هل يشك فلسطيني عاقل بامكانيات وقدرة ماكينة الاعلام الصهيوني على تحويل المظلوم الى إرهابي والظالم الى ضحية ؟! فحكومة دولة الاحتلال معنية بتسليط الضوء والتركيز على صور (اليهودي- الاسرائيلي ) المقتول بالسلاح الأبيض, آو آلة حادة, ومحاولة عكس طيف نيجاتيف (سلبية ) عمليات قطع الأعناق والذبح السائدة في مناطق سيطرة داعش في العراق وسوريا ؟!.
هلل فلسطينيون على تنوع انتماءاتهم السياسية لعمليات طعن المستوطنين اليهود, حتى ان البعض تندر بها على صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيسبوك ) دون النظر الى الافق لرؤية ضخامة ومتانة عجلة الاعلام الصهيوني وهي تفرم انفعالات ( الفلسطينيين المظلومين ) العفوية, وتعيد تصنيعها وتدويرها بعد تجريدها من مضمون الصراع بين الحق والباطل, فتصدرها الى المجتمع الدولي, لتشكيل حصن دفاعي لمواجهة هجومنا السياسي في ميدان القانون الدولي, أي ان دولة الاحتلال تضرب وقائياً واستباقيا،لإفشال تحرك القيادة الفلسطينية على جبهة مجلس الأمن, ولإقناع العالم, ان الاحتلال وتكثيف الاستيطان, وتسليح المستوطنين, خير وسيلة لحفظ أمن المستوطنين المهددين بالذبح على طريقة داعش.
كان على الذين تسرعوا برد فعلهم, فهللوا وصفقوا لصور سكاكين ملطخة بدماء المستوطنين, والمصلين رواد الكنيس اليهودي بالقدس الغربية, ان يفكروا لمرة واحدة أن الهجمات على دور العبادة ليست من قيم نضالنا الوطني ولا من أخلاقنا، ولا شرعية دينية لها – بغض النظر ان كانت عمليات الطعن بدوافع فردية او منظمة - اذ وجب عليهم قراءة رعب وخوف هائل ينتاب الرأي العام العالمي، من صور الدماء على سكاكين الهمجيين الداعشيين, المبثوثة بكثافة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي بإمكانها نشر صور دموية مرعبة، تمنع قوانين الصحافة الدولية نشرها بكامل تفاصيلها, وتُنَفذ وفق برنامج دقيق, راعى فيه المعنيون بالنشر خطة عودتهم بعسكرهم ومستشاريهم الى المنطقة ( العراق ), وفق تصاعد درامي تخدمه هذه المشاهد, وهذا ما ستنفذه حكومة دولة الاحتلال لإحكام قبضتها على القدس الشرقية حيث الأغلبية الفلسطينية, والأماكن الدينية المقدسة وإعادة احتلال المدينة بقوات الجيش كبديل عن قوات الشرطة.
ان كان ليس صدفة ابراز الاعلام الاسرائيلي جنسية اربعة قتلى من الخمسة في عملية الهجوم على الكنيس اليهودي بالقدس الغربية, حيث اُشير الى ثلاثة اميركيين وواحد بريطاني, ونعتقد يقينا ان هذا التركيز موجه بالدرجة الاولى الى الادارة الأميركية التي ربما حسبت حكومة نتنياهو انها قد تتخذ موقفا لا يرضيها, عند التصويت على القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن لإنهاء احتلال دولة فلسطين, ورسالة موجهة مباشرة لمجلس العموم البريطاني الذي صوت رمزيا الى جانب الاعتراف بدولة فلسطين مستقلة على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس الشرقية ... فانه ليس صدفة ايضا تزامن تصاعد وتيرة جرائم وإرهاب المستوطنين وقتلهم مواطنين فلسطينيين آمنين, بغطاء من حكومة دولة الاحتلال, بالتوازي مع تصعيد انتهاكاتهم للأماكن المقدسة, وإشعالهم فتيل حرب دينية, وتخريبهم اتفاق عمان بين المملكة والولايات المتحدة ودولة الاحتلال الذي نص على ابقاء الوضع بالقدس على ما هو عليه .
لا يمكننا تبرئة دولة الاحتلال وأطراف لها مصلحة مشتركة معها, من مخطط تفجير جسر العبور الى مجلس الأمن, عبر صب الزيت على النار, وتسخين الحالة في فلسطين المحتلة الى حد الفوران, وضرب العنف بالعنف, والرد على سفك الدماء بسفك الدماء, وهذا يذكرنا بعمليات اغتيال دولة الاحتلال لقيادات فلسطينية, استدرجت ردود فعل تفجيرية في شوارع مدن اسرائيلية, كانت في أغلبها مبرمجة على ساعة توقيت سياسية, عطلت امكانية تحقيق انجاز سياسي فلسطيني مفصلي حسب اتفاقيات اوسلو ... وبنفس الوقت تجبرنا واقعيتنا وعقلانيتنا على السؤال المزدوج هذا : ألم يفكر الذين خططوا ونفذوا الهجوم على الكنيس - ان كان عملهم فرديا او بأوامر من تنظيم او فصيل - بتداعيات ونتائج الانجرار المتسرع ( لشراك ) حكومة نتنياهو ووزراء المستوطنين فيها, على مسار ونتائج معركتنا السياسية في مجلس الأمن ؟!.. ولماذا تنطح (البعض) وربط بين العملية وموقفه من السلطة الوطنية, وطالب بوقف التنسيق الأمني, ما يوحي ان تحرك القيادة الفلسطينية كان مستهدفا بهذه العملية .