مجلة القدس- غزة/ - منال خميس:

لم تكد أيام قليلة تمضي على توقيع اتفاق "الشاطئ" بين حركتَي فتح وحماس، حتى سقطت حرية الرأي والتعبير في ميزان الاختبار العلني مرة تلو الأخرى. ففي المرة الأولى، تم تجاهل الصحفيين وقت زيارة مسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد إلى قطاع غزة، وتُرِكوا ينتظرون بالخارج تحت أشعة الشمس طيلة فترة الاجتماع، ومن ثم غادروا دون أن يتمكنوا من الحصول على معلومة واحدة تتعلّق بالاجتماع ونتائجه. وهي حالة لا تُعدُّ مفصولة عن مجمل التضييقات والانتهاكات السابقة ضد الصحفيين في قطاع غزة، على مدى مسيرة الانقسام.

 

انتهاك صريح لحرية الرأي والتعبير

يقول المصور الصحفي مؤمن قريقع- وهو مصاب بشلل في نصفه الأسفل جرّاء إصابته برصاص الاحتلال أثناء أدائه عمله الصحفي-  في شهادته: "إن أفراد الأجهزة الأمنية التابعة لحماس اعتدوا على الشباب في ذكرى يوم "النكبة"، واعتدوا على سيارتي، ثم اعتدوا علي بالقذف والشتائم، وقال لي أحدهم حرفياً "إذا قصوك اليهود شوية، احنا حنكمل عليك".

وشهادة الصحفي قريقع المجروحة، جزء مما حدث منتصف شهر أيار، خلال فعاليات إحياء الذكرى الـ66 للنكبة، حيثُ اعتدَتْ الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس على الصحفيين المتواجدين للتغطية الصحفية في مكان التجمُّع الجماهيري عند الجدار الفاصل شمال قطاع غزة، الأمر الذي استفزَّ جميع الفصائل الفلسطينية، والأُطر الصحفية وعلى رأسها نقابة الصحفيين الفلسطينيين، التي نظَّمت بشكل فوري وقفة احتجاجية أمام المجلس التشريعي وسط مدينة غزة، وكانت إحدى مطالبها، احترام الصحفيين، وتسهيل مهامهم، والعمل على إعادة صوغ العلاقة بين رجال الأمن والصحفيين، ومطالَبَةَ حكومة غزة بتشكيل لجنة تحقيق فورية في ما حدث، ومعاقبة المسؤولين عن المساس بالصحفيين، الأمر الذي سارع الإعلام الحكومي التابع لحكومة حماس بتطبيقه، والاعتذار للصحفيين.

ورأى نائب نقيب الصحفيين الدكتور تحسين الأسطل في حديثه للـ"قدس" أن "هذه الاعتداءات تمثِّل انتهاكا صارخاً لحرية الرأي والتعبير وإهانةً بحق الصحفيين" مطالباً حكومة حماس بتحمُّل مسؤولياتها تجاه هذه الأفعال التي تمارسها أجهزتها الأمنية.

من جهتها شدَّدت الإعلامية والناشطة النسوية دنيا الأمل إسماعيل على انه "حتى الآن لا وجود لضمانات تمنع انتهاك حرية الرأي، ولا يوجد ضمان قانوني بأنه لا يحق لأجهزة الأمن مهما كانت أن تُسائل صحفيًا عن رأيه أو تحاسبه عليه، ولكن في القانون الدولي وفي مبادئ حقوق الإنسان، وحتى في القوانين الفلسطينية تنص المادة 19 على أن الضمانة الأساسية لحرية التعبير هي الضمانة القانونية، وتنص على حفظ مبادئ العدالة والمساواة للجميع دون تمييز على أساس الانتماء الحزبي أو الآراء والمعتقدات والمعتنقات المذهبية أو غيرها". وأردفت إسماعيل "للعلم، هذه المسائل لم تَعُد تُثير جدلاً كبيرًا في مناطق كثيرة من أنحاء العالم إلا في فلسطين، رغم أن فلسطين تاريخيًا هي وطن التعددية السياسية ووطن التعددية الفكرية، ولم نلحَظ أبدًا هذا القدر من التحسس تجاه سماع أراء الغير أو حالات التكفير كالتي نشهدها هنا، وأنا شخصيًا تعرَّضت للتكفير من قِبَل حركة حماس جرَّاء موقف عبَّرت فيه عن رأيي بمنتهى الصراحة حول بعض سلوكيات الحركة، ولكن مباشرة، وفي ذات اللحظة تم تكفيري في كل مواقع حماس الإعلامية، وحوَّلوها إلى قضية دينية تُتيح للناس أخذ القانون بيدهم بحقي!".

 

إدخال الصحف خطوة ايجابية..لكنها غير كافية

عقِب توقيع اتفاق "الشاطئ"، الذي ينص على البدء بتنفيذ بنود اتفاقية المصالحة التي تم توقيعها في القاهرة، أصدرت حكومة حماس قرارًا يسمح بتوزيع الصحف الصادرة في الضفة الغربية، وهي: القدس والأيام والحياة الجديدة، في قطاع غزة،كمساهمة في تفكيك مشكلات الانقسام وإنجاح اتفاق المصالحة، بعد انقطاع دام سبع سنوات، إثر انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية في العام 2007.

وفي هذا الصدد رأى مدير مكتب الفرنسية صخر أبو العون أن "التغيير الذي طرأ على واقع الحريات بغزة، بعد توقيع اتفاق الشاطئ، ليس سوى تغيير طفيف ومجرد تطمينات للرأي العام بأن هناك حريات ومصالحة"، وأضاف "صحيحٌ أن توزيعَ ثلاث صحف فلسطينية تصدر بالضفة في غزة يُعدُّ خطوة ايجابية، ولكنها ليست كافيةً في ظل وجود أكثر من 18 مكتبًا صحفيًا مُغلقًا، كإذاعة الحرية والعمال وفضائية فلسطين، علاوةً على إغلاقِ مقر نقابة الصحفيين منذ العام 2010، ومنع مؤسسات تابعة للسلطة الفلسطينية من العمل كوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" وغيرها. لذا إن كانت حماس ترغب حقًا في المصالحة، فالمطلوب من حكومتها أن تُعيد فتحَ جميع المؤسسات المغلقة، وتسمح للصحفيين التابعين لحركة "فتح" بالعمل بحرية، خاصةً أن مؤسسات حماس الإعلامية جميعها غير مُغلَقة وتعمل بحرية".

كذلك أشار أبو العون إلى وجود متابعة وتواصل من قِبَل نقابة الصحفيين- وخصوصًا نقيب الصحفيين الدكتور عبد الناصر النجار- وذوي الشأن مع لجنة الحريات برئاسة الدكتور مصطفى البرغوتي، من أجل إعادة فتح المؤسسات المغلقة في قطاع غزة.

أما الإعلامية دنيا الأمل إسماعيل، فأشارت إلى "أن تغييرًا إيجابيًا بسيطًا، كإدخال الصحف، لا يعني بالضرورة حدوث جملة تغييرات أخرى"، آملةً أن تُبنى على هذه الخطوة خطوات إيجابية أخرى متعلِّقة بحماية حرية الرأي والتعبير والسماح للكثير من الكُتَّاب والمفكرين بالتعبير عن أرائهم بمنتهى الحرية، وبمنتهى الشعور بالأمان على أنفسهم وأسرهم وكتاباتهم.

وأضافت إسماعيل "نتمنى أيضًا على كلا الجهتَين، فتح وحماس، أن تباشرا فورًا بتفعيل مبدأ حماية حرية الرأي والتعبير وضمانها، الذي يُعدُّ مبدأً أساسيًا من مبادئ حقوق الإنسان، نصَّ عليه القانون الأساسي الفلسطيني، وخاصة المادة 19 التي تؤكّد أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في المجتمع الفلسطيني".

من جانبها استغلَّت الأمانة العامة بنقابة الصحفيين الفلسطينيين، وهي الجسم الصحافي الشرعي المنبثِق عن منظمة التحرير الفلسطينية، أجواء المصالحة في قطاع غزة، وافتتحت مقراً لها في قطاع غزة، بعد أن كان مقرها قد أُغلِق من قبل "حماس" في شهر تشرين الأول من العام 2010، آملة بعودة قوية لها لممارسة دورها النقابي الفاعل، وبتنفيذٍ لخطوات أخرى تُعزِّز إعادة اللُحمة إلى الجسم الصحفي، والنظر في كثير من القضايا التي بقيت معلّقة على أجندة عملها النقابي. وهي خطوةٌ رحَّب بها الاتحاد الدولي للصحفيين معلنًا مساندته الكاملة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين التي جددت التزامها بهذه المناسبة بتوحيد الجسم الصحفي الفلسطيني والدفاع عن حقوقهم وحرياتهم.

بدوره رحَّب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين جيم بو ملحة بافتتاح مقر نقابة الصحفيين، مناشدًا جميع الصحفيين العاملين في فلسطين بالالتفاف حول النقابة، والتكاتف معًا للتعبير عن تضامن الجسم الصحفي.

 

بانتظار خطوات تكفل الحريات الإعلامية

في حديث لـ"القدس"، قال مدير مركز "مدى" للحريات الصحفية في قطاع غزة، المحامي كارم نشوان، "على الرغم من أن لي تحفظات على ما يتعلّق بالتشريعات الخاصة بحرية الرأي والتعبير أساسًا، وفيما يتعلق بحق المواطنين بالوصول إلى المعلومة، خاصة أن هذه القضايا لم تكن مثَار نقاش طيلة فترة المصالحة، إلا أن استهداف الصحفيين وحرية الرأي بهذه الفترة قد تراجع إلى حد ما".

وانتقد نشوان عدم وجود قانون يكفل حرية الوصول إلى المعلومات، موضحًا أنه "في حال توجه صحفي لأي مسؤول للحصول على معلومات، فإنه يمكن أن ينتظر شهراً أو شهرين دون أن يحصل على شيء"، ومضيفًا "باعتقادي فإن فترة ما بعد المصالحة يجب أن تؤسس لحرية الرأي والتعبير. لذا على النشطاء في مجال حقوق الإنسان أن "يُشمّروا" عن سواعدهم لأن معركة الحقوق والحريات ستبدأ وقتها".

وتابع نشوان "قد تستمر حالة الخوف من التعبير عن الرأي إلى أن تتشكل الحكومة، ويصبح لدينا منظومة تشريعات تحمي حقوق حرية الرأي والتعبير، وتصبح لدينا دولة قانون، تعدُّ الأجهزة الأمنية جهة غير مختصة لملاحقة الصحفيين وحرية الرأي".

وختم نشوان قائلاً: "نحن كمركز مدى نقوم بتوثيق جميع الانتهاكات التي يتعرَّض لها الصحفيون سواء من قِبَل الاحتلال أو من قِبَل السلطة الحاكمة قانونيًا وحقوقيًا، وفي إطار  ذلك أيضًا نُقدّم للصحفيين دورات تدريبية على مستويين؛ التوعية بحرية الرأي والتعبير، وكيفية اللجوء إلى قطاعات العدالة في اللحظة التي يتعرَّض فيها الصحفي لانتهاك ضده".

هذا ويعرب الشاب مؤيَّد زياد، وهو موظف بدائرة الإسعاف والطوارئ في السلطة الفلسطينية، عن سعادته الكبيرة وهو يمسك بجريدة الحياة بين يديه، بعد السماح بدخولها إلى غزة، حيثُ يقول: "أشعر الآن بأني إنسان ونلت حقي في المعرفة والمعلومات. المصالحة بالنسبة لي وللجميع مطلَبٌ مُلِحٌ لنستطيعَ الاستمرار في الحياة والصمود".

ويشير زياد إلى أن تبادل الصحف مؤشر ايجابي حول جدية المصالحة، مستدركًا "ولكنه غير كافٍ. فهناك بنود كثيرة من بنود حرية الرأي والتعبير، يجب أن يتم العمل بها، فالشعب يترقب والناس تنتظر عداد المصالحة أن يتوقّف عند نقطة الصفر".

وتتَّفق الصحفية نعمة أبو عمرة مع مؤيد زياد في الرأي وتؤكّد أن دخول الصحف إلى قطاع غزة، مجرد خطوة أولى يجب أن تتبعها خطوات أخرى، مشددّةً على ضرورة إنهاء الانقسام، ولافتة إلى أهمية إعادة فتحِ جميع المؤسسات الصحفية المغلقة في قطاع غزة، وإتاحة الفرصة أمامها للعمل بحرية لتتمكن من نقل رسالتها وقضيتها الفلسطينية إلى كل العالم.