حـوار/ولاء رشيد

خاص مجلة القدس/ يعاني اللاجئون الفلسطينيون أوضاعاً مأساوية تؤثر على حياتهم بشكل كبير. غير أن هذه المعاناة لا تلبث أن تستكين حتى تعود للتأزم مرة أخرى، خاصةً مع وجود أزمتين حرجتين هما أزمة ملف نهر البارد وإعماره، وأزمة النزوح الفلسطيني من سوريا. ولمَّا كانت الأونروا هي الوكالة المنتدبة لتكون المزود الرئيس للخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين وحمايتهم وإغاثتهم، فكان لابدَّ من الاستفسار عن مسؤولياتها تحديداً تجاه اللاجئين الفلسطينيين وأهم المشاريع التي أنجزتها وتعتزم تنفيذها في هذا العام إضافةً إلى الوقوف على طريقة تعاطيها مع أزمتَي نهر البارد والنازحين وإذا ما كانت عضوية فلسطين ستغير شيئاً من كيفية تعاطيها مع اللاجئين. ومن هنا كان لنا هذا اللقاء مع مدير عام الأونروا في لبنان السيدة آن ديسمور.

-ما هي بالتحديد مسؤوليات الأونروا تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لجهة نوع الخدمات المناطة بها؟

بدايةً فإن الأونروا تؤمن الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 280 ألف لاجئ فلسطيني مسجَّل في لبنان. وهذه الخدمات المندرجة ضمن مسؤوليات الأونروا تشمل التعليم، ونظام الرعاية الصحية، والإغاثة، وتحسين المخيمات، والبنى التحتية الخاصة بالمخيمات بما فيها التمديدات المائية وشبكة الصرف الصحي وليس التمديدات الكهربائية، إلى جانب الدعم المجتمعي، والإقراض المالي الصغير وخدمات الطوارئ وخاصةً تلك الناجمة عن النزاعات المسلحة. كما أن بعض الخدمات يتم التنسيق لها مع جهات أخرى كسفارة دولة فلسطين في لبنان.

ما هي أبرز الانجازات التي حققتها وكالة الأونروا لعام 2012 وما هو تقييمكم لأدائها؟

لقد تمكَّنت الأونروا من تحقيق عدة انجازات في العام 2012. ففي مجال الصحة، تنقسم الخدمات إلى ثلاث درجات هي الخدمة الصحية الأولية، والخدمة الصحية الثانوية، والخدمة الصحية الثلثية (من الدرجة الثالثة) وهي المتعلَّقة بالحالات الصعبة والمـُكلفة. ونظراً لأن معظم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ليس لديهم افتراضياً أي بديل عن خدمات الأونروا الصحية، في ظل كون 95% منهم لا يملكون ضماناً صحياً، فإن الوكالة تتابع إجراء تعديلات على برنامجها الصحي في لبنان من خلال تحسين الخدمات الصحية الأولية، وتعزيز ودعم الخدمات السابقة التي قُدمت في مجال الصحة الثانوية، إضافةً إلى رفع التغطية المالية التي تقدمها للحالات من الدرجة الثالثة من 30% إلى 50% مؤخراً. إلى جانب ذلك فقد قامت الأونروا بإطلاق مبادرة برنامج"فريق صحة الأسرة"، وهو برنامج يعزز الرعاية الشاملة لجميع أفراد الأسرة على المدى الطويل مع التركيز على استمرارية الرعاية وبناء علاقات بين مُقدمي الرعاية الصحية والمرضى والأسر والمجتمعات المحلية، كما يحسن من الرعاية الصحية الوقائية.  وقد تم تطبيقها في أكثر من نصف المراكز الصحية عام 2012.

أما في ما يتعلَّق بالتعليم فقد قامت الأونروا بإدخال كتب لغة عربية وإنكليزية جديدة للصفوف الابتدائية في الحلقة الأولى، ووفرت دعماً دراسياً أكبر خاصةً للذين لديهم صعوبات تعلمية، كما واصلت تأهيل المعلمين ومديري المدارس والمشرفين من خلال التدريب والمقررات التعليمية الخاصة بالقدرة على قيادة المجموعة. كذلك تمكنا من خفض المعدل العام لعدد الطلاب في الصفوف إلى 32 طالباً من خلال إنشاء مدارس جديدة وصفوف جديدة، وحالياً هناك 69 مدرسة تتوزع على كافة مناطق لبنان. ولأول مرة لم يعد هناك دوامين صباحي ومسائي.

من جهة أخرى فقد تمكنت الأونروا من زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للطلاب في السنوات الأخيرة، بدعم ومساعدة من الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي و"OFID"(صندوق الأوبك للتنمية) وسفارة فلسطين ومانحين آخرين من خلال مفاوضات مع الجامعات، حيثُ أن الجامعة الأميركية في بيروت كانت سخية جداً في حسوماتها للأونروا مما أسهم في زيادة عدد المستفيدين من المنح. غير أن عدد الطلاب الذين تنطبق عليهم المعايير المطلوبة لاستحقاق المنح يفوق عدد الخمسين منحة التي تمكنا من توفيرها هذا العام، ونتمنى لو كنا نستطيع تغطية تكلفة الدراسةالجامعية لبقية الطلاب.

وحول موضوع تأهيل المساكن، فإن الأونروا في لبنان تقوم بتنفيذ "مبادرة المساعدة الذاتية" بحيث تقوم العائلات ببناء مساكنها الخاصة بدعم من مهندسين من الأونروا يقومون بإرشاد اللاجئين حول عملية تصميم المساكن. وهذه المبادرة التي استُقبِلت بإيجابية، قد ساهمت في زيادة سرعة عملية البناء وتقليص التكلفة للنصف، وبالتالي فهذا التوفير في الكلفة يُسهِم في ضخ المزيد من السيولة المالية للمجتمع المحلي ويزيد من تطوير المجتمع. فالأونروا تقوم بإعطاء المستفيد المبلغ المالي وهو يقوم بجهد معين كأن يقوم بعملية الطلاء بنفسه إذا كان يستطيع أو إذا كان له قريب أو صديق وبهذا يكون هو قد وفَّر من المال. لذا ومن خلال هذا البرنامج الذي يدعمه كل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا، فإنَّ 1200 عائلة ستكون منازلها قد أهلت مع نهاية العام 2013. كما أن هناك حوالي 4000 مسكن آخر في لبنان مصنَّفة جميعها كغير آمنة وغير صحية وسيتم تأهيلها في حال توفر المزيد من الدعم المالي.

-ما هي خططكم وبرامجكم للعام 2013؟

هناك عدد من البرامج في كافة مجالات الخدمات. فبالنسبة للبُنى التحتية مثلاً، فإنَّ تحسينات هائلة سيتم القيام بها مما سيسمح بالحصول على مياه الشفة ويوفِّر مخيمات نظيفة وصحية للمقيمين فيها. فمخيمات مار الياس، وبرج البراجنة، وشاتيلا سيتم تزويدها بمياه الشفة بفضل هبة سويسرية. وسيتم إعادة تأهيل لمنازل في الرشيدية. كما أن مشروعاً ممولاً من الاتحاد الأوروبي ووكالة اليابان للتعاون الدولي سيوفِّر نظاماً ومصدراً آمناً للتزويد بالمياه لـ50% من السكان أي حوالي 30000 نسمة، وسيؤمِّن شبكات متصلة بشبكات البلدية لمياه الصرف الصحي ومياه الأمطار.

كذلك فالأونروا تعمل على تنفيذ برنامج جديد لدعم حالات العسر الشديد يهدف إلى الوصول للأكثر فقراً بصورة أفضل من خلال تقييم أكثر دقة.

كما أن الأونروا ومنظمة العمل الدولية وغيرها من الجهات، لا تزال تقوم بمناصرة حق اللاجئ الفلسطيني في العمل في لبنان. وهي تسعى تحديداً لتطبيق مرسوم وزاري محسَّن خاص بحق العمل، وذلك من خلال تواصلها مع أكثر من جهة رسمية لبنانية ومع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. وفي الوقت نفسه فإن الأونروا تقوم بتطبيق مشروع مساعدة قانونية لزيادة الوعي حول حق اللاجئ الفلسطيني في العمل في لبنان، وتوفَّر نصائح قانونية مجانية للراغبين في الحصول على تصريح عمل، أو المصروفين من عملهم تعسفاً أو المحرومين من تعويض نهاية خدمتهم.

فيما يتعلَّق بملف نهر البارد، فما هي مسؤولية الأونروا تحديداً؟ وما الذي تمكنتم من تحقيقه حتى الآن؟

إن إعادة إعمار مخيم نهر البارد في الشمال لا تزال تشكِّل تحدياً للأونروا في لبنان. وبالنسبة لمسؤولية الأونروا، فهي تشمل إعمار كافة المناطق التي تقع ضمن نطاق المخيم سواء أكانت منازل أو محلات أو غيرها، وإغاثة حوالي 27000 مهجَّر من المخيم وذلك عبر منحهم بدل إيجار ومساعدات غذائية وغيره بدءاً بالأكثر فقراً. إلا أن التمويل ما يزال عائقاً أمامنا. وحالياً يتم تسليم المجموعة الثانية من المنازل من أصل 8 مجموعات للعائلات وجزء من الدفعة الثالثة لا يزال قيد الانشاء. وهنا أرغب بالتنويه إلى شيء في غاية الأهمية وهو أنَّ أزمة نهر البارد مرتبطة بأزمة النازحين بحيثُ أنه إذا تمَّ حل المشكلة الأولى فإن هذا سيُسهِم في حل جزء كبير من الأزمة الثانية. وهذا ما أشدد عليه في لقاءاتي مع المانحين دولاً وأفراداً. فحالياً المهجَّرون من مخيم نهر البارد يزاحمون اللاجئين في مخيم البداوي ومناطق أخرى فيما النازحون من سوريا لا يجدون مأوى. لذا فكلما حُلَّت أزمة مخيم نهر البارد بشكل أسرع كلما عاد عدد أكبر من العائلات إليه وبهذا يتم افساح مجال في مخيم البداوي وغيره لاستقبال النازحين.

من جهة أخرى فقد تمكَّنا من إنهاء 4 مدارس من أصل 6 وهي تستقبل الطلاب بشكل طبيعي، بينما لا يزال العمل جارياً على اتمام بناء مدرسة خامسة سيتم إكمالها مع نهاية العام 2013. كذلك فإن المركز الصحي سيكون مكتملاً في منتصف هذه السنة. ولكن المشكلة تكمن في أن نصف التمويل الذي نحتاجه فقط تم منحه لنا وهو ما سيغطي فقط حتى نصف المجموعة الرابعة من المجموعات الثمان، إذ أنه لا يزال ينقصنا حوالي 165 مليون دولار.

وبالنتيجة فمع قدوم شهر أيار من هذا العام فإن 22.5% من النازحين سيكونون قد تمكنوا من العودة لمنازلهم. وطالما أن الانشاء والبناء مستمر، فستواظب الأونروا على تقديم الإغاثة للمهجّرين وبشكل أساسي في مجالات الصحة، والمساعدات الغذائية، وتوفير المساكن المؤقتة. ولكن الإغاثة تشكل تحدياً للأونروا حيث أن المال المخصص لها بدأ بالنفاذ. ومن هنا أدعو الدول المانحة لزيادة تمويلها وبالأخص دول الخليج العربي.

كذلك فنحن نتعاون في ملف البارد مع عدة جهات بما فيها السفارة الفلسطينية في لبنان ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني.

بالنسبة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا فما هي الخطوات التي قامت الأونروا بها للتخفيف من حدة الأزمة، وما الذي أنجزته على صعيد الرعاية الصحية وتوفير المساكن لهم؟

لقد شهد العام 2012 تصاعداً في حدة الأحداث في سوريا ما تسبَّب بدوره في تدفق النازحين بشكل كبير إلى لبنان. وحتى الآن فقد عبر قرابة 18000 نازح إلى لبنان. والأونروا تقوم بمساعدة هؤلاء النازحين من خلال التعاون مع شركاء مختلفين من ضمنهم المنظمات غير الحكومية.

ومن البداية فقد ركَّزت الأونروا على توفير التعليم والرعاية الصحية للنازحين إضافةً إلى توزيع مساعدات غير غذائية. وفي الأشهر التي خلت، تم توزيع مساعدات مالية وقسائم شرائية غذائية. وفي كانون الأول من عام 2012 فإن الأونروا طلبت أكثر من 13 مليون دولار أميركي لتوفير المساعدة لهؤلاء النازحين للأشهر الستة الأولى من عام 2013. غير أنّ مساعدة الفلسطينيين النازحين من سوريا والتعاطي مع أعدادهم المتزايدة يظل واحداً من أصعب التحديات التي تواجهها الأونروا والمجتمع الفلسطيني في لبنان لعام 2013.

وبالنسبة للنازحين فهم يمكنهم الاستفادة من الرعاية الصحية والتعليم بشكل كامل كاللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فالتعليم متوفر لهم بشكل كامل وقد تمَّ تخصيص صفوف لهم حيث يتم إعطاؤهم مواد اللغة العربية واللغة الانكليزية والرياضيات إلى جانب النشاطات الإبداعية. إضافةً إلى ذلك، فالبعض منهم التحق بصفوف عادية مع الفلسطينيين في لبنان. والمادة التعليمية مبنية على المهارات اللبنانية والسورية. وقد ارتفع عدد الطلاب المسجلين إلى 2142 حتى 23 كانون الثاني. وبالنسبة لوضعهم القانوني، فهم يُمنحون لدى دخولهم إلى لبنان تأشيرة دخول لأسبوع صالحة لخمسة عشر يوماً. والعملية الموجودة تمكِّن اللاجئين الفلسطينيين من سوريا من تجديد إقامتهم لمدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر. ولا زالت طريقة التعامل معهم نفسها حيث أن الذين تجاوزوا مدة إقامتهم في لبنان يمكنهم مغادرة لبنان إلى سوريا دون دفع أية غرامة مالية وستبقى الحال هكذا حتى إشعار آخر. ولا زالت الأمم المتحدة بما فيها الأونروا تواصل التفاوض قانونياً مع الحكومة اللبنانية من أجل تسهيل عملية منح التأشيرة وحيثياتها.

من جهة أخرى، فإننا نقوم بتوزيع مبلغ 130دولار كبدل عن الايجار للعائلة الواحدة، ولكن المشكلة تبقى أن كلفة العيش في لبنان مرتفعة جداً.

كذلك فقد قمنا باستقدام خبراء سويديين ليقوموا بمساعدتنا في إعداد نظام فعَّال لإدخال أسماء النازحين الذين تزايدت أعدادهم بشكل مهول في الشهرين الأخيرين. وحالياً نقوم بتدوين معلومات عن النازحين تتضمن بياناتهم ومعلومات عنهم وكيفية الاتصال بهم عند توزيع مساعدات، كما أننا قد قمنا بتحديث قاعدة بيانات (Data Base) لا تسمح بتسجيل الاسم مرتين، ولذا ففي حال انتقال شخص ما مسجل في منطقة معينة لمنطقة أخرى، فإن النظام لن يسمح بإدخال اسمه ما لم يتم إلغاء اسمه من المنطقة الأولى، وهذا بالطبع جزء من مصداقيتنا التي نحافظ عليها خاصةً أننا مكلفون برفع الأسماء والبيانات للدول والجهات المانحة.

وبالنسبة لخطط الطوارئ في حال أخذت الأزمة طابعاً دائماً، فليس هناك أي إمكانية لشراء الأراضي أولاً بسبب نقص التمويل، وثانياً لأن الدولة اللبنانية لا تسمح بذلك. ولكننا قمنا بمسح المخيمات بحثاً عن أماكن فارغة وقد وجدنا مدرسة سيتم تحويلها لمجمع سكني وستكون هذه المجمعات تحت إدارة "م.ت.ف"، وأكثر ما سيمكننا فعله هو زيادة المساعدة المالية الممنوحة للعائلة الواحدة وهذا أيضاً لن يحدث إلا في حال زيادة المبالغ من الدول المانحة لنا. ولكنني أيضاً أحب أن أضيء على نقطة غاية في الأهمية وهي أن الأونروا في سوريا تبذل قصارى جهدها لمساعدة الفلسطينيين الذين لا زالوا هناك وقد توفي عدد من العاملين فيها، ولا ننسى بالطبع المرجعيات الفلسطينية فجهودهم أيضاً تستحق التنويه.

هل ستغير عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كعضو مراقب من طريقة تعاطي الأونروا مع الفلسطينيين في لبنان ونوع وكم خدماتها خاصةً أننا بدأنا نلاحظ تقليصاً في الخدمات؟ وهل هذا التقليص مؤقت أم مستديم؟

إن هذه العضوية لا تُغيَّر بشكل أو بآخر وضع اللاجئين ولا تؤثر على خدمات الأونروا. فالأونروا قد انتُدِبت من قِبَل الأمم المتحدة لتقديم الخدمات للاجئين حتى حصولهم على حل عادل ودائم لمشكلتهم. وحتى حصول ذلك، فإن الوكالة ستواصل تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينين. كما أنها ستواصل المطالبة بحل عادل ودائم لقضية اللاجئين بالتشاور مع اللاجئين أنفسهم وبناءً على قانون دولي وحل من قِبَل الأمم المتحدة. وبالنسبة لمسألة تقليص الخدمات فهذا لا علاقة له بالعضوية ولكنه بسبب تقليص التمويل من قِبَل الدول والجهات المانحة حيث أن الأزمة الاقتصادية عالمية، ولكن المفوض العام للأونروا سلفادوري لامباردو كان مؤخراً في الكويت حيثُ جرى مؤتمر تمت فيه مناقشة قضية الفلسطينيين النازحين من سوريا وقد وعدت عدة دول بتقديم الدعم المالي ولكننا ننتظر أن تتم ترجمة هذه الوعود إلى أفعال على الأرض خاصة من قبل الدول العربية.