علي داوود

مخيّم عين الحلوة... بركان تحت الرماد. فالجماعات التكفيرية كبرت واشتدَّ عودها وهي تعمد يومياً الى تصفية قيادات من حركة «فتح» على خلافٍ معها، وقد كان آخرها العقيد طلال الاردني الذي لديه مكانة مميّزة لدى «فتح» وهو يُعتبر الرجل الاول الذي أفشل مخططات الجماعات التكفيرية واعتقل عدداً من عناصرها، فيما كانت تحاول الاستيلاء على أحد أحياء المخيّم حينما كان بلال بدر يقود شخصياً المعركة ضدّ قوات الأردني.

ينام «عين الحلوة» على الصمت ويستفيق على مجزرة وعمليات اغتيال، ما يطرح تساؤلات كثيرة داخل المخيم: إلى متى يستمر هذا النزيف من دون أن تبدأ منظمة التحرير الفلسطينية وحركة «فتح» باجتثاث التكفيريين من الجذور؟ هل ينتظرون تكرار مأساة نهر البارد؟

لماذا التلكّؤ ورمي المسؤولية على الغير علماً أنّ أهل الجنوب يكفرون بالتكفيريين ويقاتلونهم مهما كانت التضحيات، لأنّهم يعلمون أنّ سمومهم ستفتك بجوار المخيم إن سيطروا عليه؟

أكثر من محاولة اغتيال تعرّض لها قائد كتيبة «شهداء شاتيلا» في قوات الامن الوطني الفلسطيني في حركة «فتح» العقيد طلال بلاونة الملقب «طلال الاردني» على أيدي الجماعات التكفيرية التي يقودها بلال بدر، وهي بقايا «جند الشام» و»فتح الاسلام» وما يسمى «الشباب المسلم»، كان آخرها منذ عام ونصف العام، لكنّه كان ينجو في كلّ مرة.

لكنّ قدره كان أن يموت برصاصات بدر مباشرة، بعدما جهَّز وخطَّط لعملية تصفية الاردنن وكمَن له مقنّعاً مع عنصر آخر من «جند الشام» لدى عودته من مركز عمله الى منزله سيراً مع مرافقيه، ومن بينهم ابن شقيقه شعبان بلاونة.

لحظة وصولهم الى منطقة الكنايات لجهة درب السيم في حيّ حطين، فوجئوا بكمين محكم إذ انهال عليهم الرصاص من بدر ومرافقه، فقُتل الاردني ومرافقه شعبان فوراً، فيما فرَّ بدر ومرافقه على دراجة نارية نحو الطرق الضيّقة في حيّ حطين، علماً أنّ ردّ «فتح» أصاب المرافق الشخصي لبدر، في وقت استنفرت الجماعات التكفيرية في الأحياء التي تتمركز فيها لمعرفة تداعيات الاغتيال وكيفية ردّ «فتح» عليه. ونقلت جثة الاردني ومرافقه الى مستشفى النداء الانساني ثمّ الى براد مستشفى الهمشري في مخيم المية ومية.

وقد ترافقت العملية مع إطلاق نار كثيف شهده المخيم من عناصر الاردني، وعلى رغم صدور قرار بوقفه، استمرّ إطلاق النيران ورافقه سقوط قنبلتين يدويتين قرب مركز القوة الامنية الفلسطينية لعجزها عن كشف الجناة. وإثر الاغتيال، فتح تحقيق لمعرفة الجناة من خلال الاستعانة بكاميرات المراقبة واستدعاء شهود من الحيّ للتحقيق لدى لجنة تحقيق خاصة.

وفي وقت اتخذت حركة «فتح» خطوات لاستيعاب الاغتيال وعدم الوقوع في فخ الفتنة، أكد القائد العام لقوات الامن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب لـ«الجمهورية» أنّ «الرد سيكون عنيفاً ومدوياً ولن نسكت على اغتيال قادتنا على أيدي حفنة ممَّن يريدون زعزعة الامن والاستقرار في المخيم، هذه الحفنة تسعى إلى إحراق مخيم عين الحلوة وتهجير سكانه على طريقة ما ارتكبته في مخيم نهر البارد لكننا سنكون أقوى من المصيبة التي حلّت باستشهاد قائد من قادة «فتح»، وسنتعالى على الجراح لأنّ حماية المخيم واستقراره لا تكون إلّا ببذل الدماء والتضحيات والجريمة لن تمرّ بلا عقاب».

واعتبر أنّ «ما حدث هو اغتيال أمني وسياسي جهّزوا وخططوا لتنفيذه أياماً طويلة وهم يحاولون النيل من العقيد الاردني»، مشدِّداً على أنها «عملية اغتيال جبانة تصبّ في خدمة مشاريع الاحتلال الاسرائيلي وإثارة الفتن في المخيم وتهجير المخيمات من البارد الى اليرموك».

ولاحقاً كلف ابو عرب قائد القوة الامنية الفلسطينية المشترَكة السابق العميد الفتحاوي احمد النصر إدارة شوؤن كتيبة «شهداء شاتيلا» موقتاً خَلَفاً للأردني.

من جهتها، أكدت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في المخيم بعد اجتماع طارئ «ضرورة كشف كلّ جوانب الجريمة وتحديد هوية الفاعلين واتخاد الإجراءات اللازمة لتحقيق العدالة»، مناشدة «أهلنا في المخيم عدم الإنجرار الى الفتنة».

وشدَّدت على «وحدة الموقف الفلسطيني للحفاظ على أمن مخيم عين الحلوة على أساس الشراكة»، مناشدة كلّ الأطر ومؤسسات العمل الشعبي والفصائلي «حماية الشارع الفلسطيني من مكيدة الاهتزازات أو أيّ فوضى أو فلتان أمني».

بدوره، قال السفير الفلسطيني أشرف دبور خلال احتفالٍ للتنظيم الشعبي الناصري في ذكرى مصطفى سعد في صيدا: «بات واضحاً للجميع المخطط والهدف مما يجري في الفترة الأخيرة من عمليات توتير وجرّ المخيمات إلى مشاريع تهدف للقضاء على حقنا في عودتنا إلى وطننا فلسطين، بواسطة أيادٍ أصبحت معروفة تُنفّذ أجندات خارجية، ولا تهتم أبداً بمصالح وحياة وأمن شعبنا المعذب في هذه الأرض».

وأضاف: «لتعلم هذه الفئة ومَن يقف خلفها أنّنا لن نسمح أبداً بتكرار تجارب الماضي. وموقفنا واضح وصريح سنُسقط ونتصدّى لكلّ متآمر على مخيماتنا، وسنكون الحماة لشعبنا».