يلتقي وزير الخارجية الاميركي جون كيري اليوم الاربعاء مفاوضين فلسطينيين في واشنطن لبحث وقف اطلاق النار في غزة ومسائل اخرى، وفقا لما اعلنته وزارة الخارجية امس. وقالت المتحدثة باسم الوزارة جين بساكي للصحفيين ان كيري سيتحادث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت لاحق. ويأتي اللقاء الفلسطيني الاميركي في ظل اعلان اسرائيل عن مصادرة أربعة آلاف دونم من اراضي الخليل وبيت لحم بهدف التوسع الاستيطاني في "غوش عتصيون" الأمر الذي انتقدته الولايات المتحدة بشدة وكذلك الاتحاد الاوروبي، وأثار جدلا وانتقادا داخل الحكومة الاسرائيلية. فيما أكدت تقارير إسرائيلية أن نتنياهو، لا يعتزم دفع حل سياسي مع الجانب الفلسطيني، وأن معظم أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينيت" يشاركونه الرأي، وفي تصريح وصفته القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي بإقفال الباب أمام استئناف المفاوضات، قال نتنياهو خلال جلسة عقدتها لجنة الخارجية والأمن قبيل شن العدوان الأخير على قطاع غزة "لن نطلق مزيدا من الأسرى لصالح (الرئيس محمود عباس) ابو مازن". في غضون ذلك، دعا زعيم المعارضة في اسرائيل اسحق هرتسوغ، وزير المالية يائير لبيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني الى عدم الاكتفاء بانتقاد الحكومة بل بالخروج منها.
واتخذت الولايات المتحدة امس خطوة غير معتادة بانتقاد إسرائيل علنا بسبب خططها لمصادرة أراض في الضفة الغربية ودعتها إلى العدول عن قرارها. وقالت جين ساكي المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان "نحن قلقون للغاية بشأن إعلان مساحة كبيرة (أراض مملوكة للدولة) يمكن استخدامها في توسيع البناء الاستيطاني... وندعو حكومة إسرائيل للعدول عن هذا القرار".
وجاء تصريح ساكي تأكيدا لتصريحات أدلى بها مسؤول أميركي الاثنين. وتابعت ساكي "وأننا أيضا قلقون جدا من التقارير بأنه ستصدر في أي لحظة الآن إعلانات عن مستوطنة جديدة وبناء في القدس الشرقية أو مخطط بناء. ويشمل ذلك منطقة (جفعات هاماتوس) الحساسة في القدس الشرقية". وقالت "هذه الخطوات تتناقض مع هدف إسرائيل المعلن التفاوض للوصول إلى اتفاق للوضع النهائي مع الفلسطينيين.. وهو يوجه رسالة مقلقة للغاية".
من جانبه، قال الاتحاد الأوروبي في بيان امس "المستوطنات غير شرعية وغير قانونية وتشكل عقبة أمام السلام وحل الدولتين وفي فترة حساسة كهذه يجب الامتناع عن أي عمل قد يهز الاستقرار ويمس في مستقبل المفاوضات بعد وقف إطلاق النار في غزة لذلك ندعو حكومة إسرائيل إلى التراجع عن قرارها هذا كما نعرب عن قلقنا الشديد من التقارير المتعلقة ببناء مستوطنة جديدة وبناء استيطاني في منطقة حساسة في القدس الشرقية وهذه الخطوات تتعارض مع أهداف إسرائيل المعلنة المتمثلة باتفاق مع الفلسطينيين يتعلق بالوضع النهائي كما وتبعث هذه الخطوات برسالة قلق كبير إذا استمرت ونحن بدورنا نواصل التشديد أمام الطرفين معارضتنا لأي خطوات أحادية الجانب من شأنها أن تمس فرص إجراء مفاوضات تتعلق بحل الدولتين".
وقال مسؤولون فلسطينيون إن كبير المفاوضين صائب عريقات سيقدم اليوم خطة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري يدعو فيها لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية.
وسيعقد عريقات ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين كبار في واشنطن سيضغطون خلالها من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وقال مسؤول فلسطيني مطلع على الخطة التي سيقدمها عريقات إن النقاشات مع كيري ستركز على "وضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي على أن تنال الموافقة عليها في أقرب وقت ممكن وليس بعد نهاية هذا العام".
وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير إنها تتوقع وضع جدول زمني محدد لإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها. وقالت عشراوي خلال مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك "لا أريد أن أعطيكم (جدولا زمنيا) محددا لكن لنقل إننا يجب أن نعرف خلال ثلاثة أعوام أن الاحتلال سينتهي".
واعلنت عشراوي ان قيادة المنظمة ستسعى لدى مجلس الامن الدولي لتبني قرار يطلب انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية خلال ثلاثة اعوام. لكنها اقرت بان الولايات المتحدة ستستخدم فورا حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار مماثل، واضافت "نعلم بأن الولايات المتحدة يمكنها استخدام الفيتو في مجلس الامن ونحاول اقناعهم بالاصغاء الى صوت المنطق".
وتطرقت ايضا الى امكان تبني قرار غير ملزم في الجمعية العامة للامم المتحدة. من جهة اخرى، هددت عشراوي مجددا باللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية التي يستطيع الفلسطينيون الوصول اليها انطلاقا من كونهم دولة مراقبا غير عضو في الامم المتحدة منذ 2012.
وهذه الخطوة تتيح البدء باجراء قانوني بحق المسؤولين الاسرائيليين على خلفية الهجوم الذي شنته اسرائيل اخيرا على قطاع غزة. لكن عشراوي لم تحدد موعدا لاتخاذ هذا التدبير وقالت "نريد احالة اسرائيل امام المحكمة الجنائية الدولية. ليس لدينا موعد محدد، لدينا برنامج تحرك".
وأثار قرار اسرائيل بمصادرة اربعة آلاف دونم، وعدم استعداد نتنياهو للدخول في عملية سياسية، جدلا داخل الحكومة الاسرائيلية. وقال وزير المالية يائير لبيد في مؤتمر اقتصادي امس بعد الحرب على غزة ان هذا القرار "يلحق ضررا بدولة اسرائيل". وقال انه بعد حرب غزة، اصبح "الحفاظ على الدعم الدولي صعبا بالفعل. ما الحاجة الى خلق أزمة جديدة مع الولايات المتحدة وبقية العالم؟".
وأكد لبيد "نحن بحاجة لقيادة سياسية أكثر عمقا لعدم خلق ازمات لا داعي لها مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي". ويتزعم لبيد حزب "هناك مستقبل" الوسطي وهو عضو في الحكومة الامنية المصغرة.
بدورها، قالت وزيرة القضاء تسيبي ليفني الاثنين ان مصادرة هذه الاراضي "تضعف اسرائيل وتقوض امنها". واعربت ليفني المسؤولة عن المفاوضات مع الفلسطينيين عن خشيتها من ان يسيء هذا القرار بالعلاقات المتوترة اصلا مع الولايات المتحدة.
في المقابل، سارع وزير الاقتصاد نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف المؤيد للاستيطان والذي يعد من الصقور المتشددين في الحكومة الى تبرير قرار مصادرة الاراضي. وقال "منذ 120 عاما والعالم يعارض قيامنا بالبناء، ونحن سنواصل القيام بذلك". وتابع "حماس تقوم باغتيالنا ونحن نقوم بالبناء".
ولم يكتف وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان الذي يقيم في كتلة استيطانية ستضم اليها الهكتارات الـ400 بالدفاع عن القرار، بل ذكر بأن كل هذه الكتلة ستبقى "تحت السيادة الاسرائيلية" حتى لو تم التوصل الى اتفاق شامل مع الفلسطينيين.
وتعد انتقادات لبيد وليفني مؤشرا الى الانقسامات داخل الحكومة الاسرائيلية والتي تفاقمت بسبب الحرب على قطاع غزة والمستمرة بسبب الخلاف على مواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين ام لا.
الا أن زعيم المعارضة ورئيس حزب "العمل" اسحق هرتسوغ انتقد لبيد وليفني وقال "انهما يأخذان الكعكة ويأكلانها"، وأوضح "لبيد وليفني ينتقدان الحكومة منذ يومين، وعليهما الآن الانتقال من الأقوال الى الأفعال". وأضاف هرتسوغ "الاثنان حاليا جزء من الحكومة التي تدمر طبقتي الفقراء ومتوسطي الدخل. هي نفس الحكومة التي تقوم بتخريب أي فرصة لعملية سياسية توفر الأمن الاسرائيلي". وتابع "على لبيد وليفني الاختيار بين مسار نتنياهو أو مسار تخليص اسرائيل من أزمتها".
وأكدت تقارير إسرائيلية أن نتنياهو، لا يعتزم دفع حل سياسي مع السلطة الوطنية الفلسطينية الى الأمام، وأن معظم أعضاء المجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينيت" يشاركونه الرأي، فيما كشفت صحيفة "هآرتس" أن جلسة "الكابينيت" التي عقدت الخميس الماضي شهدت جدلا محتدما وصل إلى حد الصراخ بين وزير الجيش موشي يعلون، وليفني التي دعت لإطلاق مبادرة سياسية من أجل مواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ولقي اقتراح ليفني معارضة من عدد من الوزراء على رأسهم يعلون حيث دعا إلى «عدم التسرع بدفع عملية سياسية»، وأبدى تحفظا من التعامل مع حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية . فيما قالت ليفني بأنه «يتعين على إسرائيل إطلاق مبادرة سياسية جادة من أجل مواجهة الهجمة القضائية والدبلوماسية المتوقعة في أعقاب الحرب".
ونقلت الصحيفة عن وزير شارك في الجلسة أن النقاش المحتدم عكس الخلاف العميق بين مركبات الائتلاف حول الموضوع الفلسطيني. وأشار إلى أن ليفني ولبيد يضغطان باتجاه إطلاق مبادرة سياسية، لكنهما يمثلان أقلية داخل المجلس. وتوقع أن يبادرا للانسحاب من الحكومة في حال استمرار الجمود لسياسي. وقال": "بخلاف الرأي السائد، فإن الموقف من العملية السياسية هو الذي يهدد استقرار الحكومة لا موازنة عام 2015".
وقالت الصحيفة إنه قبل نهاية الجلسة قال يعلون إنه «ينبغي استخلاص الدروس مما حصل في غزة حينما نتحدث عن انسحاب جديد أو عن تقييد حرية الجيش في الضفة الغربية كجزء من حل سياسي مع الفلسطينيين». وأضاف: "يقولون لنا أن الحل السياسي سيحل المشكلة في غزة. لكن حيث لا يتواجد الجيش الإسرائيلي تنشأ تهديدات من حماس وجهاد إسلامي وجهاد عالمي مع قذائف صاروخية وراجمات". وقال إن الاستنتاج بعد الحرب على غزة أن «إسرائيل لا ينبغي أن تهرول باتجاه عملية سياسية»، ولا ينبغي منح الشرعية لحكومة المصالحة الفلسطينية.
فردت ليفني بالقول إنه يتطلب إطلاق مبادرة سياسية جادة. وقالت "إن الطريق لتحقيق ذلك تمر من خلال مسارين: تجديد المفاوضات حول الحل الدائم مع الرئيس محمود عباس وحكومته، ومن جانب آخر دفع مبادرة دولية بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى لتغيير الواقع في غزة. خطوة من هذا النوع يمكنها إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة ومنع تسليح حماس وفرض رقابة على عمليات إعادة البناء".
وأعتبرت أن الاكتفاء بوقف الحرب دون القيام بشيء، أمر خاطئ، وقالت ليعلون: "اذا كان هذا ما تعتقده، اذهب إلى سكان غلاف غزة واحدا واحدا وقل لهم : أن يبدأوا بالاستعداد لجولة حرب أخرى. نحن بذلك نفوت فرصة نزع السلاح من غزة وتحقيق الهدوء للسكان".
وقالت «هآرتس»:" رغم حديث نتنياهو مؤخرا عن "أفق سياسي جديد" نتج بعد الحرب، إلا أنه أبدى في جلسة الكابينيت وفي مقابلات تلفزيونية مواقف متماثلة مع مواقف يعلون. و"نتيناهو كما يبدو في الوقت الراهن لا يعتزم الدفع بمبادرة سياسية في الشأن الفسطيني». وأضافت أن «وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي حاول استيضاح موقف نتنياهو من تجديد المفاوضات مع الفلسطينيين – أدرك ذلك».
وقالت الصحيفة إن الجنرال الأميركي، جون ألن، الذي وكله كيري بتقديم تصور للترتيبات الأمنية في الضفة الغربية اجتمع مع نتنياهو ويعلون الأسبوع الماضي، واستمع منهما إلى مواقف صقورية أكثر من الماضي وتلخص موقفهما بأن إسرائيل استخلصت من درس غزة أنها ينبغي أن تحتفظ بحرية عمل عسكري في الضفة الغربية ايضا وليس فقط على طول نهر الأردن. وقالا إن المحادثات مع السلطة الفلسطينية ينبغي أن تتركز بقطاع غزة لا بتسوية سياسية في الضفة تشمل رسم حدود أو عرض خرائط. وقالا إن إسرائيل معنية برؤية عودة حرس الرئاسة إلى معبر رفح ولمنطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر. ويريدان أن تلعب السلطة دورا مركزيا في إعادة إعمار غزة، وفي منظومات الرقابة على تحويل المرتبات، وقالا: فلنر كيف يمكن أن يتدبر أبو مازن الأمور في غزة وبعد ذلك نتحدث عن أمور أخرى".
وكشفت القناة الثانية الإسرائيلية، امس، أن نتنياهو أعلن في جلسة مغلقة بأنه لن يتم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين إضافيين. ونقل عن نتنياهو قوله "أدلى أبو مازن بأقوال مهمة في مجال إدانة عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة لكن هذه الأقوال تتعارض مع الاستقبال الذي نظمه للاسرى الذين تم إطلاق سراحهم ومع الرواتب التي تدفع لهم وعملية التحريض".