصصه التي كان يسردها بأسلوب مميز خلال ليالي شهر رمضان، وهكذا صُقِلَت موهبتي وتجذّرت الحكايات في ذهني، وبدأت أصيغها بقالب مسرحي، ووجدتها التجربة الأروع والأنقى خاصةً حين اتزين بالزي التقليدي الذي ورثته عن والدي وأرى ردة فعل الجمهور الرائعة والمتفاعلة مع ما أؤديه. ولا أبالغ اذا قلتُ أنني أملك أكثر من 10,000 حكاية فلسطينية راسخة في ذهني وهي غير موجودة او موثّقة في أي مكان".

ولعسقول العديد من الأعمال المسرحية منها ما هو من تمثيله وكتابته أوحتى ما هو من إخراجه وبينها مرثية فلسطين" التي تختصر تاريخ الشعب الفلسطيني وما تعرّض له منذ 5 الاف سنة بـ10 دقائق وهي من بطولته وتأليفه وحصره وجمعه وقد عُرضت مرات عديدة في مجمل المناطق اللبنانية ودول أوروبية وتُرجِمت الى عدة لغات، و"الفراشة المسلّحة"، و"حبيبتي جفرا"، و"مروّض النمور"، وغيرها العديد، وآخر أعماله مسلسل من كتابته سيُبصِرُ النور في شهر رمضان المقادم وهو يضم 30 من أجمل وأعرق الحكايات التي عرفها العالم العربي بينها 10 حكايات فلسطينية، بحسب عسقول الذي يؤدي دور الحكواتي فيه.

وعن أبرز الصعوبات التي تواجه المسرح الفلسطيني في لبنان يقول: "كفلسطيني لاجئ في لبنان لم تعترضني صعوبات مع الوسط اللبناني، بل ان الوسط اللبناني المسرحي كان متعاوناً جداً معنا فلم يشعرونا بالتمييز، بل تقبّلونا وامتزجوا معنا ومزجونا معهم وكنا وما زلنا نتعاون فيما بيننا. ونحن بطبيعتنا نحاول اختراق الجدران التي تعترضنا مهما كانت، ولكن بلا شك هناك بعض العوامل التي تؤثر على العمل، فالمسرح فن يتطلّب تجهيزات محددة كما ينبغي أن يواكب كافة التطورات التقنية، وهذا يحتاج لدعم، خاصة انه ليس هناك موازنة للمسرح، وفي الوقت ذاته نلمس أحياناً ضعف الاهتمام بالمسرح ودعمه رغم أنه أساس الحضارة. كما تبرز الحاجة لمحاضرين يشرحون للجيل الجديد اهمية المسرح ويعطون دروساً في فن المسرح وتقنياته".

 

حورية الفار: التراث الفلسطيني حافظ للحضارة والهوية الفلسطينية

تهدف نقابة الفلكلور الفلسطيني، وهي احدى نقابات الاتحاد العام للفنانين، للحفاظ على التراث الفلسطيني ومتابعة جميع الفرق العاملة في المجال ضمن الاتحاد بحسب ما توضحه عضو الهيئة الادارية للاتحاد ومسؤولة النقابة حورية الفار.

وتضيف حورية: "من الضروري متابعة أنشطة الفرق التي تعمل في إطار الفن الفلكلوري وذلك لضمان أصالة ما يتم تقديمه حيث أن الفنون والثقافات الدخيلة أو المستحدثة تسلّلت بدرجة كبيرة الى مجتمعنا، ما بات يبعدنا تلقائياً عن تراثنا الأصيل، في الوقت الذي نحتاج فيه لحماية تراثنا وهويتنا والعودة لجذورنا كوننا ما زلنا نعيش في الشتات خارج دولتنا ونلحظ أن الاحتلال الإسرائيلي لا يألو جهداً في سرقة كل ما يخصنا بدءاً بأرضنا ومياهنا وحتى تراثنا الفلسطيني لدرجة انهم اصبحوا يقيمون عروض أزياء يستخدمون فيها الزي الفلسطيني التراثي والكوفية الفلسطينية ويشوهونها ويصممون اللباس بشكل اباحي، ولو أننا كنا نعيش بكنف دولة مستقلة لما كان اجراء التغييرات والمزج بين التراث والحداثة أمراً خطيراً، ولكن طالما نحن تحت الاحتلال يجب ان نحارب الهجمة الصهيونية التي تعمل جاهدة لسرقة كل هذا منا عبر التمسّك بموروثنا التراثي وتوثيقه ونقله لأجيالنا الصاعدة. وعليه فسيكون هناك خطة عمل مع بداية العام الجديد تهدف لمتابعة جميع الفرق الموجودة ليس فقط في اطار الاتحاد وإنما في المؤسسات او المدارس وغيره".

وتستدرك "بالطبع لستُ ضد ادخال التنويع على العمل الفلكلوري ولكن بدون المس بالأساس التراثي، فنحن لا يمكننا مثلاً فصلُ أنفُسِنا عما يجري في فلسطين تحت الاحتلال لذا نحاول مواكبة الحدث واسقاطه على المسرح عبر ادخال لوحات او رقصات تعبيرية تحكي نوعاً من معاناة ووجع شعبنا في فلسطين ضمن اللوحة الفلكلورية الأساسية ".

وعن انطلاقة فرقة الكوفية تقول: "أسّسنا فرقة الكوفية في العام 1992، وجاء اختيار اسم الفرقة تيمُّناً برمزية كوفية الرئيس ياسر عرفات ودلالتها على النضال الفلسطيني بجميع اشكاله، وقد أردتُ التركيز على فئة الأطفال لأنهم يمثلون أجيال المستقبل الحاملة والناقلة لتراثنا، وكانت البداية مع 7 أطفال، ولم يكن لدينا حُلُمٌ حتى بتأدية أعمال خارج مخيم عين الحلوة، ولكن مع أولى حفلاتنا أخذت تكبر الفرقة حتى أصبحنا نشارك في مختلف المناسبات الوطنية، وأخذت "الكوفية" تضع بصمتها وتثبت وجودها على الساحة وقد حظيت بقبول واسع من الجماهير التي انبهرت بأداء هؤلاء الأطفال الخارجين من رحم المعاناة ليؤكّدوا بنظراتهم وبعفويتهم وبحركاتهم أنهم أبناء فلسطين يولدون بالفطرة فلسطينيين بامتياز متأثرين بالتفاصيل الوطنية وعشق الوطن ومُشبَعين بأفكار الثورة وإن لم يواكبوها وليسقطوا مقولة غولدا مائير أن (الكبار يموتون والصغار ينسون)".

وتضيف "ما لبث نشاط الفرقة أن اتسع فأصبحت  تشارك في مهرجانات متنوّعة محلية ودولية نمثّل فيها دولة فلسطين وتراثها الأصيل والعريق بين 30 دولة تمثّل كلٌّ منها فلكلورها، ومن هذه المهرجانات مهرجان تيمقاد الدولي وقد مثّلنا فيه دولة فلسطين، وهذا بحد ذاته انجاز لهؤلاء الأطفال الذين لم يحلموا يوماً بالخروج من حاجز المخيم بأن يمثّلوا دولة فلسطين بالمهرجانات الدولية. والأهم من كل ذلك وصولنا للوطن فلسطين حيث شاركنا بمهرجانات 3 مرات وتحقّق حلم العودة لأطفالنا، كما شاركنا بمسابقة (آراب جوت تالنت) ووصلنا للمرحلة الثانية وكان انجازاً بالنسبة لنا، وإن لم نفز، لأننا على الأقل أثبتنا وجودنا وأوصلنا رسالتنا للعالم بشكل ايجابي وحضاري، وأكدنا أننا شعب نستحق الحياة ويحق لنا ان نفرح ونغني رغم معاناتنا داخل المخيمات. واليوم يبلغ عدد أفراد الفرقة 105 تتراوح أعمارهم ما بين 4 إلى 27 عاماً، وهم الجيل العاشر، فهناك من تزوّجوا والتحق ابناؤهم اليوم بالفرقة، ومنهم من يتابعون دراستهم ومنهم المتسربين من المدارس، ويتم التدريب بطريقة تراعي الامتحانات والدراسة، وهناك 3  فئات رئيسة من 5 الى 10  سنوات، ومن 10 الى 16، ومن 16 الى 27".

وعن أنواع الدبكات التي تؤدّيها الفرقة تشرح "هناك دبكات فلسطينية أساسية هي: الطيارة، والدحية، والكرداوية، والشعراوية، وجفرا، وظريف الطول، وغيرها، ثم تأتي الدبكات الاستعراضية وحتى دبكاتنا الاستعراضية تعتمدُ على أغنيات وطنية فلسطينية وخطوات من الفلكلور الفلسطيني بحيث أن المشاهد يعي فور رؤيته أولى خطوات الدبكة انها من الفلكلور الفلسطيني، وخلال العمل الاستعراضي ندخل بعض التلوين عبر المزج بين الثوب القديم باللون الأسود مثلاً والتدرُّج وصولاً للألوان الزاهية التي تمثّل الجيل الجديد المفعم بالأمل لأن الاطفال هم أملنا وفرحنا ومستقبلنا".

وتختم حديثها بالقول: "أعمل حالياً على مشروع أوبريت يجمع الجيل القديم والجيل الحديث وسيكون عملاً هاماً قد يضم أكثر من 80 شخصاً وهذا يحتاج جهداً مكثفاً وتوثيقاً للاغاني والاعمال الفنية التي قامت بها "الكوفية" منذ تأسيسها لتُجمَع بقالب واحد. ولكن حلمي هو تأسيس مركز ثقافي يضمُّ كل الفنانين في المخيم الذين لديهم الاهتمام والحس الفني، ويُوفّر إطاراً يحتوي الأطفال المتسربين من المدارس لئلا ينحروفوا الى طرق خاطئة لأن الفن يهذّب الروح ويبني الشخصية، ويجري فيه تنظيم أمسيات شعرية وعرض أفلام وثائقية تتناول فنانينا الكبار مثل المرحومين محمود درويش ومحمود سعيد وغيرهم، وأفلام عن تاريخ الدبكة ورمزيتها وموروثنا الثقافي، ويجمع الجيل القديم بالجيل الجديد، وتوثيق هذا التراث منذ تاريخ الكنعانيين، وجمع تراثنا الفني لتصبح مراجع، إضافة لتنظيم دورات تدريبية لإعداد مدرّبين بكافة الفنون التعبيرية حتى تبقى مستمرة وتنتقل مع الأجيال، ولكن ليتحقق هذا العمل كما أي عمل سواه هناك حاجة للامكانيات والدعم، فالمبدعون موجودون، ولكنّهم يحتاجون للتوجيه والتوظيف بالمكان المناسب والشكل الصحيح ولتوفير الامكانيات المطلوبة لتشغيلهم  والمكان المناسب للتدريب، وهنا أنوّه إلى أن تدريبات فرقة الكوفية كانت تتم في بيتي في البداية، ثم انتقلنا للتدريب في الساحات والملاعب، وظللت أقول أنه ولو أُغلِقَت كل الأبواب في وجهي فلن أيأس وسأدرّب الاطفال ولو في الشارع، فنحن شعب يجترح المعجزات، لأنه مؤمن بقضيته وبمسؤولية ايصال صوته عبر كافة الوسائل، وكما تمكّنت فرقة الكوفية من الخروج من القرمية كغصن أخضر أثق اننا سنتمكن من تحقيق طموحاتنا".