لربما منذ زمن طويل لم يتشكل وفد فلسطيني رفيع، ليعبر عن وحدة الموقف الفلسطيني، حيث عاش كثير من الأطراف على وقع الهزائم الميدانية السياسية، سواء الداخلية فيما بيننا، ومع عدونا التي هي هزيمة بمنطق علو الصوت للخلافات داخل كل تنظيم على حدة، وبين الفصائل بعضها البعض حتى طغت هذه الخلافات -خاصة منذ الانقلاب في غزة عام 2007 -على التناقض الرئيسي ضد الاحتلال.
لم تفِد التنقلات بين العواصم والمدن من صنعاء الى دمشق ومكة والدوحة واسطنبول والقاهرة في تحقيق الوحدة الوطنية التي سطرت على الورق مرارا، وضُربت لها المواعيد، كما لم تستطع وثيقة الأسرى إلا أن تحدث تراكما ايجابيا لم يرتق لمستوى تحقيق الوحدة الفعلية.
وقف الرئيس ابو مازن وقيادة حركة فتح بشراسة ضد كل الهجمات أو الدعوات أو الضغوطات لتحقيق الفصل مع غزة، ومع حركة حماس أكانت هذه الدعوات خارجية جاءت من الولايات المتحدة الأميركية، أو من السلطة الإسرائيلية، أو من بعض الدول العربية، أو جاءت داخلية من بعض الأصوات القادِحة الذامّة المتذمرة أبدا داخل حركة حماس الساعية للتميز، أو من بعض الأصوات المرتعشة من الوحدة الوطنية ممن يحسبون أنفسهم على حركة فتح، وما كان لهذه الوقفة الصلبة إلا أن تثمر صبرا وصمودا وثباتا في المجال السياسي والجماهيري وفي مجال إحداث مساحة أوسع للتقارب رغم عنف الرياح بالاتجاه الآخر.
هل نستطيع القول ان الوفد الموحد في القاهرة كان نتيجة (إنهاك) قد حصل لكل محاور التفريق من المرتعشين والمتذمرين في الداخل والخارج، أو أنه جاء لانشغال اللاعبين بقضايا الإقليم الأخرى؟! أم لسبب نمو أو نضوج الوعي الفلسطيني بخطورة الاستمرار مشتتين ام ماذا؟ 
نستطيع أن نرجع الموقف الفلسطيني الموحد اليوم لعوامل عديدة ولكننا لا نستطيع أن نهمل حقيقة كبرى هي أن الدم فعلا قد وحد الموقف في طريقه لتوحيد الأداء فالفكرة.
محمد أبو خضير ودماء شعبنا البطل في غزة بعد 4 حروب، ودماء أبناء شعبنا في هبة مسيرة الـ 48 الفاً في رام الله، وفي الضفة والقدس مثلت العلامة الفارقة في تحقيق الوحدة.
أما الحقيقة الثانية فهي ان (العيال كبرت)، نعم، فلقد كان للشارع الفلسطيني لمن نسي أو تناسى فعلا وعملا عالي الصوت في إشعال المقاومة الشعبية، وفي دعواته لردم هوة الخلافات، وإنهاء الانقلاب سواء في خارج الوطن أو من داخله، وبذا يتكامل الوعي الوطني المتعاظم مع الدم الفلسطيني ليصبا في نهر الوحدة.
رغم كل ذلك فإننا بحاجة إلى عمل الكثير لتحقيق وحدة الخطاب ووحدة الأدوات (السلطة والمنظمة..)، ووحدة الرِّباط أمام التناقض الرئيسي، وما نحن الا على العتبة التي ان اجتزناها وصلنا وان ترددنا اواستمعنا للمخرّصين المتذمرين المرتعشين أصحاب الفتن انتكسنا.
لقد استطعنا أن نحقق مكاسب ستة –باعتقادي- عبر حراكنا الموحد في القاهرة ما نرى بوادره المبشرة في الفعل والخطابات، أو كما قال الأخ عزام الأحمد (موحدون في الشكل والمضمون) لكل أعضاء الوفد – مع التحفظ على بعض التصريحات السلبية لبعض الفصائل خاصة من خارج الوفد – ما يظهر أننا بدأنا نؤسس لحالة من "الوعي" المشترك والحوار المشترك (نأمل دوامها)، وما يعنيه ذلك من وعي ديمقراطي متزايد، وبناء آليات اتصال تحقق معادلة "التقبل والتفهم والتجاور" للأفكار والآراء هذا أولا.
أما ثانيا فان الحوار والرأي والرأي الآخر ليس بالضرورة أن يُحدِث التناغم او التناسق، ولكن ذلك لحسن الحظ فلقد ظهر مثل هذا التناغم من خلال العمل والنتائج حتى الآن على الأقل، ما يجعلنا نضع سمة التناسق والتناغم وترتيب الخطوات أساسا لأي وحدة في مواجهة الأخطار.
أما ثالثا فإن الخطاب الموحد قد أعلن عن نفسه واحتفظ الاخوة بخلافاتهم في الداخل ما هو تعبير أصيل عن مفهوم الوحدة مقابل التناقض الرئيسي وإبقاء النقد في اطار التناقض الثانوي في مجاله وعبر أطره.
أما النقاط الثلاث الأخرى فتمثلت بعملية "عزل" الفكر الاقصائي الذي لا يرى غيره سواء لأسباب مصلحية او ارتباطات خارجية او لدوافع فكرانية (أيديولوجية)، كما تمثلت بعزل أصحاب الفكر التفريطي الذين ظنوا ان الاستسلام والخضوع والانصياع هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كما تم عزل دعاة الفتنة والفرقة وتجار الانقسام الذين ظهروا بقوة فترة الحرب على غزة وما زالوا يُطلّون علينا في الفضائيات، ومن شبابيك وسائل التواصل الاجتماعي لعلهم ينتصرون، وما هم بمنصورين ان شاء الله.