حوار /امل خليفة

في الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال الإسرائيلي بالضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته بشأن المفاوضات وتمديدها وابتزازه لتقديم التنازلات عن الحقوق المشروعة بالسيادة والاستقلال، ما زال الشعب وقيادته متمسكين بالثوابت الوطنية، رافضين أية ضغوط أو مساومات على الحقوق التي ضمنتها لنا الشرعية والاتفاقات الدولية. ورغم التهديدات بالحصار الاقتصادي والعنف المستمر توجَّهت القيادة الفلسطينية تحت الراية الموحّدة إلى المصالحة لتحقيق الوحدة الفلسطينية من جهة، وإلى توقيع الاتفاقات الخاصة برفع الشكاوى إلى مؤسسات الأمم المتحدة من جهة ثانية. وللوقوف على هذه الأمور وسائر التطورات، كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" الأخ محمود العالول أبو جهاد.

 

أخ أبو جهاد كيف تقيّمون الاتفاق الأخير الذي توصّلت إليه حركتَا فتح وحماس؟ والى أي مدىً يمكن تحقيقه؟

نحن لا شك سعيدون جدًا بما توصَّلت له حركتَا فتح وحماس من اتفاق ومصالحة، حيثُ أننا في حركة فتح ندرك تمامًا مدى الضرر الذي أصاب القضية الفلسطينية نتيجة هذا الانقسام، وندرك أن استمرار الانقسام هو مصلحة إسرائيلية، المستفيد الأول منها هو الاحتلال الإسرائيلي، ومن اجل ذلك، وعبر الفترة الماضية، بذلنا جهودًا عديدة لمحاولة استعادة الوحدة الوطنية، ولكن هذه الجهود كانت تتعثَّر دائمًا بفعل العديد من العوامل بعضها بسبب التدخلات الإقليمية وبعضها بسبب عدم جهوزية حماس لهذه المصالحة. وخلال اجتماع القيادة الفلسطينية قبل أسبوعين نوَّهنا لوجوب تجديد الشرعيات، وإجراء انتخابات، رئاسية وبرلمانية، خاصة بعد حصولنا على العضوية في الأمم المتحدة كدولة فلسطينية، وبالتالي أكّدنا ضرورة إجراء الانتخابات دون أي انتظار أو تأخير، وكانت النية إجراء الانتخابات في الضفة وفي غزة وإيجاد الطريقة المناسبة لذلك، ولكننا قررنا أن ندرأ المبررات، وأن نبذل المحاولة الأخيرة مع حركة حماس لانجاز المصالحة ثم الذهاب إلى الانتخابات، لذلك شُكِّل هذا الوفد وجرت قبل ذهاب هذا الوفد إلى غزة مجموعة من الاتصالات مع حماس نفسها بالعديد من أطرافها، ومع عدد من الدول العربية المؤثّرة وعلى رأسها مصر، التي كان لها تأثير عام وأساسي في هذا الموضوع، وذهب الوفد بعد الترحيب بالزيارة وحصل الاتفاق، والآن نأمل ألا يحول دون إنجازه أي عائق، ونأمل أن تبقى النوايا بهذا الاتجاه الايجابي، لانجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية وعلى الأقل لنخطو خطواتها الأولى فيما يتعلَّق بالانتخابات. وقد تم الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية من مستقلين خلال الأسابيع الخمسة القادمة، وبعد إعلان هذه الحكومة يبدأ التحضير للانتخابات، على ألا تكون هذه الانتخابات قبل ستة أشهر على تشكيل الحكومة، وبعدها تأتي مرحلة الذهاب إلى الخطوات المتبقية من التفاصيل الخاصة بالتوافق والمصالحة، وبالرغم من بعض الملاحظات على بعض النصوص التي نأمل أن لا تشكل عائقًا بالاتفاق الذي تم، فنحن متفائلون، ولكننا نأمل أن نزيل هذه العقبات من خلال التواصل والبدء بتشكيل الحكومة واجتماع لجنة تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، ونؤكّد أننا سنبقى متمسّكين بخيار استعادة الوحدة الوطنية وسنبذل كل الجهود من أجل انجازه.

 

ما الذي يضمن استجابة حركة حماس للمطالب الفلسطينية خاصة ما يتعلَّق بالاعتراف بالاتفاقات؟ وكيف ستتم معالجة الملفات الإنسانية التي خلَّفها الانقلاب؟

لا توجد أيّة ضمانات، وفي هذه القضايا لا توجد ضمانات، بل الضمانة الوحيدة هي مدى الحرص على القضية الفلسطينية، ومدى الوطنية التي نتمتّع بها، ومدى الحرص على الشعب الفلسطيني والاستقلال وعدم التبعية لأجندات إقليمية فيما يخص قضايا الشعب والقضية الفلسطينية، ونحن نأمل أن تتحلّى حركة حماس خلال الفترة القادمة بهذه الركائز.

من جهة أخرى، بالطبع هنالك جراح وجراح عميقة للغاية نتجت عن الانقلاب، لكن علينا أن ندرك تمامًا أن مصلحة القضية هي الأساس، ونحن أعلنا في حركة فتح ولعشرات المرات أننا مستعدون للقفز عن جراحنا من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني، ومن أجل وحدة الشعب الفلسطيني، ومن أجل إعطاء أولوية لمواجهة التحدي الأساسي وهو الاحتلال، الذي يحمّلنا مسؤولية الفشل في إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية أمام المحافل الدولية، لذا علينا إعادة اللُحمة إلى أبناء شعبنا الواحد كي نستطيع مواجهة التحديات الأخرى.

 

خاطبَت إسرائيل الرئيس أبو مازن بـشكل مباشر بـ"إما السلام وإما المصالحة مع حماس"، أي أنها خيَّرت السلطة الوطنية بين المصالحة وبين استمرار التفاوض والسلام. ما رأيكم بذلك؟

هذا الاحتلال احتلال عنصري بغيض إلى درجة عالية جدًا. تخيلي هذا التناقض، ونحن نتفاوض معهم وعلى طاولة المفاوضات كانوا يقولون لنا أحيانًا "نحن مع من نتفاوض؟ وانتم من تمثلون؟ انتم لا تمثلون الشعب الفلسطيني!" قاصدين بهذه الرسالة الإشارة إلى الانقسام. واليوم وكلما ذهبنا لإجراء المصالحة والوحدة الوطنية يقولون إننا نختار عكس السلام وعكس المفاوضات. وبالتالي هذه مجرد مبررات إسرائيلية متناقضة للتهرب من استحقاق السلام ومن استحقاقات سياسية هامة بالنسبة للشعب الفلسطيني، فهل كانت عملية السلام والمفاوضات منجزة أصلا قبل أن يتم اتفاق المصالحة مع حماس؟!

 

ما هي آخر التطورات بعد مغادرة الوفد المفاوِض الأراضي الفلسطينية لاستكمال الجلسات التفاوضية؟

حتى الآن لا توجد أية تطورات مهمة أو ايجابية، ونحن ما زلنا نراوح مكاننا منذ فترة طويلة، والجميع يدرك أن هناك العديد من العقبات أمام هذه المفاوضات، وأهمها عدم وفاء إسرائيل بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتجاه ما تم الاتفاق علية أصلاً، وتحديدًا ما يتعلّق بموضوع الإفراج عن الأسرى ما قبل أوسلو والدفعة الرابعة من الأسرى، حيثُ تم التهرب بالكامل من هذا الاستحقاق من طرف الإسرائيليين، وبدأوا بالتلاعب بالألفاظ وبالاتفاق، وبفرض نظام الإبعاد خاصة على الأسرى من الأراضي المحتلة عام 1948، وكانوا يحاولون إخضاع القيادة الفلسطينية للضغوط والابتزاز في هذه المسألة، ونحن فخورون بأن القيادة بقيت صلبة متماسكة وغادرت تماما مربّع التردد، وبقيت متمسّكةً بثوابت الشعب الفلسطيني، وبالدفاع عنها. ومن الواضح والمؤكّد أن الإسرائيلي يبتزنا من أجل تمديد المفاوضات، ونحن لسنا ضد المفاوضات إلا أننا لا نريد مفاوضات عبثية ولا مفاوضات "حوار طرشان"، إذ لا بد أن يكون لهذه المفاوضات مرجعية واضحة يقر بها الطرفان وتحديدًا الجانب الإسرائيلي، وهذه المرجعية هي دولتان على حدود العام 1967 والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، إضافة إلى باقي قضايا المرحلة النهائية ومن ضمنها حق عودة اللاجئين وغيرها، ولا بد أن يرافقها مناخ مساعد لنجاح هذه المفاوضات، وأولى شروط هذا المناخ هي الإيقاف الكامل للاستيطان في كل الأرض المحتلة بما فيها مدينة القدس، وهذا ما نتمسّك به تمامًا، ولكن الاحتلال ما زال حتى الآن يرفض ذلك وما زال يحاول ابتزاز القيادة الفلسطينية في هذه المسألة، ولكننا نرفض تمامًا التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني، ونتمسّك بها ولا نخشى من التبعات التي يحاولون ترهيبنا بها والتي يقولون إنها ستكون نتيجةً لمواقفنا، وهي تبعات لها علاقة بازدياد العنف ضد الشعب الفلسطيني، وبالحصار الاقتصادي على السلطة الوطنية، وما في ذلك. ولكن.. هل العنف ضد الشعب الفلسطيني توقّف حتى نخشى من أن يتجدد؟! إن العنف مستمر دائمًا ويتجلَّى في عمليات القتل اليومي لأبناء شعبنا الفلسطيني والتنكيل بهم، وما يجري في الأقصى من تدنيس لساحاته ودخول المستوطنين وأدائهم شعائرهم الدينية داخله، والمخططات التهويدية داخل القدس وسرقة الأراضي وتوسيع الاستيطان، وغيرها من الانتهاكات المستمرة التي لم تتوقّف يومًا. ومن هنا فنحن لا نخشى ما يحاول الاحتلال الإسرائيلي إخافتنا به لأننا نعيشه أساسًا، ولا مشكلة لدينا بالحصار الاقتصادي الذي يهددوننا به، فالقضايا المطروحة لا يمكن على الإطلاق أن نقايضها بالمال أو بمساعدات اقتصادية.

 

هل خيار حل السلطة الوطنية خيار مطروح لدى القيادة؟ وما هي تبعات مثل هذا القرار على الشعب الفلسطيني؟

أرجو أن تكون هذه المسألة واضحة تمامًا، نحن بالنسبة لنا الموضوع ليس موضوع حل أو إبقاء، فنحن غير راضين عن استمرار هذه السلطة الفلسطينية المنتهكة سيادتها، ولا نستطيع أن نقبل بأن تبقى هذه السلطة منتهكة السيادة، السلطة والشعب والجميع في سجن كبير وهذا واقع لا نريده ولا يعجبنا على الإطلاق، لذا سنعيد النظر في كل ما هو قائم. بمعنىً آخر، نحن نريد تعديل هذه المواصفات لاستعادة سيادتنا، وإلا فسلطة بهذه المواصفات منتهكة السيادة ومنتهية الصلاحيات مسألة لا نستطيع الاستمرار بها، وبناءً على ذلك، ينبغي لإسرائيل أن تتحمّل تبعات عرقلة المفاوضات، وأن تتحمَّل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني الذي تتحكّم بمائه وسمائه وأرضه وحدوده، وعلى المجتمع الدولي أيضا أن يتحمَّل كامل المسؤولية تجاه الشعب الفلسطيني المحتل والمحاصر والمنتهكة حقوقه الطبيعية والإنسانية.

 

كيف تقيمون الموقف العربي والدولي وخاصة الأمريكي من موضوع المفاوضات؟

لا شك على الإطلاق والجميع يدرك عبر التجربة التاريخية أن هناك انحيازًا من السياسة الأمريكية تجاه السياسة الإسرائيلية، لكن خلال الفترة الأخيرة والأشهر الماضية الأخيرة شهِدنا الصفاقة والتنصُّل الإسرائيلي من كل الوعود، التي لم تكن في مواجهة الفلسطيني فقط وإنما في مواجهة الأمريكان. وخلال الأشهر الماضية لم تكن هناك مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين، بل كان كلام بيننا وبين السيد جون كيري وفريقه، وبين السيد كيري وفريقه والجانب الإسرائيلي، أي أن الوعود والتعهدات من قِبَل إسرائيل أُعطيت للجانب الأمريكي، والتنصُّل منها تم في مواجهة الجانب الأمريكي، لذلك أصبح الموقف الأمريكي محرجًا جدًا، ولأول مرة يضطر وزير الخارجية الأمريكي وفي جلسة في الكونغرس- بغض النظر لربما بعد ذلك يتراجع عنها- لأن يحمِّل الجانب الإسرائيلي مسؤولية فشل المفاوضات. وبالنسبة للوضع الدولي فهو ايجابي، بفضل السياسة المرنة الهادئة التي تتبعها القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن، والتي تتمسَّك في الآن عينه بالثوابت والحقوق الفلسطينية، وبالاتفاقات بصلابة، ولا تقدّم أي تنازل يضر بمصلحة الشعب الفلسطيني، وهذه السياسة ساهمت في كسب الدول وأوضحت صورة الوضع الفلسطيني بثبات ومرونة، إلى الدرجة التي ضايقت هذا المحتل الإسرائيلي، الذي شنَّ هجومًا على الرئيس أبو مازن على اعتبار أنه يخوض إرهابًا دبلوماسياً ضد الجانب الإسرائيلي. أما الجانب العربي، فله أولوياته وكله غارق بكم كبير من المشاكل الداخلية التي يعطيها الأولوية على حساب الوضع الفلسطيني، للأسف، لكننا حريصون على وضع المجتمع العربي، وأيضًا حريصون على إبقاء مظلة عربية تساعد الشعب الفلسطيني وتتفهّم موقفه السياسي.

 

توجّهت القيادة الفلسطينية إلى العديد من المحافل الدولية والمؤسسات الحقوقية، إلى أي مدى سيشكل ذلك ضغطًا على الجانب الإسرائيلي وفائدة على الشعب الفلسطيني؟

إننا نرى الإجابة على هذا السؤال من ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية، هذا الهلع وفقدان التوازن الذي حصل لديهم بدءًا من ذهابنا إلى الأمم المتحدة وحصولنا على عضوية دولة مراقبة ووصولاً إلى توقيعنا على خمس عشرة اتفاقية للأمم المتحدة، وبالطبع لا يمكن تخيل الهلع وفقدان التوازن والتهديدات التي كانوا يوجهونها لنا، والتي ما زلنا نتعرّض لها من اجل إيقاف هذه الخطوات، وهذا دليل على أننا نمتلك سلاحًا حادًا ومهمًا للغاية بعضنا لم يكن يدرك مدى أهميته وقدرته على التأثير، من أجل ذلك نحن مطمئنون انه لدينا أوراق تمكّننا من التأثير في الصراع القائم وبشكل قوي وفعّال.

 

إلى أين وصلت التحضيرات لانعقاد المؤتمر الحركي العام؟ وهل نحن جادون بانعقاد المؤتمر وقادرون على تحديد موعد؟ وما تأثير ذلك على الانتخابات العامة؟

خلال اجتماع اللجنة المركزية قبل يومين، قمنا بتشكيل اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر السابع. وبعد اجتماعات المركزي التي ستتم خلال اليومين القادمين ستبدأ هذه اللجنة بالاجتماعات، فنحن قررنا عقد المؤتمر في موعده، وهذه المسألة الأساس لدينا، لكن علينا أن ندرك تماما أننا كفلسطينيين وضمن الوضع الفلسطيني نعيش في منطقة رمال متحركة، بمعنى أننا لا تستطيع أن نضع برنامجًا ثابتًا للمستقبل، ولا نعلم بالظروف القادمة التي يمكن أن تضطرنا أحيانا لتغيير أولوياتنا أو برامجنا للفترة القادمة، كما أننا نعيش في مرحلة تحمل في طياتها كمًا هائلًا من الاحتمالات. ولكن انتخابات الأقاليم تجري بشكل ايجابي وجيد ونطبِّق خلال هذه الانتخابات النظام الأساسي للحركة، ونعمل على إنهائها جميعًا خلال المرحلة القادمة تحضيرًا لإفراز أعضاء المؤتمر. أمَّا الانتخابات العامة، فما زال الوقت مبكرًا للحديث عن طبيعة وكيفية حصولها، وهناك العديد من الأمور التي ستحسم خلال الأيام القادمة، علمًا أن جميع الفصائل الفلسطينية تفضِّل النظام النسبي الكامل، بينما حماس ما زالت تصر على النظام المختلط، وهذه المسألة ما زال عليها خلاف ونقاش نأمل حسمه خلال الفترة القادمة.