سرعت اسرائيل أمس بكثافة وتيرة الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية المحتلتين ردا على تشكيل حكومة الوفاق الوطني ونيلها دعم المجموعة الدولية، فيما حذرت القيادة بانها سترد بشكل غير مسبوق على هذه الخطوة.
واعلنت حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، على دفعتين، عن مشاريع استيطان تشمل بناء اكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية لمستوطنين في الضفة والقدس الشرقية المحتلتين.
وأثار الاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني خصوصا من جانب الولايات المتحدة غضبا اسرائيليا عارما.
وعبر الاتحاد الاوروبي أمس عن "خيبة أمل عميقة" ازاء اعلان الحكومة الاسرائيلية ودعاها الى التراجع عنه.
واعلنت وزارة الاسكان الاسرائيلية في بيان أمس "ردا على تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، طرحت وزارة الاسكان عطاءات لبناء 1500 وحدة سكنية في (يهودا والسامرة) والقدس".
ويشمل استدراج العروض الذي تمت الموافقة عليه 223 شقة جديدة في مستوطنة افرات و484 في بيتار عيليت و38 في جيفع بنيامين و76 في ارئيل و78 في الفيه منشيه و155 في جفعات زئيف و400 في حي رامات شلومو في القدس الشرقية المحتلة حسب البيان.
وقال وزير الاسكان اوري ارييل الذي ينتمي الى حزب البيت اليهودي القومي الديني المؤيد للاستيطان في حديث لاذاعة الجيش الاسرائيلي "هذا هو الرد الصهيوني المناسب عندما يبصقون علينا. أنا أتحدث عن جيراننا (الفلسطينيين) وأيضا عن بقية العالم".
وبعد ساعات على هذا الاعلان، اصدرت الحكومة الاسرائيلية أمرا للمسؤولين بالمضي قدما في خطط لبناء 1800 وحدة سكنية استيطانية أخرى. وقال مسؤول اسرائيلي لوكالة فرانس برس ان "القيادة السياسية أمرت الادارة المدنية بتقديم 1800 وحدة جديدة".
ويتعلق الأمر بالبناء في عشر مستوطنات منفصلة في انحاء الضفة الغربية المحتلة وكلها في مراحل مختلفة من عملية التخطيط.
وقال المسؤول لوكالة فرانس برس "البناء في مناطق ستبقى جزءا من اسرائيل في أي اتفاق سلام بما يعني الأحياء اليهودية في القدس والكتل الاستيطانية الكبرى".
وأدان الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة بشدة إعلان الاحتلال عن عطاءات لبناء وحدات استيطانية جديدة. وقال أبو ردينة في تصريح صحفي: "إن عطاءات الاستيطان الجديدة تأتي في الوقت الذي أعلن فيه العالم عن دعم حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، وعلى إسرائيل أن تدرك أن سياستها الاستيطانية مرفوضة، محذرا من أن القيادة سترد بشكل غير مسبوق على هذه الخطوة".
وأكد أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 غير شرعي ومرفوض، وأن لا سلام مع الاستيطان.
وعبرت الرئاسة عن تقديرها العميق لمواقف جميع دول العالم التي أدانت النشاط الاستيطاني الأخير. وقال أبو ردينة في بيان صحفي: إننا نطالب المجتمع الدولي باتخاذ الخطوات اللازمة لوقف هذه الممارسات الاسرائيلية المخالفة للقانون الدولي. وأضاف: "هذه التصرفات ستؤدي إلى عواقب خطيرة تتحمل إسرائيل مسؤولية ذلك، والقيادة تدرس عدة خيارات لاتخاذ القرارات الضرورية للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني".
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير د.صائب عريقات لوكالة فرانس برس "حان الوقت لمساءلة اسرائيل ومحاسبتها أمام المؤسسات الدولية ذات العلاقة على قاعدة القانون الدولي".
واضاف عريقات "من يخشى من المحاكم الدولية عليه ان يتوقف عن جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني وأولها الاستيطان الذي يعتبر جريمة حرب حسب القانون الدولي".
وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير د. حنان عشراوي في بيان باللغة الانجليزية "تنظر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الى هذا التصعيد الاخير بأقصى درجات الجدية وستتوجه الى مجلس الأمن والجمعية العامة للامم المتحدة لمواجهته باعتباره السبيل الأمثل لكبح جماح هذا الخرق الكبير وضمان المساءلة".
ونبه المستشار السياسي للرئيس نمر حماد أمس من خطورة الخطوات الاستفزازية الجديدة من قبل الحكومة الإسرائيلية على العالم بأسره، بما في ذلك الإدارة الأميركية، التي كان آخرها القرار باعتبار أن القدس الشرقية ليست محتلة.
ونوه حماد في تصريح لوكالة "وفا" إلى أنه يبدو أن نتنياهو وحكومته يعتقدون أن ما تعودوا عليه من ممارسة وضغوط واستخدام الابتزاز لسنوات طويلة؛ لأسباب مختلفة وحجج وذرائع مختلفة، مع قدرتهم على تجنيد قوى متنفذة داخل الولايات المتحدة بما فيها الكونغرس، يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.
ودعا حماد المشرعين الأميركيين أن يعوا مخاطر الانجرار وراء تطرف وعنصرية الحكومة الإسرائيلية.
وعبر حماد عن تقديره لموقف الإدارة الأميركية بشأن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ورفضها ما أعلن عنه من مشاريع استيطانية.
ودعا دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في العالم أن تبدأ بتطبيق مقاطعة من شأنها أن توقظ الأغلبية في المجتمع الإسرائيلية بأن حكومتهم تقودهم نحو كوارث لا يمكن التنبؤ بها الآن.
وخلص حماد إلى القول: "إن استعمال الحكومة الإسرائيلية لموضوع تشكيل حكومة الوفاق الوطني أمر لا ينطلي على أي عاقل، فالاستيطان مستمر، وإغلاق فرص السلام مستمرة، والتعصب متواصل، والتطرف يزداد يوما بعد يوم، وذلك قبل تشكيل حكومة الوفاق الوطني بوقت طويل".
وفي ردود الفعل الدولية، قالت مساعدة الناطقة بلسان الخارجية الأميركية، ماري هارف إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة أمل عميقة. وأضافت: "نعود ونجدد تأكيدنا بأن خطوات من هذا النوع غير مجدية، ولا يمكننا تصور كيف تسهم تلك المستوطنات في السلام".
وأعرب سفير الولايات المتحدة في إسرائيل دان شابيرو، عن معارضة واشنطن للاستيطان في الأرض الفلسطينية. وندد شابيرو خلال لقاء مع إذاعة جيش الاحتلال بالإعلان الإسرائيلي عن بناء وحدات استيطانية جديدة، وقال: "نحن نعارض البناء الاستيطاني، وأيضا الإعلان عن البناء سواء كان ذلك قبل أو بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة". وجدد تأكيد الولايات المتحدة على العمل مع حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية، ورفض الموقف الإسرائيلي الذي يطالب بعدم التعامل مع الحكومة الجديدة.
وقال الاتحاد الاوروبي في بيان "ندعو السلطات الاسرائيلية الى التراجع عن هذا القرار والى بذل كل جهودهم في سبيل استئناف مفاوضات السلام بسرعة" واعرب عن خيبة أمله "العميقة" من القرار الاسرائيلي. واضاف ان "الاتحاد الاوروبي والدول الاعضاء دعوا تكرارا كل الأطراف الى إظهار أكبر قدر من ضبط النفس وتجنب أي عمل احادي الجانب من شأنه ان يضعف جهود السلام واستمرارية حل الدولتين، مثل مواصلة الاستيطان".
وأعربت مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاترين آشتون عن خيبة الاتحاد العميقة من نشر عطاءات جديدة، معتبرة أن هذه الخطوة لا تساعد جهود السلام.
وقالت آشتون في بيان صحفي إن الاتحاد الأوروبي تعهد بمواصلة مراقبة الوضع والعمل وفق الأحداث، مذكرة بأن مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي أكد أيضا التزامه التنفيذ الكامل والفعال لتشريع لديه يتعلق بالمستوطنات.
من جهتها أدانت باريس استدراج العروض الجديد ونددت بالاستيطان "غير الشرعي" الذي تمارسه اسرائيل.
واعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال ان "فرنسا تدين قرار السلطات الاسرائيلية نشر استدراج عروض لبناء نحو 1500 وحدة سكنية في المستوطنات الاسرائيلية بالقدس والضفة الغربية" وتؤكد ان "الاستيطان غير شرعي في نظر القانون الدولي وانه يشكل عائقا لسلام عادل يقوم على حل الدولتين".
وأدان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الخطوات الإسرائيلية للتوسع الاستيطاني وأكد ضرورة التوصل إلى سلام دائم.
وحض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اسرائيل على تعليق الاستيطان واحترام القانون الدولي. واعرب بان كي مون عن "قلقه العميق" حيال اعلان حكومة نتنياهو مشاريع استيطانية جديدة، كما ذكر المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك. واضاف المتحدث في بيان "كما اكدت الأمم المتحدة مرارا، فان بناء مساكن جديدة في الأراضي المحتلة غير قانوني في نظر القانون الدولي".
ودعا بان كي مون الطرفين "الى تجنب اتخاذ اجراءات احادية على الأرض تقلص من فرص التوصل الى اتفاق سلام". واضاف المتحدث ان "الأمين العام يحض اسرائيل على الأخذ في الحسبان دعوات المجتمع الدولي الى تجميد انشطتها الاستيطانية واحترام التزاماتها" الدولية و"خارطة الطريق".
ووصفت وزيرة القضاء الإسرائيلية تسيبي ليفني في تأنيب غير مباشر لنتنياهو الاعلان الاستيطاني الجديد بأنه "خطأ دبلوماسي آخر". وقالت ليفني التي ترأس حزبا وسطيا في حكومة نتنياهو وتتولى مسؤولية مفاوضات السلام مع الفلسطينيين لراديو إسرائيل إنه سيكون من الصعب الآن "حشد العالم ضد حماس".
واكد ياريف اوبنهايمر مدير حركة السلام الآن الاسرائيلية ان "نتنياهو يبحث عن عذر لتجنب اعطاء فرصة لحل الدولتين".
وذكرت صحيفة "هآرتس" ان نتنياهو سيجتمع بطاقم وزاري الأحد المقبل لبحث خطوات إضافية للرد على تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية. وسيبحث فرض عقوبات جديدة على السلطة الفلسطينية وبحث الخطوات السياسية المحتملة، فيما سيطرح وزير الاقتصاد نفتالي بينيت اقتراحا بضم مناطق "ج" لإسرائيل.