خاص مجلة "القدس" العدد -315-تحقيق: وليد درباس
لقـد تحـول الفلسطينيون جـراء نكبة العام 1948 التي تسببت بها الصهيونية العالمية مدعـومة بـدول الإمبرياليه العالمية ، مـن مـواطنين ذوي أمـلاك وأصحاب أراضي بوطنهـم الأصلي " فلسطين " إلى لاجئييـن بدول الشتات والمنافي ، وعلى أثـره وبقـرارمـن الشرعية الـدوليـة تأسـست وكالـة أغاثـة وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين " أنـروا " لتوفيـرالإغاثـة الإنسانية لهـم ، وأتخـذت من فيينا آنـذاك مقـراَ مـركـزياَ لها ، وأنشات لها العديـد من الفـروع  ، وقامـت بإستئجـارالعقارات الخاصـة بالدول العربية  المحاذية منها  لفلسطيـن  ولمدة " 99 عاماَ " وحـولتها إلى مخيمات لإيوائهـم ومنها لبنان.

اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان
يقيـم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في "12" مخيمًا معترفًا بها من قبل الاونروا، وحوالي الـ"24" تجمُّعًا فلسطينيًا وهي بمنزلة عقارات خاصة تعـود ملكيتها للبنانيين، وتقـع بغالبيتها بمحاذاة المخيمات، ولكنها غير معترف بها ولا تخضع للولاية القانونية للأنروا، وقد أقـام فيها الفلسطينيون مكرهيـن بسبب تدميـر بيوت البعض منهـم أو تدميـر بعض المخيمات "مخيم النبطيـة، مخيم تـل الزعتـر، مخيم جسرالباشـا.. الــــخ"، جـرّاء العـدوان الاسرائيلي من جهـة والحـروب الداخلية من جهـة أخـرى، ناهيـك عـن عشرات العائلات من اهالي المخيمات ممن ضاقت بهم دُورُهـم بعـد أن ضاقت عليهم المخيّمات.
كيـف لا والمخيمات نفسها تعاني الأمـريـن حيثُ لم تلحظها أي اضافة بالمساحة رغم مرور ما يزيـد عن النصف قرن من إستئجارها، بوقـت تضاعـف فيه عـدد اللاجئيين الفلسطينين عـدة أضعاف، وقلـة من الفلسطينين وجـدوا متنفسًّا لعائلاتهـم وهم ما بين عاملين بدول الخليج العربي أو مـن لـه ابناء بـدول الإغتـراب وخلافـه من رجال الأعمال، اشتـروا وعلى حين غفلة من الزمـن حين كان مسموحًا للفلسطيني بالتملّك، سكنًا بالجـوار اللبناني "نقـدًا وربما بالتقسيـط"، وبقي السواد الأعظـم حبيس المخيمات، ولكن النعمة بالإقامـة فيها تحوّلت إلى درجـة مـن النقمـة بعد أن كبر الأبناء وتفرّعت أسر من العائلة وغيره، ولـم تَـِزد مساحـة سـكن العائلة ولـو شبـرًا عما كانت عليه، وعلى حين غـرة يُصـدم الفلسطينيون بصدور مـرسـوم تشريعي يُمنـع بموجبـه الفلسطيني من حقه بالتملك، وكـأن الفلسطينيين كان ينقصهم تعـدٍّ جـديـد على حقوقهـم الإنسانية في  لبنان، ولايجـد الناس مناصًا ولا فرصة وكحـد أدنى للتعاطي مـع تداعيات الاكتظاظ السكاني وهي كثيرة وعديدة ســوى الهـرب مـن أزمـة السكن لأزمـة سكـن أخـرى.

اللجان الشعبية الفلسطينية
بحكـم مسؤولياتها وتماسهـا مع شؤون اللاجئين ينوّه مسؤول اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد الشعـلان، إلى أن "الاكتظاظ السكاني وتداعياته ليس حصرًا بأهـل المخيمات وحسب، بـل ويطال اللاجئيين المقيمين منـذ بدايـات النكبة في العام 1948 بالتجمُّعات غير المعترف بها بأجنـدة الاونـروا، ويناهـز عـددها 24 تجمُّعًا، وفي الشـق الأول يـدفـع الاكتظاظ جـراء الفقـر من جهـة والحرمان من الحق بالتملك، لظاهـرة البناء العامـودي، وبالشـق الثاني يضـع الفلسطينين بموقـع الحـذر والتحسب مـن المحظـور لـوقـوعهـم بدائـرة المساءلـة القانونـية مـن السلطات اللبنانية بصفتها صاحبة المشاعات العامة ببعض التجمعات، ومطالبـة أصحاب العقـارات اللبنانيين للمقيمين بالإخـلاء بما فيه رفـع الـدعـاوى القضائية بحقهـم، لا بـل ويصل الأمـر حـد اسـتـقـدام الجرافـات لهـدم البيـوت كحال "11" عائلـة فلسطينية مقيمة بحي السكـة في منطقة المينـا بطرابلـس لـولا تدخلنا بالوقت المناسب"، ويضيف "مـع ذلك أعطي الاهالي مهلة وإلا سترغـم كل عائلة على دفـع غرامـة مخالفة وتأخيـر قيمتها عـشرة ملاييـن ليـرة لبنانية".
ويتابع "مـن جـديد تُثار قضية إخـلاء الفلسطينين مـن تجمُّع جـل البحـر بصور، رغـم أن اهالي التجمعات يسـددون فاتـورة الكهرباء والماء وضرائب البلديـة للشرعية اللبنانية، بوقـت لا يجـري التعرض للمقيمين فيها من اللبنانيين، والبعض مـن الفلسطينين يبـدون استعدادهـم للشراء، في حين يرفض مالكو العقارات  ذلك، وكأن الفلسطينين لايكفيهم تداعيات البؤس والحرمـان!".
ويبدي الشعلان تعجُّبه لقـدرة الفلسطينين على التحمـل، حيثُ يوضح "يقيـم في صيـدا البلـد ما يـزيـد عـن  120 عائلـة فلسطينية في بيـوت قـديمـة العهـد، نخـرت الثقـوب جـدران حجارتها القديمة، لا تـرى الشمس وتلفها العتمـة. وبيـن الحيـن والحيـن يـرمـم بها الأهالي قـدر استطاعتهـم، حتى أننا تفاجأنـا بأن إحـدى العائـلات الكثيـرة العدد تستخـدم الشراشـف كحواجـز للفصل بين أفـراد العائلـة بسبب الاكتـظاظ جـراء التكاثر وزواج الأبناء".
ويرى الشعلان أن الأوضاع إياها تـوفـر فريسـة لأصحاب المشاريـع المشبوهة لإلحاق الأذى وإيقاع بعض الفلسطينين بشباكهـم، ويؤكـد أن نسبة الجريمة بالوسط الفلسطيني مقارنـة بالمناطق الأخـرى صفـر، ونسبة الفلسطينين بالسجون لا تتعدى 1%، وبكل الأحوال لايشكل الفلسطينيون أي خـلل بالتركيبة اللبنانية، مايستدعي أن يُكافؤوا وأقلـه برفـع الحظـر عـن حقهـم بالتمـلك خاصة أنهم أثبتـوا بمواقفهم حيال الأزمـات الـراهنة في لبنان بأنهم خارج أي معادلة تنتقص من سيادة واستقلال لبنان.

 مساعٍ وحـلول
 تُقـر الاونـروا بإحصاءاتها بتضاعـف عـدد الفلسطينين في لبنان كـل عشرين عـام، وتعليقًا على ذلك يشير الشعلان لعدم وجـود رؤيـة مستقبلية لتعاطـي الأونـروا مع الإكـتظاظ السكاني في المخيمات، ويستذكـر ما رُشّـح بوقت سابق عـن إيجـاد الأونـروا لأرض بـديلـة عـن  تجمُّع  جـل البحـر، وهو أمر تغاضَت عن متابعـته فيما بعـد، وبخصوص تلقي سكان تجمُّع جل البحر مؤخـرًّا إنذارات بالإخلاء يؤكـد الشعلان تحرك القيادة الفلسطينية بالساحة وعلى مستوى السفارة أيضًا وبمشاركة اللجان الشعبية ولقاءها عددًا من المرجعيات الرسمية اللبنانية والأهلية أيضًا ومن بينهم رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وآخرها بحضور عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المشرف على الساحة اللبنانية عـزام  الأحمـد ورئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري لافتًا إلى أن تجميد الملف لا يزال سيـد الموقف، ومعلّقًا "كلما طالبنا الأنروا بتحسين مـا.. نواجَـه بمعزوفـة نقـص التمويـل".
هذا وتتواصل اللجان الشعبية مـع الأنروا بسياق بـرامـج  ترميـم  بيوت الفلسطينيين داخـل المخيمات ممـن تنطبق عليهـم المواصفات المطلوبة، وتعمل من جهـة ثانيـة مـع جهات الـدعـم الأهلية والدولية لـذات الغاية، وحصل أن رفعت أكثر من كشف إسميٍّ بهذا الخصوص لجهات كـ"الصليب الأحمر الدولي، ومؤسسات "Un Habitat" و"UNDP"، كما تتابع اللجان قضايا الفلسطينين من خلال تمثيلها بالهيئات القيادية الفلسطينية في لبنان ومع كافة الجهات المخوَّلة في لبنان ومع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.

معاناة الأهالي
مسؤول جبهة التحرير العربية في منطقة صيدا أبـو يوسـف الشـواف من أهالي مخيم عين الحلوة، وربُّ أسرة مكـوّنـة من سبعة أفـراد. كان يقيم بسكـن من غرفتين مصحوبًا بالمنافـع، وإجمالي مساحة البيت لا تتعدى الـ"60" مترًا مربـعًا، ولكنه آثر السكن بالمخيم تماشيًا مع سياسـة حزبه بالبقاء لجانب اللاجئين وتحسس معاناتهم وحمل مسؤولياتهم. مـع الوقت تحـول بيت الشواف من سكن بطبقة واحـدة لسكن بثلاثـة طوابـق، ولم تشفـع لهم مساحة الشرفة المقتَطعة لكل طبقة سـوى بفسحة محدودة جـدًا لا تفي الأطفال حقهـم  بالحركـة.
ويقـول الشواف  "مضطرين نعمـر فـوق بعض.. الولـد بجهد كبير بجمع مصرياتـه، من هـون شوية مع مساعـدة مـن الأهـل  وديـن مـن القـرايـب، ومـع تقسيط معقـول من أصحاب البضاعة بنعمـر..وغير هيك مـا في حـل"، ويضيف "بطولنا شـويـة تهـوئـة.. أرحـم مـن غيرنا.. في ناس بالمخيم  ومنهـم مثلاً سكان حـي المنشية أو عمقة وغيره بيوتهم لا يطالها الهواء ولا الشمس، الأمر الذي يتسبّب بتعرُّضهم لأصناف عديدة من الأمراض بينها الربو والضغط علاوةً على الجانب النفسي والتربـوي".
ويشيـر الشـواف  لتحـوّل  الإكتظاظ  والبناء العامودي  لظاهـرة  بعين  الحلوة  وفي غالبية مخيمات لبنان  أعقـاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، لدرجة أن الناس تعدوا على الشوارع الـرئـيسـة وحتى الفـرعـية على نـدرتها "بحكـم الحاجـة"، فاقتطعوا ما تيسّر من المحاذي لبيوتم ومحلاتهم، لافتًا لإقدام أحـد باعـة المياه المكررة على تحويل سطح محلـه الصغيـر في الشارع  الـرئـيس لسكـن بعـد أن اقتطع مساحة من الشارع. وعطفًا عليـه يـرى الشـواف بـأن الأولـويـة للفلسطينيين تكـون بمنـحهم الحـق فـي العمـل، بإعتباره المدخـل لجمـع  المال وتحسين حالهم المعيشية، مما من شأنه تمكينهم في وقت لاحق مـن شـراء شـقة خارج المخيم، ويُفسِح المجال  للحـد مـن  الإكتظاظ.
ويخـتـم الشـواف حديثه محمّلاً الأونروا مسؤولية إيجـاد المأوى المناسـب للفلسطينيين وإن  تـطلّب الأمـر استئجـار أراضٍ لـذات الغايـة.

رسـالـة لـذوي الهمـة ومؤسسات مساندة اللاجئيين
توجّه الفلسطينية "دنيا خضر"، وهي مـن أهالي تجمـُّع فضل واكيـم بوسـط مخيـم عيـن الحلوة، رسالة تدعو فيها الأونـروا لتحمـل مسؤولياتها، وتتمنّى على مؤسسات وجمعيات مسانـدة اللاجئيين رصد جـزء من أمـوال برامـج تحسيـن ظـروف اللاجئين بالتجمُّعات لاستئجار العقـار حيث أمكن بالتجمعات الفلسطينية للحيلـولـة دون تعريضهم فـي المستقبـل للإخـلاء والمسائلة القانونيـة.
 وتضيف خضر "مضى على إقامتنا بالتجمع مايزيـد عـن الثلاثة عقـود من الزمـن، ويضم التجمع  أكثر من 100 عائلة وغالبيتهم مـن مخيمات أخـرى. نحن نقيم بسكن تتوفـر فيه كافة المواصفات المتوخّـاة، لـدرجـة يتحـول البيـت بالكثير مـن الأوقـات بحكـم مساحته مقارنةً بغيره لمقـر يتلاقى فيه زملاء الأبناء بقصـد الـدراسـة"، وتزيـد "العقـار مملوك للسيد فضل واكيـم، وأُشيعَ  أن موكليه أبـدوا رغبـتهم ببيع العقار ولكـن بالجملـة"، وتستذكـر أن "وزارة  المهجرين  وبناء لدعـوى قضائية أجرت مسحًا للمقيمين وطمأننا مندوبوهـا آنـذاك بالإستناد لفحوى العمل القضائي الذي يخيّر المقيـم ما بيـن الإستئجار أو الشـراء أو بتعويـض صاحـب المـلك للمقيمين مقابـل الإخـلاء.. ولكن مـن يضمـن ذلك؟!".