ضمن برنامج زيارة لجمهورية بولندا في الاسبوع الأول من ايلول الحالي تمت زيارة متحف الانتفاضة الوطنية البولندية في وارسو (آب 1944) ضد المانيا النازية.
قاد ووجه الانتفاضة حكومة المنفى البولندية من لندن أثناء الحرب العالمية الثانية، التي كانت نيرانها ومحرقتها تهرس ملايين البشر من مختلف القوميات والأديان والثقافات في اوروبا.
راهن الشعب البولندي الصديق آنذاك على إمكانية التخلص من الاحتلال الالماني الوحشي، ومحاولا استباق المساومات وخرائط التقسيم الجديدة لاوروبا بعد الحرب، لعله بانتفاضته يتمكن من رسم ملامح بولندا السيدة المستقلة بعيدا عن عمليات الاستقطاب والاستحواذ، لا سيما ان البولنديين، يؤكدون وجود اتفاقية سرية بين المانيا الهتلرية وروسيا السوفييتية بقيادة ستالين لاقتسام بولندا عشية الحرب العالمية الثانية في أيلول1939.
لم تنجح الانتفاضة البولندية الشجاعة في تحقيق اهدافها الوطنية، وكان من آثارها التدميرية أن الالمان النازيين قاموا بتدمير وارسو تدميرا شاملا، حيث تم اجتثاث أحياء بكاملها من عمارتها وسكانها دون رحمة بالأطفال او النساء او الشيوخ، وتمت ابادة الحجر والبشر والزرع والضرع وكل معالم الحياة. واستفرد النازيون بالشعب البولندي المكافح من اجل الحرية والاستقلال.
نجحت الانتفاضة البولندية بقتل ستة عشر الفا من النازيين الالمان، ودمرت العشرات والمئات من المدرعات والمعدات والاسلحة ومراكز الجيش النازي المحتل. غير انها فشلت في التحرر من النازية والاحتلال آنذاك، مع الجيش الأحمر الروسي على الضفة المقابلة لجبهة الانتفاضة. وألقت الطائرات السلاح للمنتفضين، غير ان للبولنديين وجهة نظر غير ايجابية في قراءة الدعم السوفييتي آنذاك.
ما استوقف المرء، المشهد الذي رآه لعملية التدمير الوحشية لآلة الحرب النازية الالمانية للعاصمة القديمة وارسو، حيث لم يبق حجر على حجر. ذات المنظر، الذي خلفته آلة الحرب الهمجية الاسرائيلية لمناطق واحياء مدينة غزة الشرقية وكل المحافظات الخمس الجنوبية في حربها البربرية المسعورة الأخيرة، التي استمرت من 7/7 حتى 23 /8/2014، تقريبا المدة الزمنية بين حرب النازيتيين الاسرائيلية والالمانية على الشعبين متقاربة، الانتفاضة البولندية مدتها 63 يوما، وحرب إسرائيل الوحشية 51 يوما. لكن النتائج متشابهة جدا.
من رأى الفيلم القصير، الذي يعرضه متحف الانتفاضة الوطنية ورأى حجم الدمار للحرب الاسرائيلية المنفلتة من عقالها على قطاع غزة، يلحظ، ان هناك تشابها عميقا جدا بين الأعمال الوحشية للنازيتيين، لا بل تكاد تختلط على المرء الصورة، فالمشهد متشابه إلى حد غير عادي ولافت للنظر.
كما ان عمليات القتل رغم الفارق الكبير بين ضحايا الانتفاضة البولندية ضد النازية الالمانية وضحايا الحرب الاسرائيلية، إلا ان المنهجية، هي ذاتها للنازيتيين الاسرائيلية والألمانية. وبالتالي حين يؤكد المرء في زاويته، ان إسرائيل باتت من زمن بعيد تتخندق في خنادق الفاشية والنازية، لم يكن يغالي، أو يود تضخيم الارهاب المنظم لدولة الاحتلال والعدوان والفاشية الاسرائيلية، بل كان يشخص بشكل علمي ومنهجي صعود النازية الاسرائيلية، وتربعها على عرش القرار السياسي والعسكري الاسرائيلي، وهو ما يفرض على كل القوى المحبة للسلام في دول الاقليم والعالم التنبه للاخطار المحدقة بالسلام وشعوب المنطقة والسلم العالمي برمته. لان إسرائيل مرتبطة بشبكة علاقات عالمية قد تمس به، وتترك بصمات سوداء وقاتمة عليه، بالضرورة ستلقي بظلالها على منظومة العلاقات الاقليمية والدولية.