حرب العام 1967 عدوان حقق المصالح المشتركة الامريكية الاسرائيلية

بسم الله الرحمن الرحيم ((وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ...)) صدق الله العظيم

صباح الخامس من حزيران فوجئ العالم العربي بعدوان عسكري إسرائيلي على دول الطوق العربية، بدأ بقصف وتدمير المطارات المصرية العسكرية خلال ساعات قليلة مُخرجاً من أرض المعركة ما يزيد على 65% من القوة الجوية المصرية، وفي الأيام التالية إنتقل الهجوم المدمِّر إلى الاردن ثم سوريا، وهذا ما أسفر عن احتلال صحراء سيناء، وقسم من الجولان، وما تبقى من الاراضي الفلسطينية التي كانت تحت وصاية الاردن(الضفة الغربية) ،ومصر (قطاع غزة)، وتُقدَّر المساحة التي احتلتها حوالي(89000)كلم2

 

هذه الهزيمة شكَّلت انتكاسة في الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في العالم العربي آنذاك، وكان لها تداعيات على مختلف المستويات والأصعدة، وطالت مختلف الشرائح ، وبدأت حالة من الإحباط، والانكفاء. هذه الهزيمة التي خيَّبت آمال الشعوب بجيوشها رسَّخت القناعة الكاملة عند القيادة الفلسطينية بضرورة الاعتماد على الطاقات الشعبية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، والانتقال بجماهير الامة العربية من حالة اليأس والبكاء إلى مرحلة الفعل والتأثير ، والتغيير، وحققت عبر أدائها العسكري المميَّز إلتفاف الجماهير العربية حولها. فالثورة الفلسطينية التي انطلقت في 1/1/1965 لم تكن جزءاً من الهزيمة، وانما شكًّلت فيما بعد الرافعة القومية سياسياً ومعنوياً. وأصبحت هذه الثورة وطليعتها حركة فتح الامل الذي تتطلع إليه الشعوب العربية.

 

العدوان الاسرائيلي في 5/6/1967 كانت له مقدمات ودلائل تستوجب نسبةً أعلى من الوعي السياسي والعسكري.

أ‌- الكيان الاسرائيلي نفَّذ عدواناً جوياً على سوريا شاركت فيه ستون طائرة وذلك في 7/4/1967، وابتداء من 15/5/1967 أخذ الكيان الاسرائيلي يحشد على الحدود مع سوريا ، ومقابل قطاع غزة بعد ان قامت مصر بإرسال بعض وحداتها إلى سيناء، وارسال وحدة مظليين إلى شرم الشيخ لتحل محل القوات الدولية التي أخلت مواقعها. كما قامت مصر باستدعاء الاحتياطي العام، وفي 23/5/1967 أعلنت مصر إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الاسرائيلية.

 

ب‌- وصل الامين العام للامم المتحدة يوثانت إلى القاهرة، وأخذ تأكيداً من مصر أنها لن تكون البادئة في الحرب، وان على اسرائيل أن تخلي المناطق المنزوعة من السلاح مثل العوجة تنفيذاً لاتفاقية الهدنه، وأيضاً ان تنفذ الامم المتحدة القرارات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين. بالتأكيد "اسرائيل" لم تكن بوارد الالتزام بالبنود.

 

ج- رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي ليفي أشكول أعلن أن الخطوة المصرية بإغلاق مضائق تيران عمل عدواني ضد اسرائيل. وفي الوقت نفسه قام وزير الخارجية أبا إيبان بلقاء الرئيس الاميركي ليندون جونسون، وجونسون نفسه أرسل رسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر يطلب منه عدم البدء بالقتال حتى لا يعرقل مساعي واشنطن بالسلام ، لكن الرئيس جونسون كان يمثِّل دوراً ماكراً ومخادعاً لصالح "إسرائيل"، فهو من جهة ثانية حرَّك الاسطول السادس في البحر المتوسط، كما عبرت حاملة طائرات أمريكية قناة السويس إلى البحر الاحمر، والمخابرات الاميركية كرًّست جهودها لتقدِّم معلومات عن الجبهة المصرية إلى اسرائيل.

 

د- عندما طلب جونسون من الاتحاد السوفياتي المشاركة في قوة عسكرية مشتركة لرفع الحصار عن مضائق تيران تم رفض هذا الطلب، وقام السوفيات بإبلاغ مصر بالحذر من النوايا الخبيثة لدى واشنطن. وبالفعل في 26/5/67 قامت المخابرات المركزية الاميركية. بإبلاغ جونسون أنّ اسرائيل قد اتمت استعدادتها لشنِّ الهجوم على مصر. كما أكد رئيس هيئة أركان الحرب الاميركية أن التشكيلة العسكرية المصرية في سيناء لا تحمل أي طابع للهجوم.

 

ه- كان الكيان الاسرائيلي قبل 1967 يعاني من أزمة اقتصادية جادة وارتفاع نسبة البطاله 12% ،وتراجع نسبة المهاجرين اليهود. ولذلك تعهَّدت الولايات المتحدة بمجموعة من الضمانات لنجاح إسرائيل في حربها، فهي ضمنت لها المساعدات العسكرية المباشرة، واستمرار حماية الدول العظمى للوضع في المنطقة، والمساعدة على تأجيج الصراعات العربية القائمة.

 

و- عندما أقدمت اسرائيل على عدوانها الشامل كانت تشعر بارتياح لأنها واثقة من الدعم الاميركي المطلق ، كما أنَّ الوضع العربي تسوده حالة من الصراع خاصة في اليمن، كما أنها تمكَّنت خلال الفترة السابقة من استكمال كافة استعداداتها العسكرية كقوةٍ ضاربة قادرة على تشغيل ثلاث جبهات في حرب خاطفة .

 

حركة فتح التي أعلنت الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاسرائيلي في 1/1/1965 كانت السبَّاقة في إدراك الحقيقة الكليَّة بما يتعلَّق بطبيعة الصراع، وعدم انتظار الجيوش العربية، وانما استندت الى استراتيجية فعَّالة تعتمد على حرب التحرير الشعبية، واعطاء الأولوية لبدء الصراع العسكري دون انتظار تحقيق الوحدة العربية، لأن الكيان الاسرائيلي نفسه هو سبب حالة التمزُّق العربي، كما أنَّ خوض المعارك ميدانياً هو الذي يوفر الدعم المالي والعسكري، والأهم من ذلك الدعمَ المادي للمخيمات الفلسطينية حتى تخرج من عزلتها وتشارك في ثورتها الرائدة.

 

قبل حرب 1967 تمكّنت القيادة الفلسطينية من تنفيذ (35) عملية في العام 1965، و(41)عملية في العام 1966، و(37) عملية خلال الأشهر التي سبقت الحرب في العام 1967. وهذه العمليات هزَّت أمن العدو المحتل ، ودفعت بالكيان الاسرائيلي إلى التفكير جدياً للقيام بالعدوان لتدمير البنية التحتية للثورة الفلسطينية. إلاَّ ان النتائج كانت عكسية تماماَ، فالقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الشهيد الرمز ياسر عرفات أخذت قرارها الجريء بالتعاطي مع تداعيات الهزيمة، فقد قامت المجموعات الفدائية بتجميع ما تركته الجيوش من أسلحة، والقيام بعمليات عسكرية على مختلف الجبهات لإرباك قوات الاحتلال، وتُوِّج ذلك الجهد الكفاحي بخوض معركة الكرامة رغم الاختلال في موازين القوى؛ مؤكدين للامة العربية بأنَّ الهزيمة كانت للجيوش وليس للشعوب. وهكذا شكَّلت الثورة الفلسطينية باستراتيجيتها النضالية مركزَ استقطاب الشباب العربي لينخرط في الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي.

 

إنَّ القيادة الفلسطينية التي انتشلت الأمة العربية من هزيمة العام 1967 هي القادرة اليوم أيضاً على تأدية الدور المحوري عربياً عبر جَمْع الاطراف حول القضية الفلسطينية، القضية المركزية للأمة العربية والاسلامية، وعَبْرَ قرْع أبواب الامم المتحدة لتتحمل مسؤولياتها تجاه حقوق شعبنا، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتطبيق القرار الدولي 194 القاضي بحق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

 

لا شك بأنّ هذا الدور المركزي والمحوري لمنظمة التحرير الفلسطينية مرهون بالنجاح في تطبيق المصالحة الفلسطينية التي زرعت الأمل في نفوس ابناء شعبنا في الداخل والشتات، ووضعت الاسس لإعادة اللحمة، وتفعيل المواجهات ضد الاحتلال على كافة الصعد،والتي ستقود حتماًَ إلى الاتفاق على البرنامج السياسي الكفيل بتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، والاتفاق على كل ما يخصُّ المقاومةَ والمفاوضات، والحفاظ على الثوابت الوطنية، والنضال من أجل حق تقرير المصير لشعبنا، وانتزاع الاعتراف الدولي بدولتنا كي نصبح دولة عضواً في الجمعية العمومية بكامل العضوية.

 

في هذه المناسبة نتوجَّه بالتحية والتقدير الى قيادة م.ت.ف ،وعلى رأسها الرئيس ابو مازن الذي أثبت تمسُّكَه بالثوابت الوطنية رغم كل الضغوطات، ورغم كل الظروف الصعبة المحيطة بنا.

كما نتوجه بالتحية إلى أبناء شعبنا في الداخل وفي الشتات، ونؤكد بأنّ حق تقرير المصير قادم، وأنّ حق العودة إلى أراضينا قائم، وأنّ النصر صبُر ساعة.

كل التحية إلى الشهداء وأهالي الشهداء، وإلى الأبطال الصامدين في المعتقلات والزنازين الاسرائيلية، التحية إلى الجرحى والمعوَّقين الشاهدين على التاريخ النضالي الفلسطيني وكفاحه الوطني.

التحية إلى القدس وأهلها وهم يخوضون معركة مواجهة الاستيطان والتهويد بينما الأمة العربية والاسلامية تبخل عليهم حتى بالمال لمواجهة المشاريع التدميرية التي باتت تهدِّدُ إقصانا، وأماكن العبادة، وثراثنا التاريخي والحضاري.

التحية إلى شعوبنا العربية، وإلى الحراك الشعبي الطامح إلى تكريس الحرية والديموقراطية والعدالة من اجل احتضان القضية الفلسطينية، وتوحيد الامة العربية.

في ذكرى هزيمة العام 1967 نؤكد أنه عندما تتوافر الارادة السياسية يُهزم الكيان الاسرائيلي، فقد هُزم في معركة الكرامة، وعندما حاصر بيروت أثناء الاجتياح العام 1982، كان الصمود اللبناني الفلسطيني، وفي جنوب لبنان في العام 2006، هُزم العدوأمام المقاومة، وفي العام 1973 عندما أثبتت الجيوش العربية قدرتها على المواجهة العسكرية. إنَّ أمتنا ليست عاقراً وتاريخها يشهد لها. والنصر آتِ آت بإذن الله.

واننا لعائدون