حتى حلفاء اسرائيل المقربون جدا والذين اعتادوا تاريخيا على الدفاع عنها والتغطية على خطاياها، اصبحوا هذه الايام عاجزين تماما عن الدفاع عنها او تبرير سلوكها الذي هو نوع من الارهاب المفضوح، سواء على مستوى السلوك السياسي للحكومة التي يرأسها نتنياهو والذي لا يعنيه شيء اكثر من بقائه في مقعد رئيس الوزراء، او على مستوى السلوك العسكري والامني الذي يمارسه جيش الاحتلال الاسرائيلي وأجهزة الاحتلال الأمنية التي شنت حربا تدميرية شاملة ضد قطاع غزة استنادا الى حكاية لا نعرف اصلها، وهي اختطاف الشبان الاسرائيلين الثلاثة الذين تم قتلهم، فبعد كل الموت الذي ارتكبته اسرائيل، وبعد كل الدمار الذي يحتاج ربما الى عشرات من السنين لاصلاحه، قياسا الى دمار حرب 2009 وحرب 2012 التي لم يتم اصلاحها حتى الآن وما اكثر الاعذار لذلك، أما الحرب الاخيرة فقد اعتمدت على الرواية الاسرائيلية من طرف واحد، بينما النهاية كانت موت الشبان الاسرائيلين المخطوفين الثلاثة، واغتيال المتهمين الفلسطينيين وهما القواسمة وابو عيشة وقتل السر كله معهما، ولم يكن في يد الاسرائيليين سوى اعتراف ملتبس يثير الشكوك قدمه مجانا صالح العاروري من قيادات حماس الذي ابعد في صفقة شاليط الى تركيا، وهي اعترافات ما تزال في طور اللغز الذي يحتاج الى توضيح.
بعد الحرب واصل الفلسطينيون المصالحة التي نتمنى لها ان تتعزز اكثر، وواصلت القيادة الفلسطينية مشروعها في الاشتباك السياسي على قاعدة هدفها الوطني بطلب عضوية كاملة لفلسطين من مجلس الامن الدولي، بينما اسرائيل تكرر لاءاتها المعربدة، وتقوم باستفزاز مجنون للشعب الفلسطيني عبر العدوان والانتهاكات والافتحامات وقتل الاطفال والتهديد بما هو اكثر من ذلك ! ولا تقدم خطة جديدة، ولا تقدم بديلا آخر، وتتجاهل التطورات الجارية على صعيد المجتمع الدولي، بحيث ان حلفاء اسرائيل اصبحوا محرجين، فماذا يقولون وحليفهم المدلل يرفض حتى مقترحاتهم مهما كانت بسيطة، ومن يقول منهم كلمة واحدة لا تعجب اسرائيل يلقى من الهجوم القاسي مالا يتحمله احد.
يجب ان نعد العدة لما هو اصعب، ولما هو عربدة اسرائيلية اكثر، فهذه الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو تخشى السقوط، طريقة عجيبة وغير مسؤولة، حيث نتنياهو يجامل قطعان المستوطنين كي يدعموه، ويغض النظر عن مجموعات الارهاب الاسرائيلية ويترك لها الحبل على الغارب، وينحني امام اليمين العلماني والديني بكل بشاعاته، ويترك للمجانين الارهابيين من اعضائه ان يقدموا مشاريع القوانين على هواهم كما هو الحال بخصوص تقسيم المسجد الاقصى زمنيا ومكانيا حيث من المتوقع طرح هذا القانون على الكنيست الشهر المقبل، غير مبالين بردود الأفعال الفلسطينية التي تستند الى اتفاقيات وقررات دولية، وغير مبالين حتى بالوصاية الأردنية على المسجد الأقصى وبقية المقدسات بالقدس، مع ان الاردن شريك معهم في معاهدة سلام رئيسية، وغير مبالين بالنظام الاقليمي العربي حيث يعتقدون انه مستوعب في محاربة داعش ولا شيء آخر، وغير مبالين بحقوق وكرامة المسلمين على افتراض ان همومهم تطحنهم بما فيه الكفاية، وكأن اسرائيل وحدها في يدها مقاليد الواقع ومفاتيح الغيب تفعل ما تريد.
وفي توقعاتنا بما هو اقسى واصعب في هذا الصراع المحتدم يجب ان نحسب الامور بميزان من ذهب، ويجب ان نحتشد في وحدتنا وصراعنا فلسطينيا من اجل البقاء بوعي جديد لا يشبه من قريب او بعيد انشغالاتنا المزيفة في مماحكات تافهة ما زال البعض يتشبث بها كأنه فاقد الوعي لا يعرف ماذا يجري أو انه عاجز كليا حتى الشلل عن التكيف مع مستجدات الصراع.
اذا كانت اسرائيل لا تقدم اية مبادرة ولا تستجيب لحلفائها الاميركيين ولو قليلا فهذا يعني ان الصراع مفتوح الى اقصى مدى، ونحن في بؤرة هذا الصراع وفي وقت حرج جدا، ويجب ان ننتج اكبر قدر من الافكار والرؤى والخيارات، لان من ينخرط في هكذا معركة مفتوحة لا بد ان يوسع دائرة الحوار مع الذات ومع الاخر، لان الزمن السياسي العالمي في هذه المرحلة مشغول بكل انواع الاهتمامات، ومسكون بكل انواع الاحتمالات، ولا بد ان يكون لدينا بدائل وخيارات وتحضيرات كثيرة، وكم مرة دخلنا في عمق المأزق الصعبة وخرجنا سالمين بسبب ان قضيتنا حاضرة في كل الاتجاهات، وفي هذه الحالة يجب ان نتوقع الأصعب بينما نحن نأمل الأفضل، فهذا هو الصراع حيث الحقائق فيه تفوق كل الآمال، وفن البقاء هو محور الصراع.
عدونا الاسرائيلي اصبح عاجزا ورافضا ان يكون شريكا في السلام، وحلفائه الكبار حتى الآن عاجزون عن دفعه الى السلام، وانكفائه العنصري يجعل التعامل معه بالمعايير السابقة من سابع المستحيلات، اذا نحن في حرب عاصفة ويجب ان نتهيأ لها بمعنى الكلمة.