منذ الانقلاب الحمساوي الاسود على الشرعية الوطنية اواسط العام 2007، اتخذت حركة حماس مثات والاف الخطوات الانفصالية، التي تؤكد للقاصي والداني، غاية فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين من سلسلة تلك الخطوات، وهي تأبيد الانقلاب، وفرض خيار الامارة او "دولة غزة" لضرب المشروع الوطني في مقتل.

الاسبوع الماضي وبشكل مدروس، ومعد مسبقا، طالبت حركة الانقلاب الحمساوية شركة جوال "بدفع الضرائب" المستحقة عليها لجباتها اللصوص، ضاربة عرض الحائط بالنظام والقانون الفلسطيني، ومصرة على مواصلة نهج القرصنة في ملاحقة المواطنين البسطاء والرأسمال الخاص، غير عابئة بتداعيات ذلك على وحدة الارض والشعب والنظام السياسي، لا بل انها تعكس بذلك، تصميمها على خيار الانفصال. لا سيما أن خطوة جبي الضرائب من شركة جوال، تحدث للمرة الاولى، وتتناقض مع النظام الضريبي الفلسطيني، وتلازمت مع رفض حركة حماس حكومة الوحدة الوطنية وحتى التعديل الحكومي، وسبقت تلك الخطوات، بفرض ضريبة "التكافل الاجتماعي"، كما ألزمت تجار السيارات بدفع ضرائب إضافية على المواطنين، وغيرها المئات من عمليات الحرمنة اللصوصية بهدف، سرقة قوت الشعب لتصرف على ميليشياتها وادواتها؛ ولتعميق خيار الانفصال عن الشرعية الوطنية؛ وبالتالي لضرب المشروع الوطني.

الخطوة الضريبية الجديدة على جوال، التي تضرب مصالح المواطنين، وتحرمهم من خدمة الشركة المذكورة، ليست نتاج الأزمة المالية، انما هي خطوة تكميلية للدردشات مع حكومة نتنياهو الانفصالية، وتعتبر بمثابة الشعرة قبل الاخيرة لاعلان الانفصال الكامل عن الشرعية. خاصة أنها هددت على لسان العديد من قادتها، انها ستتخذ خطوات غير مسبوقة لـ "الرد" على "اجراءات" الشرعية، ومن المتوقع ان تقوم حركة حماس، باعادة حكومة الظل إلى النور، وتكريس الاتفاق مع حكومة نتنياهو على الارض بالشروع ببناء الميناء العائم مقترنا بحماية حدود إسرائيل، والهدنة الطويلة الاجل، التي بدأت فعليا بشق الشارع الشرقي لمحافظات الجنوب الخمس. وهو ما يعني عمليا، إغلاق الطريق كليا على خيار المصالحة، ووصد الابواب امام الوحدة الوطنية.

الاجراءات التصعيدية لقيادة الانقلاب الحمساوية، تأخذ الساحة الفلسطينية إلى مرحلة جديدة من الاخطار، عنوانها المزيد من التشظي والتشرذم للنسيج الوطني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. لا تقتصر عند حدود الانفصال، بل تتجه إلى درجات أكثر انحطاطا وظلامية وتبديدا لاي ملمح من ملامح الهوية الوطنية. لأن البيئة المشوهة والفاسدة، التي اوجدها الانقلاب، ولجوء قيادته المتنفذة، لانتاج جماعات تكفيرية من رحم الحركة. فضلا عن التنظيمات، التي انشقت عنها (حماس) جميعها اتجهت نحو مزيد من التطرف والاقصوية، وتلازم ذلك، مع فتح الابواب امام اعضاء وقيادات الجماعات الاسلاموية العاملة في شمال سيناء ومصر عموما الى القطاع عبر الانفاق، وتعاظم نفوذ التكفيريين في عموم دول المنطقة، يعمق الاستنتاج آنف الذكر، واوجد المناخ الملائم كي تضرب إسرائيل ومن يقف خلفها ضربتهم للقضية الفلسطينية والمشروع الوطني في مقتل.

المرحلة المنظورة المقبلة في ضوء عوامل التشظي الداخلية، وعدم التمكن من ترتيب شؤون البيت الفلسطيني، وتراجع الدور العربي، وغياب الاهتمام الدولي الرسمي بالقضية الفلسطينية، تشي بأن الساحة مقبلة على خيارات أكثر تعقيدا وخطورة مما تعيشه الان. إلا إذا نهضت القوى الوطنية الرسمية والشعبية، وأعادت النظر في الحالة المأساوية القائمة، وأمسكت زمام الامور بيديها.