قال الرئيس محمود عباس في لقائه مع الأكاديميين بمقر الرئاسة في رام الله « اعتبر كل طفل وكل شاب في الشعب الفلسطيني بمقام ابنائي وأنا مسؤول عن حمايتهم».. اذن نحن امام رئيس وقائد متحرر من هالة الزعامة وبهرجتها وهوسها, وبريق الأضواء الاعلامية وزيفها, مقارنة مع اشخاص لا يكفون عن تقديم انفسهم كزعماء وقادة أو أمناء عامون لحركات وجبهات وأحزاب, وآخرون جاء بهم الزمان الى المواقع الاولى في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية, فترى احدهم فيما تكاد شرايينه تنفتق من بين عضلات رقبته, ولسانه يكاد يقدح شررا وهو يستخدم اطفال وشباب فلسطين الضحايا ككلمات نارية في خطاباته التعبوية التي لم تستطع حماية الشعب الفلسطيني منذ حلول النكبة عليه منذ حوالي مئة عام, فأمثال هؤلاء لا يرون الانسان الفلسطيني إلا كعود ثقاب يقدحونه للاستمتاع بلهيبه أو اشعال حرائق يرقصون حولها كعادات قبائل الغابات آكلة لحوم البشر والحيوانات الوحشية !!.
في مؤتمر للقمة العربية في مدينة سرت الليبية قال الرئيس ابو مازن موجها كلامه لرئيس دولة عربية - لم يطلق جيشه رصاصة واحدة على جيش اسرائيل الذي يحتل ارضه منذ العام 1973 – هذا الرئيس كان دعا الى استمرار الكفاح والمقاومة والقتال ضد اسرائيل, فقال الرئيس: «لا اسمح لأحد باستخدام شعبي في حروبه الخاصة, لكن ان قررتم مجتمعين فإنا سنكون نحن اصحاب القضية في مقدمتكم».
خلال الأيام الماضية علم الفلسطينيون عبر الوسائل المختلفة رد الرئيس على احدهم وهو امين عام مشهور بالغرام والهوى «للمقاومة المتلفزة الهوائية» بعد طلبه بضرورة فتح المجال امام المتظاهرين في الضفة الفلسطينية للوصول الى اماكن الاحتكاك مع جيش الاحتلال, حيث كان رد الرئيس محرجا ( لبطل المواجهات بالفضائيات ) ولكل من يفكر بالارتفاع على سدة البطولة والزعامة على حساب دماء اطفالنا وفتياننا وشبابنا, فقال له الرئيس :» لا مانع عندي ولكن بشرط أن تأخذوا اولادكم وتتقدموا انتم المظاهرات, لا ان تحرضوا الشباب وتتركوهم لرصاص جنود الاحتلال».
قرأنا اثر انتهاء عملية «الرصاص المصبوب» الاسرائيلية على غزة ان رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل اجاب على سؤال لصحفي فرنسي عما اذا كان باستطاعة رجاله مواجهة جيش اسرائيل القوي في المنطقة, فقال في جوابه: «قد يحقق الجيش الاسرائيلي تقدما. . لكن عندما يرى العالم اشلاء ودماء الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين فإن المعادلة ستتغير»!!.
اليوم يطالبون مفاوضات القاهرة بولادة اتفاق يليق بحجم التضحيات, أي بحجم 12000 مواطن فلسطيني استشهد منهم حوالي 2000 اكثر من ثلثهم نساء وأطفال, وحوالي 5000 من الجرحى باتوا في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة فيما المطالب المطروحة كان يمكن تحقيقها بتمكين حكومة الوفاق الوطني وحرس الرئاسة من العمل بقطاع غزة وممارسة صلاحياتها, وتحديدا ادارة معبر رفح - باعتباره المطلب الأول – دونما اراقة دماء طفل واحد. .ونراهم متصلبين وممانعين للوصول الى هدنة دائمة لأنهم يريدون تعزية الباقين من عائلات ابادتها آلة حرب جيش الاحتلال بفتح معبر رفح وتوسيع مدى الصيد البحري وزيادة عدد شاحنات البضائع الداخلة الى غزة !! وموافقة اسرائيلية على فتح الميناء وإعادة بناء مطار غزة وتشغيله, فيما القيادة الفلسطينية تسعى لربط هذه التضحيات بانهاء الاحتلال, وتنفيذ حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بعاصمتها عاصمتها القدس الشرقية, وسيادة على مطاراتها وموانئها البرية ومنافذها البرية وهي معادلة اعظم بكثير مما انتجتها عقول الجالسين في الدوائر المريحة, المختلفين كليا في المنهج السياسي واحترام قيمة الانسان عن العاملين وصناع القرار في الدائرة الصحيحة. .. أما ابو مازن فانه الأقوى لأنه محصن من اغواء وإغراء والهوس بالسلطة والزعامة, فهو محورها ولن يتزحزح من مركزها, لأنها الحق, وصمام امان حركة شعبنا ونضاله نحو الحرية والاستقلال.