هذه اصعب مراحل الصراع الذي نخوضه ضد اسرائيل من اجل الحصول على الحد الأدنى من حقوقنا ممثلاً بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.
هذه المرحلة الحالية التي دخلنا فيها الى معايير جديدة مختلفة تماماً، وهي معايير غير سياسية او فوق سياسية، لأن هذ العدو الاسرائيلي الذي يفرض احتلاله علينا بقوة السلاح منذ اكثر من سبعة واربعين عاماً، وهو اخر احتلال من نوعه في العالم، وابشع احتلال في ممارساته التي تفوق جرائم البرابرة في العصور القديمة، وتفوق جرائم وممارسات النازية في العصر الحديث، فهذ الاحتلال لا يبقي لنا اي شيء، ويدعي حقه في كل ما لنا، ويتهرب من المنطق السياسي الى منطق إرهابي غيبي لا يصدقه اي عقل وليس له عنوان سوى عربدة القوة الغاشمة، بل ان هذ الاحتلال الاسرائيلي الوحيد المتبقي في العالم الذي يعتمد عقيدة التدمير الكامل لحقوقنا وكينونتنا، يتكشف لنا الآن بوضوح ساطع انه حين يكون الموضوع المطروح عليه هو الحقوق الفلسطينية، فإنه لا يؤمن باي كلمة من منظومات السياسة، فهو لا يؤمن بالسلام لأن المعنى الوحيد للسلام عنده هو اجبارنا على قبول بأن لا شيء لنا سوى الحياة يوما بيوم حسب معاييره ووفق نواياه السوداء، وهو لا يؤمن بالمفاوضات إلا كما يريدها احتراق للوقت دون جدوى، وهو لا يقيم وزنا للاتفاقات والدليل انه يعاقبنا ويجعل حياتنا مستحيلة ويمنعنا قصراً من بناء حياتنا وبناء اقتصادنا، ويسرق ارضنا التي عليها معاشنا ومستقبلنا امام اعيننا تحت عنوان مبالغ في زيفه وعدوانيته بان هذه الارض لازمة له امنياً او استراتيجياً او سكنياً او توراتياً او لاي سبب مزيف اخر، وهو الخصم والحكم في كل صغيرة وكبيرة، فلا قيمة عنده لقانون دولي او إنساني بل لا قيمة عنده حتى لقوانينه نفسها ان كان فيها مجرد منفس صغير لاي فلسطيني، بل انه يفوق برابرة التاريخ الف مرة، ويفوق النازيين الف مرة في الاستهتار بحياتنا على كافة الوجوه، فهو يسجن ابناءنا لسنوات طويلة دون تهمة تحت عنوان الحجز الاداري، وهو ينفي من يشاء من ابناء شعبنا من بيته ووطنه تحت ذريعة قوانين الابعاد التي استعارها من الاستيطان القديم، وفي مواجهاته اليومية الدموية معنا يقتل بدم بارد الشاهد الوحيد الحي في اي قضية لكي لا يبقى سوى روايته الكاذبة المفضوحة، ونتذكر ان المئات الذين قتلهم منذ الثاني عشر من حزيران الماضي على سبيل المثال كانوا بين يديه لو اراد، وكان يمكنه اعتقالهم والذهاب بهم الى محاكمة غير العادلة، ولكنه اعدمهم فوراً حتى تموت الحقائق معهم، حتى لو كان اعدامهم تم على خلفية حادث يمكن تصنيفه على انه حادث مروري.
كما ان هذ الاحتلال الاسرائيلي الوحيد الباقي على ظهر كوكبنا، والذي يفوق في بشاعته وانحداراته الاخلاقية كل الاحتلالات الاخرى، لا يكلف نفسه حتى مجرد الحوار معنا، ولا يعترف بحصانتنا، ولا يقيم وزنا لمرجعياتنا التي وقع معها اتفاقات في حضور ومعرفة ومتابعة العالم اجمع، وعندما يقول له احد في هذا العالم انه سوف يعترف بدولة فلسطين المستقلة في الحدود التي اقرها القانون الدولي والشرعية الدولية فإنه يعتبر ذلك جريمة الجرائم التي لا تغتفر.
اذاً، فالاحتلال الاسرائيلي بهذ الحجم الهائل من التورط، خرج عن قواعد الصراع السياسي، وادخلنا في حالة فوق سياسية، حشد فيها كل اساطيره وخرافاته، وحشد فيها كل الرغبات القبيحة لديه، واستسلم فيها لطموحات من هم اكثر تطرفاً وغباء وخروجا عن قواعد الانسانية في نظامه السياسي الاسرائيلي، وبالتالي فانه يزرع في اعماق هذ الشعب الفلسطيني البطل واجياله المتعاقبة وجعا من نوع خاص، وغضبا اعمق من كل غضب، وهذ ما نراه الآن في ردود الافعال التي تنبثق في صفوف شعبنا، والتي بدأت في القدس في الفترة الاخيرة، فقد اصبح واضحاً ان هناك غضبا يفوق القدرة على الانطفاء، ويفوق كل التوقعات، ولا ينتقص من عظمة وقداسة هذ الغضب سوى مصارعة بعض الفصائل بادعاء نسبته اليها بطريقة تثير القرف، او تصريحات تصدر عن بعض قيادات حماس المشهورين بالغباء، والذين فرزتهم حماس لهذا الدور الغبي حين يرددون نفس تصريحات قادة الاحتلال الاسرائيلي ضد الشرعية الفلسطينية ورئيسها، مثلما فعل يحيى موسى العبادسة وهو احد نواب حماس، الذي كرر ضد الرئيس ابو مازن نفس كلمات سيده أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلية، مثبتا ان العميل مهما تخفى لا يستطيع إلا ان يكون عميلا، فلماذا يا ايها الاغبياء لا تتركون الغضب المقدس يتجلى في دوراته الازلية، ولماذا لا تصمتون وتضعون حجارة في افواهكم حتى لا تفسدوا المشهد العظيم الخارق. 
هناك دائماً ما هو فوق السياسة، وفوق الحسابات السياسية، وفوق العلاقات الدولية التي تكون الكلمة الاخيرة فيها لموازين القوى، ولولا ذلك، لولا هذا الغضب الذي يتخلق في حدقات العيون وفي نبضات القلب وفي قوى السواعد لماتت الحياة من زمن بعيد، ولكن في لحظات الموات، في زمن داعش واسمائها الاخرى، في زمن الاخوان المسلمين ونسلهم المتعدد الاسماء، في زمن الانصياع السهل، في زمن الاسواق التي تقام للنساء المسلمات المسبيات بينما النخاسون يدعون انهم مسلمون، في هذا الزمن يولد في القدس، قدس اقداسنا هذ الغضب الخارق، انظروا يغضب فلسطيني من القدس فيحول شاحنته الى جيش، ويسطع وجهه كضياء الله في السماء، ارجوكم يا جماعة الفصائل، ارجوكم يا اغبياء حماس الا تتحولوا الى صيادين للغضب تريدون ان تصتادوه في شباككم وتبيعونه عبر التصريحات في الاسواق هنا وهناك بدريهمات قليلات، او لقاء بعض الدعاية الرخيصة، ارجوكم، دعوا الغضب الساطع يعبر عن نفسه، دعوه يعيد هذه الامة الافتراضية الى اصلها بان تكون امة حقيقية، فان القهر والذل والجريمة والاستهانة والاحتقار الذي نلاقيه من هذا الاحتلال الاسرائيلي جدير به، ويليق به، ان يفجر في القلوب الحية هذ النوع النادر من الغضب المقدس، حدقوا في عيون اطفالكم وشبابكم ونسائكم، الالم كبير الى حد الاختناق، والظلم كبير الى حد الانفجار، وحين تعجز السياسة امام الممارسات الاسرائيلية الشاذة، فإن سنة الله في كونه ان ياتي شيء فوق السياسة، شيء مقدس اسمه الغضب.